كل الآيات القرآنية مثل «واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تفرَّقوا واذكروا نعمةَ اللهِ عليكم إِذْ كنتم أَعداءً فأَلَّفَ بين قلوبِكُمْ فأَصبحتُم بِنِعمتِهِ إِخوانًا...» (آل عمران/ 103)، وقوله سبحانه: «ولا تنازعُوا فتفشلُوا وتذهبَ ريحُكُمْ...» (الأنفال/ 46). وكل الأحاديث النبوية المتفق عليها مثل «المسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم»، و»المسلم أخو المسلم: لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله»؛ لم تعد تجد آذاناً صاغية أمام فتاوى التكفير وإعلان النفير العام للجهاد المقدس من بعض الأبواق المحسوبة على الإسلام ضد الأمة الإسلامية المؤمنة بكتاب الله وسنة نبيه وهوية الدين القويم وبمنطق العقل، وضرورات الحياة. مع ملاحظة مهمة جداً بأن هذا النفير لإعلان الجهاد ليس ضد كل ظالم في عموم الأراضي الإسلامية؛ وليس ضد العصابات الصهيونية الغاصبة لأرض المسلمين وعلى رأسها المسجد الأقصى؛ بل كله تماهياً مع رغبة الغرب والكيان الصهيوني الذي يقود حرباً شرسة ضد بلد إسلامي مقاوم لهم، وإن اختلفنا معه في تفاصيل النظام السياسي فهو لا يختلف كثيراً عن معظم الكيانات العربية والإسلامية الأخرى في تعاملها مع شعوبها.
وسط هذه الأجواء التي تدير رحاها وتشعل أوار نارها جهات معينة بعينها وأفراد معروفون فضائياً سواء أكانوا معمّمين أم بلحى أو بدونها أيضاً؛ تأتي دعوة كريمة أُعلنت من قِبل جناح واحد فقط من جناحي هذه الأمة المنكوبة ببقايا المنافقين منذ القدم. هذه الدعوة بدأها أصحابها بوعي تام للمرحلة الحالية، بقولهم «قام الإسلام على كلمة التَّوحيد، وتوحيد الكلمة، على وحدة الربِّ، ووحدة الأمة». هذا ما سمعه اليوم وقرأه أتباع منظومة إبليس الذي كان يعلم بخطئه الفظيع في عصيان أمر ربه وقد علم وفهم ما قاله له الرب «وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين»، ومع ذلك قال وبكل وقاحة شيطانية، عندما منحه الله فرصة إلى يوم «يبعثون»، أنه سيقوم بإغواء كل الناس، وعلى رأسهم مسلمي الزمان، في عبارته الخالدة «قال رب بما أغويتني لأُزينن لهم في الأرض ولأُغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهمُ المخلصين» (الحجر/ 39-40).
هؤلاء الأتباع سواءً أكانوا بعمامة أم بدونها، لم يعد يعجبهم سماع مثل هذه العبارات الربانية والكريمة لأنها لا توصلهم إلى الجنة كما يتوهمون! ومثيلاتها التي تقول بأن «الوحدة الإسلامية، والأخوَّة الإيمانية، وتكريس مفهوم الأمة الواحدة، والتعاون على الحق والخير، والبر والتقوى، والدفاع عن مصالح المسلمين وقضايا الأمة، ونبذ الفرقة المذهبية والنزاع الطائفي، من الحقائق الإسلامية الراسخة، والضرورات الحياتية الواضحة». هذا ما ورد ضمن الوثيقة العصرية التي أطلقها مؤخراً رجال في المجلس الإسلامي العلمائي، وفي ضوء رؤية إسلامية وسياسية واعية، وهم يأملون بأنهم، من باب علّ وعسي، سيجدون عبر وثيقتهم الإنسانية قبل أن تكون إسلامية، من يحاول أن يرقرق سمعه، ويُحسّن أداء عقله، ويطيَّب ريح قلبه وقبره من علماء ووجهاء المسلمين من يتقي الله حقاً لا كلاماً، قبل فوات الأوان إلى حيث يأخذهم حزب إبليس في طريقه الذي ذكره في عبارته الخالدة تلك.
فهنا ثلةٌ من المؤمنين الأوفياء لدين المحبة والكرامة والتسامح وحقن الدماء، لا دين المفخخات والقتل على الهوية الطائفية وبقر البطون وسحل الجثث وقطع الرؤوس. دين المبادئ التي أرساها الرسول الكريم محمد بن عبدالله (ص) من حفظ المسلم في دمه، وماله، وعرضه.
أهناك رجل دين أو سياسي نزيه ووطني غيور يرفض مثل هذه المبادئ: «نرفض رفضاً باتًّا تكفير المسلمين. الاختلافات العلمية بين المذاهب والقناعات النظرية حقٌّ مكفول. نرفض بكل قوة إثارة الفتنة الطائفيَّة، وننبذ مثيريها من أيِّ طرف كان. نرفض الإساءة للمقدَّسات عند كل مذهب. نؤكِّد على مركزية القضية الفلسطينية، وعداوة الكيان الصهيوني، وأعوانه، ومسانديه في اغتصاب الأراضي العربية. نؤكّد على مشروعية المقاومة للاحتلال، وعدم مشروعية التَّرهيب والتَّرويع، والاعتداء على الأبرياء».
أهناك أحسن وأعمق وعياً من عبارات هذه الوثيقة المُطمئنةَ للقلوب والعقول والأعراض والدماء في بلادنا؟
وكأن الوثيقة قد وضعت يدها فعلاً بشكل مباشر على أسباب هوان وانتكاسة الأمة الإسلامية اليوم بيد عناوين عربية للأسف حين قالت في فقرتها الأخيرة: «يتحمل علماء الدِّين، ورجال الفكر، والأنظمة السياسية المسئوليةَ الكبرى في تحصين الأمة من الوقوع في الانزلاقات الطَّائفيَّة، ومواجهة التطرُّف والتعصُّب المذهبي، وترسيخ مبدأ الوسطية والاعتدال».
ولكن لأن الوثيقة جاءت بدعوة محبة وصفاء بين القلوب والعقول؛ فإن الواقع المعكوس الذي تحاول إيصاله لمن بقي لديه ذرة من عقل أو دين، هو في قراءة الفقرة الأخيرة بالشكل التالي: «يقوم بعض علماء الدِّين، ورجال الفكر الأسود، والأنظمة السياسية المرتبطة بماكينة الغرب الأميركي بتحمل المسئوليةَ الكبرى في تفكيك الأمة وفتح الباب على مصراعيه للوقوع في الانزلاقات الطَّائفيَّة، وترسيخ التطرُّف والتعصب المذهبي، وشطب مبدأ الوسطية والاعتدال من قاموس الإنسان المسلم» وكأن أبواب الجنة لا تُفتح إلا في أراضي الشام والعراق فقط... ولا تُدخل إلا على جثث الطائفة المنكوبة.
ها هي الكلمة قد قِيلت والوثيقةُ قد كُتبت، فهل من متطوعٍ من بقية الطوائف يتقدم بشجاعة ليوقّع عليها ثم يحوّلها الجميع إلى ميثاق شرف لا يقاوم؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3944 - الإثنين 24 يونيو 2013م الموافق 15 شعبان 1434هـ
حلو المقال
واجد حلو المقال يعطيك العافية
هؤلا ء لا يتعلمون من التاريخ
هؤلاء المنافقون الذين يخطئون كثيرا ويعتذرون كثيرا اما المؤمنونلا يخطئون ولا يعتذرون هؤلاء ذلوا بعض المسلمين
وما هناء العيش إلا للمجانين..
وثيقة زواج – عقد بين زوجين لا يحل إلا بمفارقة الحياه. بينما الوعود الاخرى مثل تحية الاسلام السلام فيها ينكشف الكثير. مثل عند ما تعطي وعدا بلسانك حين ترد السلام، بينما تخلف وعدك وتضن في الشخص الذي وعدته بالسلام بلسانك. فهل هذا سلم وعدته ثم أخلفت.. ألم يقل ربك إن الوعد كان مسئولا.. وما العقود الاخرى التي إبتدعها اليهود لتأمين الصلح معهم ومن ثم ينقلبون على أعقابهم كما حدث في قريش. فهل نعيد وعد بالفور.. أو المعاهدات التي قتل السادت بعد أن وقع الاتفاق على السلام. عاد هذا يقولون ما يجرب المجرب الا الذ