العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ

«سقوط الصمت»... رواية تتنبأ بنهاية حكم الإخوان

صدرت عن «الدار المصرية اللبنانية» بالقاهرة رواية عمار علي حسن «سقوط الصمت» والتي تحوي خمسة وسبعين فصلاً أو مقطعاً متتابعاً في رحلة زمنية تسبق انطلاق الثورة وتتجاوز ما يجري حالياً إلى توقع ما سيحدث في المستقبل.

وقد حرص الكاتب على أن يضع من يقرأ روايته، في أي زمان وأي مكان، في صورة ما جرى كاملاً، كأنه شارك في هذا الحدث الكبير أو عايشه عن كثب، بل وطالع بعض الجوانب الخفية التي يمكن أن يصل الفن إلى أعماقها البعيدة، وبما يستحيل على التحليل السياسي أو الرصد الإخباري أن يبلغه. وساعده على هذا أنه كتب عن واقع كان في قلبه، ويعرف تفاصيله جيداً، حيث أعاد هضم كل هذا متجاوزاً النمطي والسائد والتسجيلي والمباشر، ليرسم لوحة فنية تحتفي بالجمالي وتحاول أن تسبر أغوار للفعل البشري المعقد في لحظة استثنائية.

وتتنبأ الرواية بنهاية حكم الإخوان، وهو ما يدل عليه مقطع بالرواية تحلم فيه والدة ممرضة أصيبت في الثورة بعجز كلي باقتحام مركز الحكم والتخلص من المستبدين وعلى رأسهم مرسي.

وصاغ عمار هذا الحلم في مقطع بالرواية تقول فيه هذه السيدة: «رأيت رجلهم الاحتياطي الذي وضعوه على الكرسي الكبير جالساً على الأرض، فوق رأسه لفافة بيضاء، وقدماه مغروستان في التراب، وبصره ذاهب نحو قرص الشمس المجروح بسكين الغروب. كانت عيناه منبلجتين، بينما هناك في الخلفية قصر قد انفتحت أبوابه أمام سيل عارم من البشر الغاضبين. ورأيت أجولة من دقيق ملقاة على الأرض تدوسها الأقدام فتنفلق ثم ينفرط أبيضها تحت النعال وهي تتقدم نحو حفل شواء كبير في البهو الواسع والردهات... كان الناس جائعين، وعيونهم تقدح شرراً، راح ينفلت من المقل ويزركش السواد بأحمر فاتح. بعض السواعد كانت تنزف دماً، أما الأيدي فقد امتدت تتخطف اللحم المشوي، وترميه في أفواه وسيعة، وتتعالى غمغمة المحتشدين في الصفوف الخلفية انتظاراً لدورهم في الوليمة».

وتعتمد الرواية، التي تقع في ستمئة وستة وستين صفحة من القطع المتوسط، بناء معمارياً مختلفاً يزاوج بين الخط المستقيم والمتصاعد للسرد وبين البنية الدائرية بما يخلق تشويقاً لافتاً للقارئ، تعززه اللغة الشاعرية والموسيقى الداخلية المنسابة في إيقاع هادئ والحس الرهيف والمواقف الإنسانية العميقة والمؤثرة، وبناء عالم أشبه بالحلم يرمم فيه الخيال الفياض فراغات الواقع المرير.

وتذهب هذه الرواية وراء الإنساني والجمالي والمخبوء في ثورة يناير المصرية من خلال سرد ووصف وحوار يصنعه «راو عليم» عبر شخصيات متنوعة خلقت المشهد المهيب، وذلك في بطولة جماعية تضم مختلف النماذج البشرية التي شاركت في الثورة، حيث تضم: الثوري الحالم والانتهازي، وشباباً من الشوارع الخلفية وأبناء الطبقة الوسطى، واليساريين والليبراليين والإخوان والسلفيين والجنرالات وأنصار النظام السابق واللامبالين، والعمال والفلاحين والموظفين والإعلاميين والمثقفين، والشيوخ والصبية والرجال والنساء، والقاضي العادل وترزي القوانين، وأرواح الشهداء والمصابين، وكذلك الهلال والصليب كرمزين لوحدة وطنية، وتمثال عمر مكرم الذي يتوسط ميدان التحرير، وتمثال زورسر الذي يغادر المتحف ويتفقد الثوار.

وتضم رسامي الجرافيتي وصانعي اللافتات وكاتبي الهتافات والشعارات، وأطفال الشوارع المشردين ومتحدي الإعاقة، والبلطجية والمتحرشين والمخبرين، والأميين ومجيدي النقر على رقعة الحاسوب ليصنعوا الدهشة والأمل في العالم الافتراضي، والأجانب الذين جاءوا للمتابعة كصحافيين أو دبلوماسيين، وشباباً عربياً بهره ما حدث في لحظته الأولى وأثار شجونه وتمنى أن يراه في بلاده.

كما تضم سيدات المجتمع، وفتيات واجهن كشف العذرية والسحل في الشوارع الملتهبة، وأخريات قاتلن كالرجال حين فرضت السلطة المستبدة على الثوار مغادرة التعبير السلمي عن الغضب.

وفي الرواية تتخالط مشاعر الحب والكره، والوفاء والغدر، والأمانة والخيانة، ويحتدم الصراع بين أبطالها، ويتحول بعضهم مع مرور الأيام من النقيض إلى النقيض.

وفي الرواية، التي تأخذ بعداً ملحمياً، تتخالط مشاعر الحب والكره، والوفاء والغدر، والأمانة والخيانة، ويحتدم الصراع بين أبطالها، ويتحول بعضهم مع مرور الأيام من النقيض إلى النقيض.

وتفضح الرواية، في الوقت نفسه، حدود الصراع القيمي والنفسي بين التيار الديني المتزمت والمتطرف الذي صعد على أكتاف الثورة وبين قوى التحديث والتغيير والاستنارة، لتتنبأ بانتصار الفريق الثاني في نهاية المطاف بعد آمال وآلام يرسم النص ملامحها في هدوء وروية.

يشار إلى أن «سقوط الصمت» هي الرواية الخامسة لعمار على حسن بعد «حكاية شمردل» و «جدران المدى» و «زهر الخريف» و «حكاية شمردل»، علاوة على ثلاث مجموعات قصصية هي «عرب العطيات» و «أحلام منسية» و «التي هي أحزن». وقد حصلت الأخيرة على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، فيما حصل كتابه «التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر» على جائزة الشيخ زايد في فرع التنمية وبناء الدولة، وحصلت مجمل أعماله العلمية، التي تصل إلى سبعة عشر كتاباً في علم الاجتماع السياسي والنقد الأدبي والتصوف، على جائزة الدولة للتفوق في العلوم الاجتماعية.

العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً