العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ

وثيقة: تاجر فرنسي بين كانو وآل صفر

بعض الوثائق قد تفتح لك آفاقاً واسعة في نواحي البحث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة ما وزمن ما، وهذه الوثيقة التي بين أيديكم الآن هي من هذا النوع. أولاً، لأنها من الوثائق المعمرة جداً إن جاز التعبير، فعمرها نحو 114 عاماً، وكُتبت بتاريخ 10 مايو/ أيار من العام 1899م. وثانياً، هي من الوثائق التجارية بين أهل البحرين في زمن التآلف واللحمة الوطنية والقلوب الصافية التي لم تشوهها أطماع الزمن الرديء على رغم أنها كانت بين تجار يتنافسون على التجارة والموارد الطبيعية أو الصناعية ذاتها وأحدهما من طائفة مهمة ومؤثرة جداً وبدرجة المسئول الثاني في البحرين، والآخر تاجر بحريني كبير يتبع سلطة ذاك المسئول. لكنها قلوب الأوائل المليئة بالمحبة والوئام وعدم النظر للعقيدة والدين في تقييم المسلم لأخيه المسلم، والبحريني لأخيه البحريني تحديداً.

هذه الوثيقة هي عبارة عن رسالة موجهة من التاجر والوجيه المعروف يوسف بن أحمد كانو إلى أخيه التاجر والوجيه المعروف محمد رحيم بن الحاج عبدالنبي بن محمد علي صفر وكان حينها في منصب سياسي مرموق في البحرين والخليج سنذكره ضمن التعليق على الوثيقة، وقد وثقت زمانياً بتاريخ 29 ذي الحجة 1316 هـ، ونصها كالتالي:

«بسم الله الرحمن الرحيم

لحضرة جناب الأجل الأمجد الاكمل الأفخم اقا محّمد رحّيم بن الحاج عبدالنبي بن محمد علي صفر حرسه الله تعالي.

نحب اهدي ما وجب ولاقّ من وافر السلام وجزيل الاشتياق لمشاهدة انواركم الباهرة وشيمكم الفاخرة ورحمة الله وبركاته ومغفرته ومرضاته وازكى واكمل هباته على الدوام.

والموجب لتحريره هو ابلاغ جنابكم العالي عني جزيل السلام.. وثم المعروض لقد وصلنا بهذا الميل (سملآ) من بمبي وحمدن الله على ذلك.. وسوف نعرض ما وجب عرضه المركب (سملآ) قدم مسقط وركب المستر بيس وقد بين لي انه مرامه اينزل لاجل علاقات مع سعادتكم لاكن بواسطة (القرنيشه؟؟) ليس ممكن منه النزول وذكر انه قد ورد له من اخيكّم اقا محمد صادق كتاب وذكر له انه عند رجوعه من مسقط يتوفا مع جنابكم فهو على ما ذكر اخيكم ممنون بنزوله لاكن بواسطة (القرنيشه؟؟) ما امكنه النزول هذا ما لزم عرضه.. وهم ركب معنا من مسقط معنا رجل فرنساوي ومرامه النزول بالبحرين وحسب الضاهر انه تاجر مرامه اينعمل قنطرات على جلب الاائلآت (؟؟؟) اجمع وعلي بن احمد الذهبه معه، والمذكور حافظ لغة العربية بالكمال.. هذا ما لزم عرضه وسلامي العزيز لديك ومن ولدي يقبلون أياديكم ودم محروساً والسلام.

29 ذلحجه 1316

يوسف بن احمد كانو»

بداية في تعليقنا على هذه الوثيقة ومما يلفت النظر إليها هو هذا الكم العظيم من التقدير الذي يكنه الرجلان لبعضهما البعض وذلك من خلال التحايا والألقاب التي أسبغها يوسف بن كانو على صديقه الأغا محمد رحيم صفر.

وثانياً، إن آغا محمد رحيم صفر هو ابن الحاج عبدالنبي صفر الذي كان نائب وكيل بريطاني في البحرين ما بين الأعوام 1834 و1842. وقد عمل آغا محمد رحيم بداية في منصب الوكيل السري لبريطانيا في بوشهر ما بين الأعوام 1860 و1893، ثم أصبح ما بين أعوام 1893 و1900 الوكيل البريطاني الرسمي في البحرين. وللعلم فهو سليل أسرة آل صفر التي تقلدت مناصب الوكيل البريطاني في البحرين، بعد أن كان المنصب مقتصراً على الهنود فقط منذ بدء العمل به ما بين أعوام 1816 و1834. وسنتعرض لتاريخ تقلد هذه العائلة لمنصب الوكيل البريطاني أو نائبه في البحرين منذ العام 1829 في وثائق بريطانية قريباً.

إذاً هذه الوثيقة تنبع أهميتها بأنها مرسلة من أحد أكابر وأعيان التجار في البحرين وهو يوسف بن أحمد كانو، وسليل أسرة آل صفر آغا محمد رحيم، وهذه الأسرة التجارية الخليجية المعروفة كان لها دور سياسي واقتصادي كبير في الخليج والبحرين تحديداً ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين للميلاد.

وتحكي الوثيقة، بقلم يوسف كانو، بعض أحداث رحلته البحرية التجارية بين مسقط والبحرين خلال شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار من العام 1899؛ من محاولة رجل أجنبي والغالب أنه بريطاني ويدعي «مستر بيس» مرافقتهم في المركب المسمي «سملآ» وكان قادماً في رحلة تجارية من الهند إلى البحرين مروراً بمسقط. ولا نعلم مدى علاقة هذا الشخص بالوكيل البريطاني في البحرين آغا محمد رحيم حيث ذكرت الرسالة أنه كان ينوي التوجه للبحرين بدعم من شقيق آغا محمد رحيم «لأجل علاقات مع سعادتكم» أي مع الوكيل نفسه.

وكذلك تذكر الرسالة جانباً مهماً جداً من تجارة البحرين الأساسية في تلك السنوات وهي اللؤلؤ ومكانتها الحيوية في هذه التجارة وذلك من خلال ركوب تاجر لؤلؤ فرنسي معهم على ظهر المركب وهدفه كما ذكرت الوثيقة «مرامه النزول بالبحرين وحسب الضاهر انه تاجر مرامه اينعمل قنطرات على جلب الاائلآت». أي إنهاء معاملات وصفقات شراء اللؤلؤ البحريني، حيث يذكر يوسف كانو أن أحد كبار تجار اللؤلؤ معه وهو (علي بن أحمد الذهبه). كما يسجل ملاحظة مهمة أيضاً على تجار وسماسرة اللؤلؤ الأجانب آنذاك وبشكل خاص الفرنسيين، ومعظمهم من اليهود، بأنهم كانوا يجيدون اللغة العربية لتيسير أمور تجارتهم في تلك الفترة.

ولضيق المساحة واختصار القصد من هذه الزاوية، نسجل أمام هذه الوثيقة أنها غنية بما حوته بين طياتها ولربما عند تعميق البحث فيها وعنها مستقبلاً لسوف تنكشف معلومات أخرى جوهرية تفيد البحث في تاريخ البحرين التجاري والإداري في ظل الحماية البريطانية.

العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:47 ص

      تراث والاصالة

      حقا ان عوائل العريقة في البحرين مثل كانو وصفر والذهبة

اقرأ ايضاً