نظمت صحيفة «الوسط» مطلع هذا الأسبوع حفلاً لتكريم كوكبةٍ من روّاد التعليم في البحرين، استهل بعرض فيلم وثائقي عن سِيَرِهم العطرة.

رئيس التحرير منصور الجمري في كلمته الترحيبية بالمكرّمين، استحضر النموذج الكوري الجنوبي مثالاً على ما يملكه التعليم و«اقتصاد المعرفة» من تأثير في نهضة الأمم. وفي كلمة رئيس مجلس الإدارة رجل الأعمال عادل المسقطي قال: أعرف مجموعة من المكرّمين كانت لهم أفضالٌ كبيرةٌ عليّ وعلى إخواني وأبناء جيلي. وقد كانت لنا سمعةٌ طيبةٌ كطلبة في بيروت، لما نمتلكه من لغة عربية، وحين انتقل طلبتنا من بيروت بعد الحرب الأهلية (1975) إلى أميركا، كانوا معروفين بقوتهم في مادة الرياضيات. كل ذلك بفضل جهودكم، وما سمعنا كلمةً تفرّق بين مكوّن ومكوّن، وهذا أفضل ما أعطاه جيلكم لجيلنا».

في كلمة ضيف الشرف، وزير التربية والتعليم الأسبق علي فخرو، قال: «إنني أشعر بفخر واعتزاز وحميمية كلما نظرت إلى وجوهكم فتذكرت ذلك الوسط الذي تشع منه الحماسة والعطاء، وأحني رأسي لكل معلم ومعلمة، تقديراً لمكانتهم وعطائهم لمجتمعهم». وأضاف: «كثيراً ما كان يوجه لي سؤالٌ معيّن، وكنت أجيب بأنني لو لم أكن طبيباً لوددت أن أكون معلماً... وأنا أغبط كل معلم ومعلمة لأن شبابهم يتجدد سنوياً كلما التقوا شباباً جدداً».

وتطرّق فخرو إلى تجربته قائلاً: «كوزير للصحة كنت أغطي وزارة التربية عندما كان الوزير الشيخ عبدالعزيز بن محمد يسافر، وبعده غطيت الوزارتين لمدة 9 أشهر وهما تمثلان نصف حكومة البحرين، وحين خُيّرت للتفرغ لإحداهما اخترت التربية، لأننا أرسينا دعائم وزارة الصحة حينذاك».

شخصياً، هذا أول حفلٍ أشعر فيه بأنه تكريم لنا نحن الضيوف، وليس فقط لآبائنا ومعلّمينا المكرّمين، حيث جمعنا الحفل بعددٍ من معلّمينا في «الخميس الابتدائية»، الذين ندين لهم بفضل تعلّم الأرقام والحروف العربية الأولى. تأثيرهم وتأثير معلمينا في الثانوية وما بعدها، مازال مستمراً في كل مقال نكتبه، وفي كل تقرير أو تغطية خبرية أو لقاء صحافي.

جلست إلى طاولةٍ جمعت عدداً من مدرّسي الخميس، حمزة شهاب، عبدالعزيز السعيد، بالإضافة إلى المدير سيد محمود علوي. قدّمت له نسخةً من كتابي «روافد من بلادي»، الذي ضمّ فصلاً وصوراً عن «مدرستي»، التي تعلّمت في مكتبتها عشق الكتب والمجلات. وكان يجلس إلى الطاولة الأخرى معلم الحساب عابد منصور، والمعلم والحكم الرياضي عيسى سويد، الذي دخل صفنا يوماً، ووجّه بعض الأسئلة عن الصحة، وسجّل أسماء من أجابوا، وبعد أيام كُرّمنا في طابور الصباح ببعض الهدايا التشجيعية، وكان من نصيبي فرشاةً ومعجون أسنان.

كان يجلس إلى جانبنا أستاذنا علي الشرقي، الذي عمل صحافياً أيضاً في السبعينيات، وكان آخر عمله معنا مصحّحاً في «الوسط»، قبل أن يتقاعد نهائياً قبل سنوات. كانت المواد يومها تُطبع على ورق، ويتم تصحيح البروفات، وكان تصحيحه مميّزاً، باللون الأحمر وبخط واضح مرتب. اليوم تُحوّل المواد من جهاز إلى جهاز دون حاجةٍ إلى ورق، حيث انخفض استهلاك الورق بنسبة تسعين في المئة، وبالإمكان تقليله إلى 2 في المئة فقط. بصوتٍ خفيض، طلب مني الأستاذ الشرقي أن أبلغ الوزير سلامه، معتذراً بكرسيه المتحرك، ولما أبلغت الوزير ترك طاولته إليه وحيّاه وجلس يحادثه ويواسيه.

لقد شعرنا فعلاً بأننا نحن المكرَّمون... فبتكريم معلّمينا في هذه اللفتة النبيلة إنّما نكرّم إنسانيتنا.