العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ

نسخة العالَم «السورية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلُّ شيء تغيَّر في سورية. ليس في جغرافيتها فقط، بل حولها أيضاً. أصدقاؤها وأعداؤها بالسواء. لم تعد الأمور بذات أحجامها اليوم. لقد انتقل الحال في الداخل من خربشات طباشير على جدران درعا، إلى قصف بالمدافع والصواريخ، وقتال في الشوارع مصحوباً بخطف وتشريد.

خارجها القريب تحوَّل هو الآخر. لقد انتقلت تركيا من شريك تجاري بمليارات الدولارات إلى خصم مُتعسكِر ضدها. العراق، تحوَّل من مُتخاصِمٍ معها بالاشتباك بسبب دعمها للمسلحين فيه، حتى العام 2010، إلى شريك قوي لها بعد عامين. لبنان، تحوَّل من مستقبِلٍ للفعل السوري طيلة ثلاثين عاماً، إلى مُصدِّر للفعل إلى داخل سورية، بعد قتال حزب الله في معركة القصير السورية.

في الخارج غير القريب، تحوَّلت قطر من شريك سياسي مع سورية في لبنان، وشريك تجاري عبرها في تركيا، وشريك آخر معها داخل العراق، إلى خصم سياسي وتجاري وأمني لدود لسورية بعد العام 2011. وتحوَّلت السعودية، من شريك نِدِّي لدمشق (بالتوافق) في لبنان وقضايا التوازن الاستراتيجي في المنطقة، إلى خصم سياسي صريح لها.

في الجغرافيا الأبعد، أخرَجَت الأزمة السورية تونس ومصر من غرب آسيا. وتحوَّلت ليبيا من شريك تاريخي مع سورية (أيام معمَّر القذافي) إلى خصم يمد معارضيها بالسلاح مع مجيء الإسلاميين إلى السلطة. أما الجزائر، فقد أغرقتها الأزمة السورية في مزيدٍ من الحذر أن تقول أو تفعل شيئاً.

في الشرق حيث إيران، فقد أجْلَت الأزمة في سورية عن علاقتها الحقيقية بدمشق، والتي لم يُعرَف لها وصفٌ مُحدَّد منذ العام 1982 بعد توقيع عبد الحليم خدام لبروتوكول العلاقة الإستراتيجية بين الجانبين. وأصبحت طهران، الرئة السياسية والاقتصادية والعسكرية لسورية خلال العامين الماضيين.

هذا على مستوى الأنظمة. أما على مستوى النخب العربية، فقد فجَّرت الأزمة السورية أصول القناعات واتجاهاتها لدى هذه النخب، وأصبحت مشطورة على سماطيْن. إما على أساس طائفي (سُني/ شيعي – سُني/ مسيحي) عند الأحزاب والتنظيمات الدينية، أو على أساس سياسي آيدلوجي (وطنيون/ عملاء - عروبيون/ إمبرياليون) من موريتانيا حتى الهلال الخصيب.

عند القوى الكبرى، ظَهَرَ ذات الانقسام والتقسيم. فالولايات المتحدة الأميركية ومعها الاتحاد الأوروبي وقفوا ضد النظام السوري. وفي الجانب الآخر، ظَهَرَت روسيا والصين ومعهما مجموعة «البريكس» تساند النظام في دمشق. وأصبح هذان الطرفان، يتصارعان في مجلس الأمن، والجمعية العامة والمجالس الأممية (كمجلس حقوق الإنسان والمجالس الاقتصادية) والسبب هو سورية طبعاً.

الغربيون كأنظمة حاكمة، اختلفوا في الموضوع السوري، على أساس النظرة إلى شكل المعارضة السورية. فكما اختلفت ثمان دول منهم في تعريف الإرهاب في التسعينيات وبداية الألفية، اختلفوا في سورية حول مَنْ هو الأحق بالتسليح، ثم بالحكم بعد سقوط الأسد. كان الألمان، والنمساويون، والفرنسيون في طليعة المختلِفين في ذلك، وبدأوا في التخوف من الإسلاميين.

النخب السياسية الأوروبية، انعكست عليها الأزمة السورية كذلك. القوميون السويديون والبريطانيون والفرنسيون، والهنغاريون والإيطاليون، والجبهة الوطنيّة البلجيكيّة، وعموم اليمين الأوروبي، وآخرون من اليسار أيدوا النظام السوري، في موقف مغاير لحكوماتهم.

هذا بالنسبة للإقليم والعالم، لكن الأمر لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل إن موضوعات كبرى وأخرى (وبالتحديد الموضوعات الاجتماعية وشئون الهوية والقومية الأوسع) قد انقسمت، وأصابها رَشَحُ الأزمة السورية في الصميم. ففي داخل سورية، بَدَت تسعة عشر طائفة وعِرقاً، وهي تدخل في الصراع الجاهلي الأول، برجوع كل منها نحو هويتها الطائفية والعرقية الفرعية بدفع أعمى.

وأصبح الإعلام يتحدث بخبث عن أن السويداء والجولان دُرزيّّتان. وأن حِمص وحلب سُنيَّتان. وأن طرطوس والغرب السوري علويان، وباتت الحَسَكَة والشمال السوري كرديين. وأن صيدنايا بريف دمشق والميدان والسليمانية والعزيزية بحلب ما هي إلاَّ مناطق مسيحية، في حين أن هناك أربعة ملايين لاجئ سوري مختلطين في مذاهبهم باتوا يتنقلون بين المحافظات السورية في الداخل!

في الخارج، انفجَرَ البارود الطائفي في لبنان (جبل محسن/ باب التبانة – صيدا/ الجيش). وفي تركيا (العلمانية)، أصبح أردوغان يتحدث علناً عن أن ضحايا تفجيرات الريحانية هم من طائفة محددة. وأصبحت الفتاوى تتطاير ضد العلويين والشيعة، ووجوب القتال والجهاد في سورية.

حركات المقاومة ضد «إسرائيل» انشطرت نصفين. اختار حزب الله والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل القتال إلى جانب النظام السوري. واختارت حركة المقاومة الإسلامية حماس مغادرة العاصمة دمشق والاصطفاف ضد النظام السوري. أما حركة الجهاد الإٍسلامي فقد مالأت نظام الأسد، لكن لم يُسمَع أنها خاضت قتالاً إلى جانبه.

أيضاً، انعكست الأزمة السورية على المستوى الإنساني. فلأول مرة، يأتي إلى تركيا (حتى يناير الماضي) 150 ألف لاجئ، وإلى الأردن (من سورية) 176 ألفاً، وإلى لبنان 192 ألفا، وإلى مصر 150 ألفاً، وإلى كردستان 70 ألفاً، وإلى الجزائر 25 ألفاً، وإلى أرمينيا ثلاثة آلاف. وهي في الحقيقة ليست مأساة إنسانية وحسب، بل هي مأساة مُركَّبة، انطوت في تفاصيلها على خارطة ديمغرافية جديدة، شهدتها الدول الحاضنة للاجئين، إلى الحد الذي أثر على نسيجها الاجتماعي واقتصادياتها الضعيفة أصلاً.

لنتمعن جيّداً في كلّ تلك المشاهد المتعدّدة والمعقّدة. إنها كفيلةٌ فعلاً بأن تغيِّر صورة الإقليم والعالم، وتجعله نسخةً سوريةً، وهو ما حدث فعلاً. أزمة طاحنة، فتَّت المجتمع السوري، ومسَّت سلمه الأهلي، وأمنه الشخصي، وغيَّرت من ميزان القوى في المنطقة، وجعلت العالَم يتناطح مع بعضه على شكل المصالح والغنائم، وعلى الصورة المفترضة لشكله العام.

وعندما تتحوَّل الأزمات من أزمات داخلية، إلى أخرى دولية، فهذا يعني أن اللاعبين يُصبحون فيها كُثُراً، وبالتالي مصالحهم تصبح كثيرة ومتقاطعة، ولا يُمكن التوافق عليها، وهو ما يعني تعذر الحلول، لصالح التعقيدات، ليبقى الضحايا هم الناس كخاصرة رخوة. والله المستعان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3948 - الجمعة 28 يونيو 2013م الموافق 19 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:21 ص

      والله تحلل

      اقول اخي العزيز الكاتب محمد عبدالله حلل لنفسك وتحيزك لنفسك زتعصبك لنفسه لا يجعلك ترى الحق والباطل اين لا تعرف شئء مع احترامي لك انت في الامس كنت تسب مرجع من مراجع العظام اية الله منتظري وتصفه انهو كذاب واليوم تريد تحلل وضع اقليمي كن مستقل مثل اخوانك الكتاب

    • زائر 7 | 10:57 ص

      صدام وبس

      من فقدت الامة العربية الشهيد المناضل صدام حسين اصبحت بدون قائد ضاعت الامة بين طموحات القادة الصغار الدين ظهروا بعد استشهادة وظهرت ايران بصواريخها وين كانت صوريخها ونوي مالها ايام الشهيد صدام كل ماهناك بعد سقوط بغداد علي يد اكبر قوة في العالم امريكا سلمت بغداد لهم ومن جاء علي الدبابة الامريكية وسلمت خرائط التصنيع العسكري العراقي لهم واصبحت ايران نووية بفعل انجازات العلماء العراقين

    • زائر 6 | 6:39 ص

      قول بس الله يطلعنا من ها الخسفات

      مجلس من المجالس مجلس الأمن ليش ما يدخل ويحل الخلافات أمنيا وبهدوء بدون حرب. جحا قال هذا أكيد ها المجلس من أدوات المستخدمه لشن الغارات والحروب. يعني مثل ما صار في ليبيا والعراق والجزائر كانت بلد المليون شهيد اليوم من الله عليهم بالصحه وزيت العافيه وتدار بمتأسلمين الأخوان. قد تكون بحسب الحسابات العبريه الأمريكيه البريطانيه الفرنسية الأيطاليه.. يعني هذا الدول مستعمره سابقا يعاد إستعمارها بس تحت مسميات عولمه وتجاره حره وخصخصه وتجنيس وتخسيس و حفة يد وخسه ليست كما الخسفه. يعني يا مخسوفين يا منخسفين.

    • زائر 5 | 6:30 ص

      سبحان الدايم.. لا يتغير، لكن المتغيرات من الفوضى الخلاقه تحتاج حلاقه

      وسواس خناس .. و .. نفاثات في العقد .. وحساد تجمعوا على ها الشعب ليش متعاونين على البر والتقوى أو من باب الشر والعدوان ومعصيه؟.. الم يقل المولى لا تعتدوا .. إن الله لا يحب المعتدين.. عاد وين إتشوف كل واحد حامل كلاشنكوف في ظلمه ودواشق خزن مفرشات ومعروشات في العريش بإم الدنيا. وإحتراب وحرب من ويش من الاسلام أو من ملة نصارى يهود بدون مؤاذه سلف. يعني يمكن مثل ما قال واحد سلف وجه أمريكا عبري على عربي بس مدفوع الاجر بالدولار الأمريكي. يعني عمله مو سهله .. ليش صارت عمله صعبه؟

    • زائر 4 | 5:34 ص

      مخطط صهيوني بامتياز يشارك فيه مع الأسف بعض من المستعربين المتصهينين

      الأسد خطط له لإسقاطه لأنه آخر قلعة مقاومة وعقابه لأنه ساند حرب 2006 في لبنان وحرب غزة،بينما وقفت الدول الأخرى تتفرج وتستهزء،لأنها لم تدرك أن الإرادة الحقة يمكنها الانتصار،هي دول خانعة لا تعمل لصالح شعوبها،علمت أن الدور آتي عليها بعد أن تحركت الشعوب وانتفضت،فكان من الطبيعي لها أن تحاول وقف هذا المد بالحراك المضاد لإحتواءه في كل هذه الدول،لكن مهما فعلوا فالدور عليها قادم،فإرادة الشعوب أمضى من خونة الأوطان.

    • زائر 2 | 2:53 ص

      ادعاء امريكي

      متى أصبح جون كيري حريصا على الديمقراطية في سوريا وهو يدميها في أماكن أخرى . هذا يكفي لكي نعرف زين الادعاء الأمريكي

    • زائر 1 | 12:30 ص

      فتنة سوريا

      توصيف دقيق .. احسنت
      كلٌ يُراعي مصالحه على حساب الشعب السوري ..
      من يقفون مع النظام يتبجَّحون بالمقوامة والممانعة لاستمرار استبداد عائلة الأسد واستمرار مصالحهم معها .. وفي الجانب الآخر الذين يقفون ضد النظام يتبجَّحون بالديمقراطية وحقوق الإنسان وهم غارقين في وحل القمع وكبت الحريات .. والمحصلة استمرار النزيف السوري وتدمير سوريا أرضا وشعبا .. وفي المقابل اطمئنان اسرائيل للوضع الحالي .. ولسان حال إسرائيل هي مقولة نابليون بونابرت : إذا رأيت عدوك يدمر نفسه فلا تقاطعه. والسلام

    • زائر 3 زائر 1 | 3:14 ص

      نعم توصيف دقيق ولكن

      في سوريا نحن أمام حرب استنزاف طويلة لكي يطحن فيها كل من تخافهم إسرائيل.
      أمام الباروستراتيجي فهي استراتيجية ما وراء الإستراتيجيات فتقضي ببقاء التوازن لكي يطحن في الحرب السورية كل أشداء المسلمين وكل حملة السلاح ويدخلوا في حفلة زار طائفي يديرها الكبار في مجلس الأمن وتدفع فاتورتها دول المنطقة وينفذها كل القوى الإسلامية وهم سكارى يقتلون وينحرون وينبشون القبور بسم دين محمد وكل يقول هو من أمة محمد ولكنه في الواقع يخدم كبار القوم في مجلس الأمن.

اقرأ ايضاً