العدد 37 - السبت 12 أكتوبر 2002م الموافق 05 شعبان 1423هـ

المخرجون الفرنسيون يكملون المسيرة

بالتأكيد هناك أسماء معروفة مثل كلود شابرول وآلان ريسني وبرتراند تافرنيي وإيريك رومير وباتريس لوكونت وكلود ليلوش وموريس بيالا وأندريه تيشيني وجان جاك أرنو ولوك بيسون قد أثبتت وجودها بنجاح على الساحة السينمائية الفرنسية وهي وجوه مضيئة استطاعت الدخول إلى قلوب محبي الفن السابع في جميع أنحاء العالم. ولكن في السنوات الأخيرة، ظهرت وجوه سينمائية جديدة تصنع بنفسها أعمالا فنية جيدة تصل إلى جماهير متنوعة الاتجاهات. ونقدم هنا بانوراما سريعة لبعض الأسماء بالترتيب الأبجدي.

ألف: مثل أرنو (ديبليشان) أو أساياس (أوليفيه) وهما سينمائيان عاشقان لفنهما ويتمتعان بسعة الاطلاع. فيقدم الأول أعمالا حميمية تتميز بالعمق وتجمع بين الخطورة والسخرية والغموض وأقرب إلى التساؤلات الفلسفية وحتى الميتافزيقية. إن فيلمه الأول «حياة الموتى» (1990) يدخلنا إلى عالم الفوضى الذي تعيشه أسرة غداة انتحار أحد أفرادها. وفي فيلم «الخفير» (1992) هناك تساؤل عن مستقبل فرنسا وهويتها داخل أوروبا. ثم يقوم بعد ذلك بتشريح حياته الخاصة في فيلم «كيف تشاجرت» (1996) أما فيلم «إستر كاهان» المأخوذ عن قصة قصيرة للمؤلف أرثر سيمونز فلقد قدم في مهرجان كان السينمائي العام 2000 وتم تصويره في إنجلترا. إنها قصة فتاة تعيش في الحي اليهودي في لندن في نهاية القرن التاسع عشر، وتتفتح على الحياة باكتشافها عالم المسرح. وبغض النظر عن الموضوعات التي يطرحها، فإن ديبليشان غالبا ما يعيدها إلى دائرة اهتماماته الشخصية: اختلاط الاستدلالات وروح المرأة الغامضة والنواحي الغريبة في شخصية الآخر عموماً.

معاناة جيل

عمل أوليفيه أساياس ناقدا سينمائيا في مجلة «دفاتر السينما» الأسطورية التي تحتفل هذا العام بمرور خمسين عاماً على إنشائها. وقد واكبت بداياته السينمائية سلسلة من الأعمال الساخنة حول ما يعانيه الجيل الذي ينتمي إليه من مشكلات: ابتداء من فيلم «الفوضى» (1986) وحتى «الماء البارد» (1994) الذي أطلق فيه لأول مرة الممثلة فيرجيني لودوايان. وفي 1996 قدم فيلم «إيرما فيب» مع ممثلة من هونغ كونغ تدعى ماجي شونج (قامت بتمثيل فيلم «الاستعداد للحب» والتي ستصبح فيما بعد رفيقة حياته. ويطرح هذا الفيلم القلق الذي يصاحب العمل في مجال السينما على رغم الاعتراف بمآثرها وسحرها. ويغوص بنا فيلم «أواخر أغسطس أوائل سبتمبر» (1998) في عالم الخلافات لدى المثقفين المعاصرين من المتزوجين.

من الكوميديا إلى الدراما

بحرف الكاف، نجد ثلاثة مخرجين يتناقض عالم الواحد مع الآخر.

يجيد سيدريك كلابيش صناعة الكوميديا الاجتماعية، فيطرح فيلمه الأول «لا شيء على الإطلاق» (1992) بازدراء العلاقات المهنية المؤسسية حيث يتهكم على أخلاقيات مجموعة العاملين في متجر كبير. وفي فيلم «الخطر الشبابي» (1995) نراه يعيد رسم الواقع الصارخ لتلاميذ المدارس في السبعينات. وله أيضا قصة بسيطة تجري أحداثها في حي الباستيل الباريسي وهي مليئة بالفكاهة والمشاعر الإنسانية، قام بتقديمها في فيلم «كل واحد يبحث عن قطته» (1996) وسيذوق كلابيش طعم النجاح الساحق بفيلم «جو عائلي» (1997) المأخوذ عن رواية ميلودرامية للكاتبين جان بيار بكري وأغنيس جاوي تدور حول الخلافات والأحكام الاعتباطية التي يطلقها أفراد الأسرة الواحدة.

أما سيدريك كاهان فقد قام بإخراج فيلمه الأول «حانة السكك الحديدية» (1991) وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وقد جاء الفيلم شهادة مصورة صادقة ومؤلمة تعيد إلى ذاكرتنا المخرج جان أوستاش. وفي فيلم «كثير من السعادة» (1994) يصور كاهان شباب التسعينات (والعنوان ساخر وخادع)، كما يطرح مشكلة العنصرية الكامنة واقتلاع الجذور وانفعالات وجروحات اللقاء الأول بين الشبان والفتيات. ويأتي بعد ذلك بفيلم «الملل» (1998) وهو مأخوذ عن رواية للأديب ألبتو مورافيا والذي يقدم فيه بأسلوب إكلينيكي حالة سقوط رجل (شارل بيرلنج) في براثن عاطفة مثيرة للهواجس. وقد اختير فيلمه الجديد الذي يحمل اسم المجرم الإيطالي «روبرتو سكو» ويتناول سيرة حياته (مع باتريك ديل ايزولا، ستيفانو كاسيتي وإيزيلد لوبسكو) ليعرض في مهرجان كان السينمائي العام 2001.

وبعد إقامة قصيرة في الولايات المتحدة يعود كاسوفيتز ليقدم العام 2000 فيلم «الأنهار الأرجوانية» المبني على الترقب والرعب على الطريقة الأميركية، حيث يذكرنا بفيلمي «صمت الحملان» و«سبعة» ومنذ ذلك الحين وهو يستقبل نصوصا من الولايات المتحدة وسيكون غريبا ألا يعود إليها مرة أخرى، مثلما فعل جان - جاك أنو، لتقديم فيلم على نطاق أوسع.

بحرف الـ P: مانويل بواريه وهو شاعر فضل الانزواء والعيش في الريف على المدينة. استطاع في النورماندي الهروب من أسلوب باريس المعيشي. لأن الحياة بالنسبة إليه أهم من السينما. لذلك ومن خلال مراقبته للبسطاء قام بتصوير أفلام خيالية يبدو فيها وكأنه يغش ليحافظ على الواقع. «صديقة أنطونيو» (1992)، «في الريف» (1994) وماريون(1995)... والمفاجأة التي أحدثها في مهرجان كان مع «وسترن» (1997) وهي نزهة بريطانية طويلة بين أحد أبناء الكاتالان (سيرجي لوبيز المدهش) ومستوقف سيارات روسي، وقد نال هذا الفيلم استحسان اللجنة وفاز بالجائزة. ولكن الخيبة بالمقابل أتت في «أحبك» (2001) حيث نواكب قصة هروب زوجين فرنسيين شابين إلى بيرو. ولكننا بانتظار المزيد من أعماله الإنسانية والدافئة التي تعالج مشكلات الناس الذين يعيشون على هامش المجتمع.

إنه من الصعب أن ننهي بانوراما «الشباب» هذه من دون أن نذكر ثلاثة مخرجين ممن بلغوا سن الخمسين: بينوا جاكو وفرانسوا دوبيرون وروبير جيديجيان.

بدأ الأول مهنته في 1975 لكنه عرف طفرة شبابية جديدة في بداية التسعينات، حيث قدم فيلم «الخائبة» (1991). ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن الإخراج محافظا بذلك على معدل ثابت من الجودة. ولقد اشتهر جاكو بالأفلام الوثائقية (عن لاكان ومرجريت دوراس) ولكنه في الحقيقة ينتج الأفلام التحليلية. وقد طرح للمناقشة موضوعات المسرح، في فيلمي «عن ظهر قلب!» (1998) و«التابعة الكاذبة» (2000)، وموضوع الرغبة في «السماء السابعة» (1997) مع ساندرين كيبرلان وفنسان ليندون و«ساد» (2000) مع دانيال أوتي، ثم نراه يشرح طبقة البرجوازية في «مدرسة الجسد» (1998) و«بلا فضيحة» (1999) مع إيزابيل هوبير. ويقوم جاكو حاليا بإخراج فيلم مأخوذ عن رواية «توسكا» (2001).

ثلاثة من أبناء الخمسين

بدأ فرانسوا دوبيرون الإخراج في 1988 بفيلم غير عادي من بطولة ثنائي شهير للغاية: جيرار دوبارديو وكاترين دونوف وجرت أحداثه على حافة طريق سفر، «مكان غريب للمقابلة». أما فيلم «قلب يدق» (1991) فإنه يطرح موضوع ولع عاطفي مع ما يحمله من انفعالات مؤلمة. وإذا تغاضينا عن«الآلة» (1994) ويتضمن إثارة تحت الطلب، فإننا نجد «ما هي الحياة؟» (2001) وهو فيلم رائع عن العودة إلى اليابسة لكنه لم يلق إقبالا جماهيريا كافيا. وننتظر في الوقت الحالي عرض «حجرة الضباط» (2001) وهو مأخوذ عن رواية مارك دوجان عن«مشوهي الحرب العالمية الأولى» مع إيزابيل رينو وإيريك كاراكافا وسابين أزيمه وأندرية دوسوليي، دخل التصفية الرسمية في مهرجان كان العام (2001).

وأخيرا، قدم روبير جيديجيان نفسه إلى جمهور السينما في مهرجان كان العام 1997 بالكوميديا الاجتماعية «ماريوس وجانيت». وقد قدم هذا المخرج قبل ذلك مجموعة من الأفلام برهنت على حس سياسي مرهف مقاوم للنظام الباريسي (فهو يتمسك بالتصوير في مدينة مارسيليا). فبعد ميلودراما ثقيلة نوعا ما «مكان القلب» (1998)، قام بإخراج قصة خيالية ناقدة للذات «إلى المعركة» (2000)، ثم «المدينة هادئة» (2001)، حيث استعاد اندفاعه وحيرته الواعية، ولعبت رفيقته آريان أسكاريد بجدارة دور الأم الشجاعة.

? صحافي بالمجلة الثقافية الأسبوعية  "لابل فرانس"

العدد 37 - السبت 12 أكتوبر 2002م الموافق 05 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً