العدد 3940 - الخميس 20 يونيو 2013م الموافق 11 شعبان 1434هـ

في دفاتر ما بعد النكسة

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ستة وأربعون عاماً، مرت على عدوان الكيان الصهيوني على الأمة العربية في الخامس من يونيو/حزيران 1967. عدوان على مصر وسورية والأردن، كانت نتائجه الأولية احتلال شبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

لقد بدأت الحرب بشن الطيران الإسرائيلي هجمات مكثفة على المطارات المصرية وتمكن من تدميرها جميعاً، بما جعل القوات المصرية، المتواجدة في شرم الشيخ وبقية مناطق شبه جزيرة سيناء مكشوفة، أمام آلة الحرب الصهيونية. وقد دخل الأردن وسورية الحرب، إلى جانب مصر، تنفيذاً لمعاهدة الدفاع المشترك، التي وقعها البلدان مع القيادة المصرية، قبل فترة وجيزة من إعلان الحرب.

ومنذ ذلك التاريخ، أصبح هذا اليوم المشؤوم ذكرى يستحضر فيها العرب الأسباب التي أدت إلى النكسة، على أمل أن يستلهموا من تلك التجربة الدروس والعبر. واقع الحال، أن تلك الحرب طوت صفحة من تاريخ الأمة وثقافتها، إلى مرحلة أخرى، اتسمت بالبراغماتية، وبما أطلق عليها مجازاً بالواقعية. وقد قضمت هذه الواقعية جلّ حقوقنا وكبريائنا وثوابتنا الوطنية والقومية، حتى لم يعد لدينا ما يمكن أن نتفاوض عليه.

لا يهدف هذا الحديث لمناقشة الذرائع المباشرة التي أدت إلى الهجوم الإسرائيلي، فتلك تفصيلاتٌ غدت متاحةً، وما هو متاحٌ من وثائق، يؤكد أن تدمير الجيوش العربية هو موقف استراتيجي صهيوني، وأن التخطيط لضرب القوة المصرية، وفقاً لمذكرات رئيس الحكومة الإسرائيلية موسى شاريت، قد تم التخطيط له، مباشرة بعد العدوان الثلاثي عام 1956. بل نناقش التحولات في الفكر السياسي العربي، تجاه الصراع العربي الصهيوني، التي حدثت بعد النكسة.

أدت نكسة الخامس من يونيو/حزيران إلى تغيرات كثيرة في الواقع العربي، لكن الأبرز بينها، هو احتلال الكيان الصهيوني لسيناء والقطاع والضفة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وتضخم المساحة التي يسيطر عليها إلى ثلاثة أضعاف المساحة التي بحوزته، حتى ما قبل الخامس من يونيو. ومعنى ذلك أن القيادات العربية التي فقدت أراضيها قد تغيّرت نظرتها للصراع مع الصهاينة، من تعاطفٍ مع أشقاء فلسطينيين، شُرّدوا من أرضهم، واحتل وطنهم، وسلبت ممتلكاتهم، إلى حالة جديدة، أصبحت مهمتهم الرئيسة فيها هي استرجاع الأراضي التي احتلها الصهاينة في يونيو. ذلك يعني بداهةً، أن موقف دول المواجهة تحوّل من الحالة التضامنية، إلى الاستغراق الفعلي في الصراع. وما دامت الأرجحية هي لتحرير الأراضي العربية التي احتلت حديثاً، فإن ذلك يعني، في أحد نتائجه، تراجع الملف الفلسطيني إلى الخلف، لمصلحة إزالة آثار العدوان.

لكن اندلاع المقاومة الفلسطينية، بعد الحرب مباشرة، إثر سكوت المدافع العربية، أسهم في إبقاء جذوة القضية الفلسطينية حية، في ضمير الإنسان العربي. وجاءت معركة الكرامة في الأردن، لتضع قيادات المقاومة في مصاف صناع القرار العربي، ولتصبح منظمة التحرير الفلسطينية شريكاً أساسياً للقيادات العربية في المواضيع المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني.

مفهوم الشراكة هذا، يعني أن منظمة التحرير تمارس دور الدولة، مع غياب مفاهيم السيادة والاستقلال. وقد أسهم ذلك في ترصين الموقف الفلسطيني، ونقله من الحالة الثورية إلى حالة الشراكة السياسية مع القيادات العربية. واتضح ذلك بجلاء بعد قرار القمة العربية، في الرباط منتصف السبعينيات، بمنح منظمة التحرير الفلسطينية وحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

هذا يعني أن قيادة المنظمة غدت جزءاً من النظام العربي الرسمي، وتحديداً دول المواجهة. ولأن الأوراق التي بيدها ليست من القوة، بحيث تضاهي ما لدى القيادات في مصر وسورية والأردن، فإن من غير المتوقع، أن تكون قادرة على وضع القضية الفلسطينية في قائمة أولويات القادة العرب، بينما هم يسعون لتحرير أراضيهم التي احتلها الصهاينة.

الحقيقة الأخرى، التحولات التي نتجت عن النكسة، هي خضوع أجزاء جديدة من الأراضي الفلسطينية للاحتلال الصهيوني، هي الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكانتا تابعتين للأردن، وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية. لم يكن للمقاومة الفلسطينية تواجد في هذه الأراضي قبل حرب يونيو. وبعد الحرب، التزمت مصر والأردن بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يقضي بعدم جواز احتلال الأراضي العربية بالقوة المسلحة، ويطالب بإعادتها من خلال التفاوض السلمي، والحل السياسي، بعيداً عن اللجوء للقوة.

عوّل الفلسطينيون في الأراضي المحتلة حديثاً على جهود الملك حسين والرئيس عبدالناصر، في استعادة أراضيهم، بالحلول السياسية، ولم يجدوا مبرراً في الانخراط في العمل المسلح الذي تقوده المقاومة الفلسطينية. وقد بقيت هذه النظرة سائدةً، حتى تبني القمة العربية قراراً باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. والإشارة هنا واضحة، وتخص الأردن وحده الذي كان حتى تلك اللحظة يعدّ الضفة الغربية جزءاً من أراضيه. وهنا فقط أصبح لمنظمة التحرير دور معترف به في الضفة والقطاع، عبّرت عنه حالة النهوض التي برزت في الضفة ابتداءً من العام 1974. وقد خلقت هذه الحالة حقائق جديدة في الصراع، لا تقل أهمية عن سابقاتها.

ركزت فصائل المقاومة منذ تأسيسها على المخيمات الفلسطينية في الشتات، لكن الأزمات العاصفة المتتالية للمقاومة في دول الطوق، جعلتها تهتم بالداخل. ومع حالة النهوض انتقل مركز الجاذبية في الصراع الفلسطيني من المخيمات خارج فلسطين إلى الضفة والقطاع.

أسهم هذا الانتقال في تأكيد مفهوم الشراكة، بين القيادات العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأكد الانتقال من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي. وقد عزّزت إرادة الفلسطينيين في الضفة والقطاع من هذه الاستراتيجية. فهؤلاء الفلسطينيون معنيون مباشرة، برفع نير الاحتلال عن كاهلهم، وليس تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وقد هيأ ذلك للقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت العام 1967، وليس على كل فلسطين.

تلك هي السطور الأولى التي دونتها السياسات العربية والفلسطينية في دفاتر ما بعد النكسة، لكن هناك سطوراً أخرى لا تقل أهميةً، ستسعفنا في وعي الحاضر، وستكون لنا معها محطة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3940 - الخميس 20 يونيو 2013م الموافق 11 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً