العدد 3946 - الأربعاء 26 يونيو 2013م الموافق 17 شعبان 1434هـ

في تحديد الفريسة في الغابة... في التفخيخ الأعمى

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ليست مفارقةً؛ ليست صُدْفةً، أن يحدث في بعض عالم ومحيطات الحيوان قتْلٌ على النوع. في عالم ومحيطات الإنسان يحدث قتلٌ على الهوية، المذهب، الدِّين، اللون، مع/ ضد، وأحياناً الملامح.

ملهاةٌ بامتياز تنتقل من عالم الحيوان ليتلقّفها الإنسان بشهوة واستماتة ليست غريبة، حينها نكتشف أنه ليس إنساناً فعلاً.

عالم الحيوان ذاك؛ سيشعر بخجل مُضاعف لو أتيح له خيار أن يخجل بوعي وإدراك وتمييز. لا فضل للإنسان على الحيوان بالممارسة التي نشهد، والشهوة التي نُعايِن، والتهافت على تحويل كل بياض وأخضر إلى رماد.

لا فضل للإنسان في هذا الزمن - الإنسان الذي ليس إنساناً أصلاً سوى بالملامح والمظهر الخارجي - حتى على الأشياء. الأشياء لا تُؤذي. حين تُؤذي تكون بمعيّة الإنسان وتوجيهه وتسخيره وتجييره لها.

ثم ليس من عنديّات أحد ملاحظة أنَّ الحيوان يرصد ويخصّص ويُحدّدُ فريسته في ظروفٍ لا تستقيم حياته من دون شطبها (الفريسة) من سجلّ المحيط الذي يهيمن عليه بالقوّة؛ أو ما توافر له من وسيلةٍ يحدّدها.

يترصّد لفريسته، يفشل مرةً ومرتين وثلاثاً؛ وقد يفشل لأيام؛ وقد ينجح؛ لكن ثمة تحديداً لفريسة معيّنة، ضمن ظروف محدّدة أيضاً. بعض البشر يترصّدون ويقنصون ويُفجّرون؛ ولو لم يتحدّد ما يهدّد استقامة حيواتهم واستقرارها.

أصحاب المفخّخات اليوم من الدُبُر والقُبل وما سيستجدّ من مشروعات وعمليات التفخيخ المقبلة، لا تمييز عندهم البتّة. بعد جلسات لا أسمّيها غسْل دماغ؛ إذ لا غسْل في الأمر إطلاقاً. إنه المحْو. محْو ما يدلّ على أنه إنسانٌ، وأنه كان هنا. على هذا الكوكب أساساً. هو التعريف الغابر: أن تقتل من لم تواجهه ومن لم تعرفه ولا علاقة ثأر بينك وبينه. يعمد الانتحاري بمفخّخاته وأحزمته الناسفة إلى الذهاب في العدم الذي جاء منه. لا أحد بمنأى عن مشروعه الترحيلي إلى العالم الآخر؛ ولو كان أحد إخوته وأقاربه مارّاً بالصدفة. نتحدّث هنا عن مشروعات التفخيخ «الوطنية»! لا عن التي يتم استجلابها من وراء الحدود، وتعاني عُقداً واستئثاراً ووهمَ صدْق بأنها النموذج المُختار من قبل السماء لإعادة النظر في خريطة الحياة وخيارات البشر؛ شاءوا أم أبوا!

بعض البشر ينحازون إلى بدائية لو خُيّر الحيوان في شأنها لندم على ما ارتكبه دون خيار منه. بعض البشر بائسون ويائسون لفرْط الفشل وتعمّقه ووصوله إلى العظْم. بعض البشر أدمغتهم في أحذيتهم. كيف لحذاءٍ أن يكون عقلاً؟ كيف لحذاءٍ أن يفكّر؟

القتل على الهوية اليوم لم تسْلم منه عاصمة عربية. أقول: لا عاصمة عربية اليوم بريئةٌ من هذا الكرنفال في ظل طوابير من تشييع الجنازات، وفي ظلّ بحار من الدموع، وفي ظلّ جبالٍ من المآسيّ والآلام والبؤس. واقع تخجل المرارة منه لأنه أبعد من ذلك بكثير.

البطولة للسكّين، ولكل أداة نحْر وقتل قادرة على إنهاء حيوات الذين يرى فيهم المخالفون والمترصّدون عبئاً وفائضاً وتطفّلاً على الحياة. البطولة لأسلحةٍ حديثةٍ لا صلة لإنسان هذه الجغرافية بعناء اختراعها، رشّاشاً كان، أو كاتيوشا. المهمّ في الأمر من يحدّد ذلك؟ من يحدّد أن الهوية، والمذهب، والدِّين، واللون، ومع/ ضد، وأحياناً الملامح، هي العنوان والمضمون معاً لتبرير مثل ذلك الترحيل الجبان؟

خالق الخلق الذي يستشهد به أولئك بقوله تعالى، وقال رسول الله (ص) ولو ذهب بهم التأويل مذاهب المسطولين والمنتشين في جلسات الذهاب بالعقل والوعي، لن يقفوا على ذرّة تلميح بذلك التخويل لخَوَل الأرض للقيام بمهمّة مدّعاة.

يتأمّل الواحد منّا هذه الجغرافيات المنذورة للقتل والسحْل والتمثيل بالقتلى - لا يتم الاكتفاء بالقتل، فثمة دور أكبر أهمية بإضفاء لمسات وتواقيع على المشهد: أن تتمثّل التوحّش وتترك لقطة شخصية لك تُثبت أنك كنت هنا، وأنك كنت الفاعل (بفخر) تشطيب الجثة بمزيد من التمثيل بها - فيتيقّن أن الفاشلين والموتورين ومختطفي الحقيقة ومدّعيها، هم من يمثّل اليوم حال الحيوانية في بدائيتها منذ تشكّل هذا الكوكب. حيوانية (بشرية) تخجل منها الحيوانية التي نعرف ونألف.

الدّين نفسه الذي يرفعه أولئك لواء في «جهادهم» المشحون. جهادهم الذي لا علاقة له بتلك القيمة تقديماً وأولوية في الدفاع وصدّ الاعتداء، يبدأ أول ما يبدأ مع بني الجلْدة والدّين الواحد. التفسير والتأويل والأحكام المسبّقة، والغلّ الممنهج له رأي آخر: البدء بهم ولا بعد بعدهم!

أعيد: ليست مفارقةً؛ ليست صُدْفةً، أن يحدث في بعض عالم ومحيطات الحيوان قتْلٌ على النوع. في عالم ومحيطات الإنسان يحدث قتلٌ على الهوية، المذهب، الدِّين، اللون، مع/ ضد، وأحياناً الملامح.

ولا عزاء للمسطولين باسم الدّين!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3946 - الأربعاء 26 يونيو 2013م الموافق 17 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:44 ص

      عصبيه القوميه

      تلك العصبيه الموجوده بكثره في الدول العربيه اللهم لا حسدمااكثرنا ولكن قلوبنا شتى!

    • زائر 1 | 1:49 ص

      المعلقات والدلدله والال والتوقيع والإيقاع بالفرائس

      حتى النصب والاحتيال وصله العمى إشلون يعني.. واحد ينصب فخ للطيور وآخر ينصب فخ لأخيه حي يوقعه في حفره. وناس نصب أقخاخ للناس كباريه وصوروهم وبهدلوهم ويذلونهم بهذه الصور والسجيلات. إبتزاز يعني مثل ما يسوون مال الموساد يعني.. يجسس عليك ويحفر الى أن يصيد عليك ذله ودلدلك بعدها. ويش مو رذاله أو نذاله بعد ما أمن فيك تخون؟ وأين السلام مو فجشاء ومنكر يس باطن ما ينشاف؟؟

اقرأ ايضاً