العدد 3946 - الأربعاء 26 يونيو 2013م الموافق 17 شعبان 1434هـ

الوعي الذي تصنعه الآفاق المفتوحة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الرعاة أكثر البشر تأملاً حتى في مستويات وعيهم البسيط، فكيف بهم إذا وضعتهم الأقدار في المواضع تلك وهم من النجباء بالنقاء والطهْر؟ لم يأتِ اختيار الله أنبياءه من رعاة الأغنام عبثاً. الأفق المفتوح يعمل على فتْح المدارك وتفجّر الأفكار والدخول في خضمّ أسئلة وتساؤل. الرعاة يوم اختير الأنبياء منهم لم يكن العالم بهذا الدنس والاكتظاظ والتهافت. الأرض كانت بكْراً والنفوس والأرواح كانت بكْراً في نفس الوقت. والشرّ لم يتأصّل، ومحفزات التمرّد لذات التمرّد لم تُشَع بعد.

بين عشرات ومئات وملايين الرعاة يقع اختيار السماء على أحدهم هنا، وثانٍ هناك، وثالث هنالك، في بُقَع متجاورة ربما لا يفصل بينها بمعايير وسائل الوصول والاتصال اليوم سوى ساعات، وإن استغرقت شهوراً. الرسالات ومن يطلع بأمرها لا يولد في بيئات مغلقة. لم نسمع عن نبي تم تكليفه وهو في مغارة أو كهف. علاقات مع الأرض بذلك العدْو في سهولها وصحرائها، وعلاقات متغلغلة مع بشر وإنسان تلك الأرض.

الأمر نفسه لا يختلف مع الذين يتصدّون لقضايا أممهم وشعوبهم، لا يمكن أن يحظَوا بذلك التفويض الأرضي البشري وهم في انعزالٍ عن القضايا تلك؛ إما توخياً للسلامة والنأي عن الأكلاف؛ وإما لأنهم ليسوا في وارد أن يقودوا شعوباً وأمماً في بحثها عن الخلاص، والخروج بها مما تعانيه.

هذا الحراك اليومي مع الناس في ابتلاءاتهم ومشكلاتهم وما يعانونه تحت عناوين ومضامين متعددة، هو صكّ الاختيار لمن يقف مع تفاصيلهم البسيطة والمركّبة.

في هذا العصر المُبْتلى بالضجيج والتعتيم وإشغال فكر ووعي واهتمام الناس، يتحيّن بعض الذين لا علاقة لهم بتفاصيل حتى أهلهم، فرصَ أن يكونوا في الصدارة من كل شيء. أن يختطفوا أدوار ومراكز ومواقع الذين هم في صلب معاناة الناس وتبنّي قضاياهم. عصر ضجيج وتعتيم وإشغال فكر؛ لأن الذين يختطفون تلك الأدوار والمراكز والمواقع بيدهم ما يُغذّي ويموّل تحريف قناعات. يصبحون هم في هذه اللحظات والمراحل التي يتم اختطافها رعاة ولكن من نوع آخر. رعاة للساذجين ومنتهزي المنافع والفرص المؤقتة. لا فضاء بكْراً في الأمر، ولا مدارك من نوع خاص، ولا أفكار تقيهم هيمنة الغياب عليهم.

انتهت عصور النبوة ولكن لم تنته عصور الإنسان الذي من المفترض أن يكمل تلك الأدوار والرسالات، بمزيدٍ من تعميق القيم وتثبيتها، وبمزيدٍ من تحرّي الآفاق المفتوحة التي يستطيع من خلالها أن يفكّر في صالح بني جنسه، وبمزيد من البساطة والهدوء في زمنٍ متورطٍ في الضجيج الذي خلّف وما يزال يخلّف وراءه سدّاً للآفاق، واحتجازاً ورهْناً للبشر الذين صودرت آفاق تحركهم احتجاجاً وأملاً وتطلّعاً إلى واقع أفضل.

والذين يمتهنون اختطاف الأدوار ولم يتمرّنوا أو يتصالحوا مع الآفاق المفتوحة، ولم يكونوا رعاة قيمة كي يكونوا رعاة وعي، صاروا اليوم يعلّمون الناس درساً في: كيف تتأمل والناس تتألم. وكيف تصبح مفكّراً في مهرجان. وكيف تكون إنساناً ضمن مواصفات ومقاييس تصدر من مؤسسات وظيفتها مصادرة الأفق والتفكير وكل ما يدل على قيمة.

كأن زمن الآفاق المفتوحة على البساطة والفطرة وتحسّس آلام الناس لدى من هم من المفترض أن يتصدوا لمصادرتها، قد ولّى. ولّى بهذا الضجيج الذي يرشح عرقاً وآلاماً ودما.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3946 - الأربعاء 26 يونيو 2013م الموافق 17 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:46 م

      كلام أعجبني

      لم نسمع عن نبي تم تكليفه وهو في مغارة أو كهف. علاقات مع الأرض بذلك العدْو في سهولها وصحرائها، وعلاقات متغلغلة مع بشر وإنسان تلك الأرض.

    • زائر 4 | 1:08 م

      مثقفون طائفيون

      والذين يمتهنون اختطاف الأدوار ولم يتمرّنوا أو يتصالحوا مع الآفاق المفتوحة، ولم يكونوا رعاة قيمة كي يكونوا رعاة وعي، رأينا منهم كثيرين وبعضهم كانوا عن حسب مناضلين فاصبحوا طائفيين متطرفين يطالبون بالقصاص من الذين يطالبون بحقوقهم.

    • زائر 2 | 2:05 ص

      نعم

      هذا هو حال الكتاب المخلصين الصادقين من امثالكم. الله يوفقكم جميعاً.

    • زائر 1 | 1:06 ص

      تفكر في خلق الله وليس تفكير أو تكفير يعني إنكار الشيء

      يقول واحد ولك شو وعي الشعب أو لم يعي بعد أنه مستلك ويستهلك ومستثمر ومستعمر ولا تدري عاد يعرف هذا الشيء أو لا يعرف. يعني تدري أو ما تري مو شكل بعض صارت الناس موسوسه وتتهاوش على أقل شيء. هل لسوء النيه أو لأنهم ما يحبون بعض يعني مثل هابيل وقابيل دخل ما بينهم الشيطان ونزغ وواحد قتل الثاني. هذا مثال من الامثله التي ضربت للناس، لكن الناس لا تعتبروتتبع خطوات الشيطان. ويش الواحد يسوي الشياطين ها الايام لا ينعرف ليهم من الناس أو من غير ما يندره؟

اقرأ ايضاً