العدد 3942 - السبت 22 يونيو 2013م الموافق 13 شعبان 1434هـ

«المقامات الشرقية» بمركز الموهوبين

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

من القصص الطريفة والمشهورة أيام الخلافة العثمانية في بيروت قصة (مؤذن زقاق البلاط والقنصل البريطاني)، إذ كان هناك مسجدٌ يقع مباشرةً قرب منزل قنصل بريطانيا آنذاك، وكان في المسجد مؤذنٌ صوته جميل، ومن شدّة جمال صوته أعلن قنصل بريطانيا إسلامه، وكان يرسل نهاية كل شهر ليرة واحدة للمؤذن إلى أن مرض المؤذن فترةًً ما، وأتى مكانه مؤذنٌ آخر صوته قبيح ونشاز، فبدأ قنصل بريطانيا يرسل للمؤذن الآخر ليرتين نهاية كل شهر، فلما شفي المؤذن الأول وعاد لمهمته المعتادة، أخبره المؤذن الآخر بفارق الليرة الواحدة، فذهب المؤذن الأول إلى قنصل بريطانيا ليستوضح منه الأمر، فقال له: أنت صوتك جميل لدرجة أنك أخرجتني من ديني، أما زميلك فصوته قبيحٌ وقد أعادني مرةً أخرى إلى ديني، لذلك كنتُ أرسل له ليرتين نهاية كل شهر!

في الأسبوع الماضي، تذكّرتُ هذه القصة وأنا في ورشة عمل استمرت مدة ثلاثة أيام متتالية بمركز رعاية الطلبة الموهوبين بعنوان: «المقامات الشرقية» لفئة المعلمين والمعلمات من مختلف التخصصات، ضمن أهداف المركز لنشر ثقافة الموهبة بمختلف مجالاتها وتخصصاتها.

الورشة كانت من إعداد وتنفيذ الاختصاصي بمجموعة المواهب الأدائية بالمركز عبدالكريم عطية، وبمشاركة متخصصَين في المقامات وهما: ثامر كمال الذي قدّم تطبيقات حيّة للمقامات الشرقية الأصلية في اليوم الثاني من الورشة، إلى جانب الشاب البحريني جواد عيسى الذي أثرى بدوره الورشة في اليوم الأخير بتلاوة جميلة لمقاطع من الآيات القرآنية وفق المقامات الشرقية الأصلية والفرعية.

كان لافتاً حضور ما يقارب من 65 معلماً ومعلمة من المرحلتين الإعدادية والثانوية، وتمكُّن قائد الورشة من المادة العلمية والإعداد الجيد لها باستخدام استراتيجيات إبداعية تحيي مساقات المنهاج المدرسي وتتكامل معها، وتزوّد المستفيدين من الورشة بمبادئ وأساسيات علوم النغم في المقامات الشرقية كالتعرف على مفهوم المقام وتمييزه، إلى جانب العقد والجذع والفرع والمسافات في المقامات الشرقية وأهم مميزاتها؛ بقصد تنمية الوعي والحسّ الجمالي والارتقاء بالذوق العام لدى المعلمين والمعلمات.

تبرز أهمية «المقامات الشرقية» بوصفها جزءًا من ثقافتنا العربية والإسلامية التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، والمقام هو عبارةٌ عن «تتالي علامات موسيقية وفق أبعاد معينة وقواعد موضوعة لتصنيف اللحن الموسيقي».

تتّسم «المقامات الشرقية» بالثراء اللحني وبأنها وحدة متكاملة، ويتضح ذلك كله من خلال ترتيل القرآن الكريم بألحان العرب، والابتهال إلى الله تعالى بالدعاء والإنشاد بألحاننا الشرقية المعروفة.

أشار المتحدثون إلى أهمية إقامة مثل هذه الورش التخصصية لتأسيس كوادر تعليمية قادرة على فهم أساسيات المقام الشرقي، وهذا من شأنه إحياء جزء من تراثنا والحفاظ عليه من الضياع والاندثار، إذ أن هذه الثقافة أخذت ـ وللأسف الشديد ـ تضمحل بين أبناء الأجيال الحديثة.

ركّز المتحدثون على أهمية المقامات الشرقية في التلاوة، فالأداء في تلاوة القرآن الكريم يعتمد أساساً على عنصرين مهمين وهما: المقامات والتصوير النغمي، كما أن القرآن يتلى بالمقامات الشرقية العربية، ووظيفة القارئ المثقف تفسير الآيات القرآنية بصوته، واختيار المقام المناسب وأن يعلم كيف يميّز الجملة الاستفهامية من الطلبية، والنفي والنهي والأمر وغير ذلك.

حسب المتحدثين، فإن الموسيقى الشرقية تحتوي على ما يقارب 360 مقاماً موسيقياً، ويشتهر وجود هذا النوع من الموسيقى في دول مثل: تركيا وإيران وبعض الدول العربية كمصر وبلاد الشام والكرد والسريانيين والآشوريين وغيرها. ولكل مقام شرقي أصوله من موسيقى شعوب الشرق، وما يميز المسافات الموسيقية الشرقية أنها ذات مسافة كاملة أو نصف مسافة أو ثلاثة أرباعها.

بتصورنا، فإن بناء خلفية من هذا النوع (أعني المقامات الشرقية) لدى المعلمين الأفاضل يمكِّنهم من اكتشاف المواهب لدى أبنائنا الطلبة بما يسمح بصقلها وتوظيفها مبكراً، وذلك من صلب مهام مركز رعاية الطلبة الموهوبين، واكتشاف مثل هذه المواهب لدى طلبة المدارس في سنوات حياتهم المدرسية الأولى والمبكرة وتنميتها لهو خير وسيلة ومدخل لخلق طاقات مبدعة متميزة وفريدة في أدائها؛ لأن الثقافة الموسيقية تتكوّن لدى الطفل في أوائل سنوات حياته.

ومتى ما تعمقنا في دراسة «المقامات الشرقية» كعلم مستقل له أصوله وقواعده، فإننا نستطيع ربطها بما يخدم غايات وأغراض الدين، ولا يشترط في تدريس هذا العلم استعمال الآلات الموسيقية؛ لأن الصوت البشري بطبعه قادر على إصدار ألحان موسيقية، وكما هو معروف فإن هذا العلم يدرس لقرّاء القرآن الكريم والمبتهلين وفرق الموشحات الدينية، ونحن عندما نتكلم عن المقامات الموسيقية لا نقصد بذلك ما يعزف على آلات الموسيقى.

تطرق المحاضرون إلى «مقام الحجاز» كنموذج نتفاعل معه يومياً عندما يرفع «الأذان» في المساجد، فـ «الأذان» كان بمثابة الوسيلة الإعلامية التي حرص النبي (ص) على اختيار الشخص المناسب له، ألا وهو الصحابي الجليل بلال بن رباح الحبشي (رض)؛ لأنه يتمتع بجمال الصوت وقوة التأثير على المستمعين.

هذه الثقافة وإن كانت جديدة على مستوى دول الخليج، إلا أنها ذات فائدة ومردود إيجابي إذا ما دُرّست وطُبّقت بالشكل العلمي الصحيح، وعدم اقتصار هذا العلم على الجانب النظري فقط ضمن المناهج الدراسية، وإنما دمجها في الأنشطة والمسابقات الطلابية؛ لتكون أساساً لتقييم مدى أثرها وفاعليتها على مستوى أداء الطلبة في الحقل التعليمي.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3942 - السبت 22 يونيو 2013م الموافق 13 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:27 ص

      الحمد لله

      الحمدلله لان بوادر حلمي بدأت تتحقق لقد كنت اتمنى ان تفتح مراكز او عمل ورش عمل لتعلم المقامات و احياء مدارس على الطريقه المنشاويه و الشحاتيه مثل محمد صديق المنشاوي و عائله الشحات اتمنى ان يتحقق هذا الحلم قريبا لنتعلم و نعلم ابناءنا باذن الله

    • زائر 2 | 4:57 ص

      أمنية

      للأسف لا يوجد مدرس موهوب لديه إلمام بعلم الأصوات لكي يرشد أبنائي للمقام الصحيح الذي يتناسب مع صوتهم حيث قمت بنفسي تعليمهم تجويد القرآن ولكنني بحاجة لمن يكمل مشوار التعرف على طبقة صوتهم.

    • زائر 1 | 12:42 ص

      جحا والسلم المسيقي والكراسي بعد

      قيمه وسيما وتقاس الناس بالمقامات الرفيع التي وضعها البعض ومن الآخرين يمكن يقولون أن فلان صاحب مقام. يعني واحد اعلى من واحد على الرغم أن في الديمقراطيه وفي الاسلام لا فرق بين عربي وعربي كما لا فرق بين عربي وهندي أو أجنبي الا بالتقوى. أين مقام العجم عن مقام عشتار.. ويش يقولون بالاسلام وأنهم مسلمون بس عندهم مقامات مسيقيه وأخرى مقام ومقعده على كراسي ويقولون صاحب مقام مثل السلطان العثماني مثلا مثلا. ويش مو عدل أو ما في عدل لأن السلم المسيقي لا يختلف عن المقام؟

اقرأ ايضاً