بهذه المقدمة نكون قد بلغنا عتبة علم عظيم لم نتعلمه في المنزل أو المدرسة أو الشارع أو في حقول الرياضات البدنية المختلفة، إنه الاسترخاء ولكي نفهم الاسترخاء بشكل أفضل يجب أن ندرك أولا أننا على وعي بالجاذبية الارضية منذ نعومة أظفارنا بل أن هذا الإحساس يلازمنا حتى عند النوم، انه مهمة جهازنا العضلي في موازنة أجسادنا مع الجاذبية الأرضية، لذا فأولى مهام الاسترخاء هو الإفلات من الجاذبية الارضية أولا متبوعا في المراحل المتقدمة بالانسلاخ من العالم الذى نعيشه عبر التفكير في شيء واحد محدد، أو عدم التفكير في شيء وهما أمران ليسا بالسهل تحقيقهما من أول مرة.

إن أحسن أوضاع الاسترخاء هو وضع الجثمان وهو الإستلقاء على الظهر فوق أرض مستوية مع إبعاد اليدين عن الجذع وإبعاد الرجلين عن بعضهما لغرض إبعاد المؤثرات الحسية والآن شد بقوة عضلات يديك ورجليك وعنقك وجدعك لثوان معدودة ثم ارخها دفعة واحدة ودعها تسقط على الأرض، تنفس بهدوء عدة مرات ثم تخيل الاسترخاء يسري في رجلك اليمنى بدئاً بالأصبع الكبير ثم الثاني فالثالث فالرابع فالخامس، خذ نفسًا عميقا ومع الزفير انقل سحابة الاسترخاء إلى مشط القدم حتى الكاحل وبعد أخذ شهيق عميق ومع الزفير انقل السحابة إلى ربلة الساق حتى الركبة وهكذا مع الزفير التالي انقل السحابة إلى أسفل الفخذ، ثم إلى أعلى الفخذ حتى تصل إلى العانة، ستجد صعوبة في أول الأمر ولكن ما أن تتقن العملية حتى تصبح سهلة كركوب الدراجة ولن تنساها ابدا.

كرر العملية على الرجل اليسرى ثم انقل السحابة من العانة إلى السرة ومن السرة مع الزفير التالي إلى أعلى الصدر وصولا إلى العنق، كرر العملية في الظهر بدءا بالردفين فأسفل الظهر فوسط الظهر حتى العنق.

كرر العملية مع أصابع اليد اليمنى الإبهام فالسبابة فالوسطى فالبنصر وأخيرا الخنصر، انقل السحابة مع الزفير التالي إلى راحة اليد ثم المعصم وهكذا خطوة خطوة فالساعد فالكوع فالزند وأخيرا الكتف.

كرر العملية لليد اليسرى ثم انتقل إلى العنق من الخلف في أسفل الرأس ثم الجهة العليا من الرأس ثم مع الزفير انقل السحابة من أعلى الرأس لليمين نزولا إلى الإذن اليمنى فالصدغ الأيمن فالخد الأيمن وصولا إلى الفك السفلي من جهة اليمين، كرر العملية من الجهة اليسرى واخيرا انتقل إلى الجهة الأمامية الجبين فالحواجب ثم العينين اليمنى واليسرى ثم الأنف ثم الخد الأيمن فالخد الأيسر ثم الأسنان في الفك العلوي يتبعه الاسنان في الفك السفلي.

والآن الرجلين مسترخيتين، الجذع مسترخٍ. اليدين مسترخيتين والرأس مسترخٍ ورويدا رويدا مر بالسحابة ومن أعلى الرأس فالعنق فالجذع فاليدين فالرجلين وهكذا اغرق الجسم بالكامل كل الجسم والآن خذ عدة أنفاس عميقة وتفقد الأماكن التي لم يصلها الاسترخاء بعد ولا تنسى أسفل الظهر، والردفين وباطن القدمين، وكل الأجزاء الملامسة للارض حتى تشعر أنك تكاد تغوص في أرض الغرفة.

ثم انتقل للخطوة الثانية تخيل نفسك ملقىً على ساحل بحري في إحدى الجزر النائية انظر حولك فالسماء من فوقك زرقاء والبحر عن جنبيك أزرق والأفق أزرق وأنت في لجة من الزرقة حاول أن تثبت ذهنك على الزرقة وكلما حاول عقلك الشرود انقله بلطف إلى وضعك الأزرق ولكن لا تشد معه لأنه كالطفل المشاكس إن عنفته تمرد عليك وصعب عليك الامر.

تخيل نفسك في حضرة الطبيعة أمنا الحنون وأن كل ما فيها قد سخره الله للبشر وكافة المخلوقات. تأمل في زرقة البحر بدرجاتها المختلفة وصولا الى اللجة الزرقاء، رويدا رويدا ركز ذهنك على هدير الأمواج وهي تنساب عبر الساحل، شنف أذنيك بأصوات طيور النورس من حولك، اجعل من المكان جنة غنّاء، تخيل ذلك لمدة أطول وكلما هرب عقلك لمشاغلك الخاصة أعده برفق فأنت على أول الطريق لجعله طوع بنانك. هذه الأحاسيس الجميلة تهديء نفسك، وتريح أعصابك وهى أول الطريق إلى عالم النوم العميق.

والآن الخطوة الأخيرة حرك أصابع قدميك ثم أصابع رجليك، ثم حرك يديك ورجليك يمينا وشمالا ثم تمطى وتثاءب بصوت عالٍ وشد جسمك ثم بالتدريج انقلب على جنبك الأيسر واستشعر البرانا والطاقة تغمر جسمك والسعادة تغمر قلبك، ثم اجلس وتمطى بعدها انهض من مكانك ببطء، وقف على رجليك وأنت تتمتم الحمد لله (الناس في نعمة لكنهم غافلون عنها). وأهلا بك في عداد ممارسى الاسترخاء.