من خلال رصدنا للأدبيات والممارسات التربوية ذات العلاقة بالجوانب السلوكية للمتعلمين، يتبين لنا أن فلسفة التربية والتعليم إنما تقوم على أساس تمكين الطلبة من تنمية شخصياتهم ومعارفهم ومهاراتهم وقدراتهم وغير ذلك؛ من أجل تحقيق التماسك الاجتماعي في أي مجتمع حديث يحكمه التاريخ المشترك بين كافة مكوناته وأصوله وأعراقه وانتماءاته كالمجتمع البحريني مثلاً.
فالتاريخ المشترك للشعب البحريني الذي يعترف بحقوق جميع البحرينيين دونما أدنى تمييز أو إقصاء، هو الضمانة لبناء أرضية صلبة تكون أساساً نبني عليه نظامنا التربوي والتعليمي. وتأتي المدرسة كثاني مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية بعد الأسرة من جهة التأثير على الطلبة ورعايتهم والاهتمام بسلوكهم ودفعهم نحو خدمة وطنهم ومجتمعهم.
حالياً، هناك مشروع «السلوك من أجل التعلّم» ضمن برنامج تحسين أداء المدارس البحرينية، وهو يتماشى مع دعوتنا للبدء في صياغة مدونة قواعد سلوك للطلبة والمعلمين وأولياء الأمور من أجل تعلّم حقوق الإنسان. وسوف نركّز في مقال اليوم على «مدونة قواعد سلوك الطلبة لحقوق الإنسان»؛ لأن المدخل الحقوقي ـ في تصورنا ـ يعزّز مكانة وأهمية «حق التعليم» لدى أبنائنا الطلبة وتنظيم سلوكهم في المواظبة والحضور إلى المدارس مبكّراً وعدم الغياب، ما يقوّي حبّهم وارتباطهم وانتماءهم للمجتمع المدرسي، وتشجيع ثقافة الانضباط والإقبال على السلوك المقبول اجتماعياً.
وإيماناً منا بأهمية تعلّم حقوق الإنسان باعتبارها قضية عالمية يجب النظر إليها بمنظار تربوي يشجع على نشر هذه الثقافة وفق أفضل الممارسات العالمية، فإن من الأهمية بمكان صياغة مدوّنة قواعد السلوك بين الكادر الإداري والتعليمي والطلبة وأولياء الأمور، من أجل تعلّم مبادئ حقوق الإنسان تحقيقاً للأهداف التربوية السامية.
إن لـ «مدونة قواعد سلوك الطلبة لحقوق الإنسان» أهميتها في تنمية الوعي بالسلوكيات الإيجابية التي تنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان العالمية، وتبنِّي استراتيجيات تربوية فعالة في كيفية التعاطي مع سلوكيات الطلبة وفق مبادئ حقوق الإنسان، واعتماد المفاهيم والممارسات الحقوقية القائمة على الحوار والعيش المشترك والقبول بالآخر ونبذ كافة أشكال العنف المدرسي كأساس في حل المشكلات الطلابية، وتعريف الطلبة وأولياء الأمور بأهمية الأنظمة واللوائح الخاصة بتعلّم حقوق الإنسان وممارستها في الفضاء المدرسي.
بعد رجوعنا إلى بعض النماذج الخاصة بمدونة قواعد سلوك الطلبة عموماً، فإن هناك خمسة مجالات يمكن أن تصلح لـ «مدونة قواعد سلوك الطلبة لحقوق الإنسان»، وهي:
أولاً - مجال الالتزام بالتعليمات والأنظمة: يشمل احترام الأنظمة واللوائح المدرسية، وذلك بالحضور إلى المدرسة في الموعد المحدد، والالتزام بالزي المدرسي الموحد تحقيقاً لمبدأ العدالة وعدم التمييز، وتجنّب الخروج من المدرسة إلا بإذن مسبق من الإدارة، والالتزام بالبقاء في الصفوف الدراسية ومراعاة الهدوء، والمحافظة على نظافة البيئة المدرسية وسلامة المرافق العامة والتجهيزات فيها بعدم الكتابة على الجدران أو المقاعد باعتبارها حقاً للجميع، وتجنّب استخدام الأجهزة الإلكترونية الشخصية كالهاتف النقال والكمبيوتر المحمول في أثناء الحصص أو الاستراحة إلا بإذن المشرف الإداري المختص، وعدم استخدام مقتنيات الطلبة الآخرين بدون علمهم.
ثانياً - مجال السلوك: ويكون باحترام جميع المعلمين ومراعاة الأدب والأخلاق في الحوار معهم، ومخاطبة جميع المنتسبين للمجتمع المدرسي باحترام والابتعاد عن الجدال العقيم أو الشجار أو استخدام العنف اللفظي أو الجسدي مع الطلبة الزملاء.
ثالثاً - مجال العلاقات مع كافة أطراف العملية التربوية: يكون باختيار الصديق الذي يراعي حقوق الآخرين ولا ينظر إلى أصولهم وأجناسهم ومعتقداتهم وأعراقهم وانتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو الطائفية وغير ذلك، وضرورة احترام كافة أعضاء الهيئتين الإدارية والتعليمية، والتحلّي بروح المسئولية عند الإساءة إلى الآخرين والاعتذار إليهم بكل أمانة وشجاعة، وبذل المساعي الحميدة في المبادرة إلى الإصلاح ولمِّ الشمل في حال نشوب الخلافات بين الطلبة الزملاء.
رابعاً - المجال الأكاديمي: في قيام الطالب/ة بأداء الواجبات المدرسية المطلوبة وتسليمها في الموعد المقرر، وطلب المساعدة من المعلم/ة في حال وجود العقبات أو المشاكل التي تحول دون التعلّم، واحترام جهود الآخرين بعدم اللجوء إلى الغش في الامتحانات تحقيقاً لحق المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص التعليمية للجميع، والتحضير الجيد للمادة العلمية قبل الحضور إلى المدرسة، والمشاركة في الأنشطة اللاصفية التي تنمّي الحس الاجتماعي والعيش المشترك، وكذا المحافظة على الأدوات والكتب والمقتنيات المدرسية من التلف والضياع؛ لكي يتمكّن الطلبة الآخرون من استخدامها بعد ذلك.
خامساً ـ المجال الحقوقي: توظيف مبادئ حقوق الإنسان في البيئة المدرسية وجعلها الأساس في التعامل بين الطلبة وتقييم سلوكياتهم، فكلما التزم الطالب/ة بحقوق الآخرين في المدرسة من معلمين وطلبة وعاملين وغيرهم، كان أكثر قدرةً على التعايش معهم والمشاركة في بناء مجتمع متحضر تسوده ثقافة حقوق الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3949 - السبت 29 يونيو 2013م الموافق 20 شعبان 1434هـ
شكرا للكاتب العزيز
اذا قلت للطالب شيء ثم تأتي الوزارة و تأتي بفعل منافي له (عكس) التمييز في البعثات مثالا