ثمة تشابهاً كبيراً في «عنوان» التظاهرات «التركية» و«البرازيلية». نَزَلَ شبابٌ غاضب إلى الشوارع، تعبيراً عن رفضه لسياسات حكومته. لكن اللاتشابه الأكبر بين مُظاهرتَيْ تقسيم - اسطنبول (وتسعة وأربعين مدينة تركية أخرى) وبين ريو دي جانيرو (وأربعة وثلاثين مدينة برازيلية أخرى) هو في «المُعَنوَن».
ما أعنيه، هو فارق التعامل الحكومي الرسمي/ السياسي/ الأمني/ الاجتماعي مع الحالتيْن. كيف تعاملت الحكومتان التركية والبرازيلية مع التظاهرات في بلديهما؟ وكيف كانت الحكومتان تنظران إلى المحتجين في الشوارع، وما هي الخطط التي وضعتها كل من أنقرة وريو دي جانيرو للموضوع؟
سأبدأ في عرض عدد من الصور التي سجلتها لكي تظهر لنا المقاربة واضحة على الأقل حتى كتابة هذه المقالة. في تركيا، وَصَفَ رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان المتظاهرين بالجبناء، ثم بالغوغائيين، ثم بالخونة، ثم بالرعاع، ثم بالمثليين جنسياً بقوله ذلك على صفحته الشخصية على الفيسبوك!
في البرازيل، قالت رئيسة البلاد ديلما روسيف إن دعوات المتظاهرين مشروعة، ويجب تحسين الخدمات العامة وإيجاد «إدارة أكثر استجابة لحاجات الشعب على جميع المستويات» والحكومة «ملتزمة بالتغيير الاجتماعي» وأنها «تصغي باهتمام إلى الشكاوى الكثيرة التي رفعت أثناء المظاهرات».
في تركيا، قال رئيس الوزراء بنبرة تحدٍ جافة خلال مؤتمر صحافي من تونس، بأن «الأمر واضح بالنسبة لنا، هناك نوايا سيئة لدى المعارضة، وسنمضي في تنفيذ مشروعنا» في ميدان تقسيم، وسط مدينة اسطنبول من خلال «بناء مركز تجاري، وثكنة على النمط المعماري العثماني»!
في البرازيل، ألقت رئيسة البلاد خطاباً أبوياً وحميمياً للأمة البرازيلية، كانت قد سبقته بإلغائها الزيادة في تعرفة النقل العام، التي كانت شرارة الاحتجاجات، قالت فيه أنها ملتزمةٌ بالاستماع لأصوات المتظاهرين وإجراء حوار مع كل الأطراف، ودعمها لتطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتطوير المواصلات العامة والخدمات الصحية والتعليمية، باستغلال أفضل لموارد النفط.
في تركيا، غادر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في جولة شمال إفريقية، شملت المغرب والجزائر وتونس، في الوقت الذي كانت فيه بلاده تعج بمظاهرات عارمة في خمسين مدينة تركية، ضد خططه في ميدان تقسيم، في خطوةٍ استفزازيةٍ منه ضد المحتجين الذين ملأوا الشوارع.
في البرازيل، ألغت رئيسة البلاد ديلما روسيف «زيارة دولة» كانت مقرّرة إلى اليابان من 26 وحتى 28 الجاري، وذلك بسبب التظاهرات التي اجتاحت أربعة وثلاثين مدينة برازيلية، وذلك في خطوةٍ منها مثلت احتراماً للرأي العام البرازيلي، وبقائها إلى جانب شعبها، سواءً أكان من المؤيدين لها أو المختلفين معها.
في تركيا، حَشَدَ رئيس الوزراء أردوغان، أنصاره في منطقة القيصرية باسطنبول، وذلك في خطوة تحدٍ أمام المحتجين، حيث عُلِّقت في مكان خطابه يافطةٌ كبيرةٌ كُتِبَ عليها «دعونا نفسد اللعبة الكبرى دعونا نكتب التاريخ»! ودعاهم إلى «تلقين الغوغائيين درساً» كما قال، مستفيداً من شعبية حزب العدالة والتنمية في هذه المدينة الواقعة جنوب شرق تركيا.
في البرازيل، لم تحشد الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف أنصارها، رغم أن شعبيتها تزيد عن نصف الشعب البرازيلي، البالغ تعداده 194 مليون، ولم تتبجح بتاريخها، وكيف أنها انضمت للمعارضة خلال الستينيات، وذلك لمقاومة الحكم الاستبدادي العسكري في ذلك الأوان، أو أنها سُجِنت لثلاث سنوات، وعُذّبت بالصدمات الكهربائية. لم تقل ذلك «لإفشال خطط معارضيها».
في تركيا قال رئيس الوزراء أردوغان، أن المحتجين (في تقسيم) هم متطرفون وإرهابيون، لأنهم ألقوا على أفراد الأمن الحجارة والزجاجات الحارقة، مؤكّداً أنهم «سيُحاسَبون على ما فعلوا» وأن «هذه الأحداث ستنتهي، لأننا حكومة قوية جداً».
في البرازيل أضرم المحتجون النيران في سيارة تابعة لمحطة تلفزيونية أمام مكتب عمدة المدينة، وحطم مثيرو الشغب نوافذ المبنى الواقع هناك، لكن الرئيسة ديلما روسيف لم تصفهم بالإرهابيين أو المتطرّفين أو الخونة، بل أقصى ما قالته أن على «قوات الأمن الحفاظ على الممتلكات العامة».
في تركيا، قال رئيس الوزراء أردوغان، أن ما يجري في ميدان تقسيم هو عبارة عن مؤامرة، حِيْكَت ضد تركيا، متهماً حزب الشعب الجمهوري (المعارض) والمجموعات الراديكالية وجهات خارجية بتنفيذ مؤامرة ضد النهضة التي تعيشها تركيا من خلال نشر الفوضى في المدن.
في البرازيل، لم تُشِرْ الرئيسة ديلما روسيف إلى أن هناك مؤامرة خارجية ضد بلادها، رغم النِّدِّية الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية بسبب منظمة الـ «بريكس»، ولم تتهم المعارضة في بلادها، بل حاولت حصر موضوع الاحتجاجات، في «قصور واضح عند الحكومة» التي تتزعمها.
في تركيا، تفاخر أردوغان (بهدف إحراج المعارضة) بأن بلاده أنجزت مناقصة بناء أكبر مطار في العالم بكلفة 46 مليار دولار، وسددت الديون المستحقة لصالح صندوق النقد الدولي بقيمة 23 مليار دولار، وعالجت ملف الإرهاب في تركيا وإطلاقها لعملية السلام الاجتماعي.
في البرازيل، لم تقل روسيف للمحتجين أن بلادها خفضت البطالة إلى أقل من 6 بالمئة، ولا أنها بَنَت اقتصاداً يفوق اقتصاد بريطانيا، ولا أنها ضمن أفضل عشرين اقتصاد في العالم، ولا أنها صاحبة أسرع نمو في العالم، أو أنها ضمن تكتل اقتصادي قوام ناتجه المحلي 15.435 تريليون دولار، ولا أنها أسقطت 900 مليون دولار من ديونها في أفريقيا، للبدء في شراكة استراتيجية مع القارة.
هنا، أضع نقطة. فهذه المفاضلة، ما بين الحالتيْن تبيِّن لنا مدى الفرق بين العقليْن السياسييْن. وهي في الحقيقة، مفاضلة لا تحتاج إلى مزيد من التفسير، لكنني أستحضر في هذه اللحظة إحدى أهم قيم الحكم الإستراتيجية، وهي سِعة الصَّدر، كآلةٍ فريدةٍ للرئاسة كما جاء في الأثر. وربما أظهرت لنا فروقات المعالجتيْن (التركية والبرازيلية) أنها ضمن هذه الزاوية المهمة بامتياز.
في كل الأحوال، ما يجب أن نعيه جميعنا حكاماً ومحكومين، أنه ليس صحيحاً أبداً، أن يكون الحكم بالعصا دائماً. فالرعية، يلزمها الرحمة والتواضع. وعندما نتحدث تالياً عن القانون، فيجب أن نعي أيضاً أن هذا القانون، تسبقه سياسات منسجمة، وعادلة، وقابلة للجرح والتعديل، عندها يمكن تطبيق القانون على مَنْ يخالفه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3943 - الأحد 23 يونيو 2013م الموافق 14 شعبان 1434هـ
الديمقراطية
السالفة باختصار في تدوير للسلطة .. فالرجل التركي له سنوات مسيطر على الكرسي ويحلم بغيرها فكلما زادت المدة زاد حب الأنا ... وشكرا.
مستر اردوغان
اردوغان يشتم بيريز في دافوس ثم يتدرب في العسكرية على يد جيش الدفاع الصهيوني ويشتري جهاز الإنذار المبكر من الصناعات الصهيونية! ويتباكى على باخرة مرمرة ثم يتحالف مع تل ابيب على سوريا البلد العربي! تضحك على من يا مستر اردوغان
مقال ممتاز
وهذا المقال هو الفرق بينك وبين الكتاب الأخرين. قلة من يستطيعون كتابة موضوع تحليلي مليء بالمعلومات وفي نفس الوقت بإسلوب ممتع ومشوق في مساحة صغيرة نسبياً. شكراً جزيلاً.
أنت منحاز لكل ما هو إيراني و هو واضح من جميع مقالاتك
في 2009 خرج الملايين (الفيديوات موجودة في اليوتوب) في إيران للإحتجاج على نتائج الإنتخابات ... ردت فعل الباسيج الإيراني كانت استخدام الرصاص الحي (من منا نسى ندى سلطاني؟) ... قمت أنت (و طبعا سبقك نجاد و خامنئي) بوصف المتظاهرين بالخونة و بالعملاء و الفاشلين .... أكثر شيء أضحكني في مقالك قبل أربع سنوات عندما كتبت في أحد المقالات أن تويتر تم تطويره من قبل المخابرات الأمريكية لإثارة الفوضى في إيران .... صدقني كلما أذكر هذه المقالة أنفجر من الضحكككككك ههههه
احنت اخي صدق انت منحاز لتيار المحافظ انت رائحة قلمك تيار المحافظ
انت الكاتب محمد عبدالله تحب المحافظين قلمك هو بها حب لشيخ محمد مصلب يزدي وتسخيري وجنتي هئلاء الذي قمعو اصوات الحريه سنين تذكر الله يحاسبك على حبك وتحيزك للظلم على الاصلاحين ندى سلطان وملاين والمراجع المظلومين منتظري و الصانعي ومير حسين وكثير والاف الى اليوم في السجون تحت التعذيب وابراهيم يزدي وزير الخارجيه السابق في السجن وعمره في السبعينات ومصاب بمرض السرطان اين الانسانيه من ناس قاسين يديرون الثورة الايرانيه لا تتشدق بنظام يكفر في الحريات ويظلم المسن والطفل لا تمدح الديمقراطيه العوجاء الايراني
أسد من أسود الفاتح
تبخرت أحلام بعض الناس بحصول ثورة في تركيا ... هل تسمعون أي خبر عن مظاهرات في تركيا؟ هل تعلمون لماذا؟ لأن المعارضة التركية و وسائل الإعلام العالمية انصدمت بشعبية أردوغان .... فبعد المليونية المشهورة في اسطنبول المؤيدة لأردوغان .... تلاشت الأحلام بحصول ثورة ... مستحيل تحصل ثورة و كل هؤلاء يدعمون أردوغان.
مقال إبداعي
أتوجه بالشكر إليك أستاذنا الكريم محمد عبدالله على ما خط قلمك، وأستمحيك عذراً بإضافة رأيي المتواضع، الفرق ربما بين تركيا والبرازيل .. هو ان من يشعر بأن سياساته خاطئه وتسير في المسار المعاكس، تراه يدافع عنها بأقصى درجة ممكنة، وهو تركيا مثال صادق الى الاية الكريمة "يحسبون كل صيحةٍ عليهم"، أردوغان يحسب أن أي حركة إحتجاجية مقبلة ستكون لإقصاءه من الحكم نتيجة لسياساته السلبية في تركيا و مواقفه السلبية في الإقليم، على عكس البرازيل ..
بلله عليك يا منصف
كم قتيل وجريح ومعدب ومسجون بين المتظاهرين البرازيليين مقارنه مع ما يحدث فى البلدان العربيه مثل تركيا والبحرين و السعوديه مثلأ وفى نفس الوقت الهجه الدبلماسيه من رئيسه البرازيل وتشخيصها الى الاحتجاجات و اصرارها على محاسبه المفسدين فى وزارات الدوله واستنكارها الى العنف الدى يقوم به المحتجين على مؤسسات الدوله والعنف المتواضع الدى يقوم به المحتجين فى الدول العربيه
لم تقول عن ملف الحقوقي في ايران وماذا جرى في عام 2009م
عجيب يا اخي العزيز الكاتب محمد عبدالله نصيحة لوجة الله يجب تعترف كل حكام المسلمين فاسدين ليسه الدفاع عن جه وتغلق عينك عن جه هذا يجعلك منحاز جداص لنفسك على سبيل المثال الذي جرى في ايران عام 2009م والملف الحقوقي والمعارضة الاصلاحيه كل هذا لا تذكر عن حقها والظلم الذينه وقعو فيه من القادة المراجع منتظري ويوسف الصانعي والذي جرى لمير حسين الموسوى
سيسجل التاريخ بان أردوغان داهية تركيا .... (السفياني) 2
bbc و cnn لا تتوقفان عن بث مقاطع الشرطة التركية و هي تفرق المتظاهرين (و لا يظهران المتظاهرين السلميين أصحاب المولوتوف)... يختلط الحابل بالنابل ... تنشأ الفوضى .. يخرج المحللون الصهاينة في bbc و cnn و الصفويون في المنار و العالم ليقولوا أن على أردوغان أن يرحل لأنه دكتاتور يقتل شعبه! هنا لا يكون على أردوغان اللجوء إلى الشارع ... فالشارع يحارب بالشارع بعد فشل الخيار الديمقراطي عبر صناديق الإقتراع... هنا يجمع أردوغان أنصاره لنرى مئات الألف ... و هناك تجمع المعارضة أنصارها لنرى عشرات الآلاف!
سيمفونية اخوانجية مملة
الجيش الجمهوري الآيرلندي فجر مقر رئاسة الوزراء البريطانية أيام مارجريت تاتشر لكن بريطانيا حاورته ومنحته حقوقه السياسية والاقتصادية والثقافية!وانت تقول لي مولوتوف يالحبيب
سيسجل التاريخ بان أردوغان داهية تركيا .... (السفياني) 1
المعارضة لعبت اللعبة صح في البداية .... مجموعة من المعتصمين تحتل شارع رئيسي ... المطالب بدايتها (حديقة غيزي) ... أي نظام في العالم لا يمكن أن يقبل بإعتصام في مرفق حيوي من مرافق الدول حتى لا نهاية (رأينا ذلك في وول ستريت و دوار اللؤلؤة و ساحة الأنبار) .. الشرطة تتدخل تحدث مصادمات ... عدسات الكاميرا جاهزة لتصوير عنف الشرطة (و ليس عنف المتظاهرين) .. ترسل المقاطع لـ bbc و cnn و رويترز ... تحدث ضجة عالمية ضد أردوغان (المنتخب عبر صناديق الإقتراع) ... يوصف بالدكتاتور المتسلط الذي يجب عليه التنحي!
استفهام
ومن قال لك بأن تفريق محتجي وول ستريت ودوار اللؤلؤة وساحة الأنبار كان عملا صحيحا؟!!!!
رد على استفهام زائر 10 ........ السفياني
دعك من كونه صحيحا أم خاطئا ... هناك مصالح اقتصادية و سياسية و معيشية في هذه الميادين العامة ... لم نرى دولة في العالم (كانت دكتاتورية ام ديمقراطية) سمحت بإعتصام إلى ما نهاية .. رأينا ذلك في ساحة كنيسة ساينت جيمس في لندن و وول ستريت في نيويورك ... أعطني دولة تسمح بذلك؟ في الدول الديمقراطية تتقدم بطلب إلى الجهات المعنية لتنظيم مسيرة أو إعتصام في مكان معين و لمدة زمنية محددة بحيث أن لا تضر بمصالح الآخرين ... هذا هو المعمول به في أوربا و أمريكا ... و هذا ما لم يتم العمل به في تركيا.
للزائر رقم 12
تقارن لي بريطانيا بتركيا؟!! بريطانيا التي لم تعرف انقلابات عسكرية منذ قرون بعكس، وبريطانيا التي تتحقق فيها العدالة المعقولة بعكس تركيا التي أبادت الأرمن ونكلت بالعلويين وذبحت الأكراد في الجنوب!! عندما تزيح بريطانيا اعتصاما فمن حقها كون العدالة متحققة ولو بشكل نسبي اما السلطان المتعثمن في أنقرة فهو يفعل ما يفعل بحق الاثنيات والاعراق وحين يحتج عليه الناس يزمجر في فنجانه!! فليطبق العدالة ثم يحاسب رعيته
ممتاز بوعبدالله
الفرق الوحيد ان في البرازيل الشعب كتله وحده ولم يحاول احد التفرد بالمجد وطلباتهم تحسين الاوضاع المعيشيه السيئه جدا بينما في تركيا والب.... يوجد صراع من نوع آخر علاقته وطلباته غير معيشيه احسنت
شكرا
إنه من نفائس المقالات التي قرأتها..
اشادة
مقال في غاية الروعة والتنسيق . شكرا استاذ محمد لكل هذا العطاء