في الندوة التفاعلية التي عقدها «معهد كارنيجي للشرق الأوسط» بين بيروت وواشنطن وموسكو حول الديناميكية المتغيرة للأزمة السورية (الخميس 6 يونيو/حزيران 2013)، تطرق ديمترى سازوف مدير مكتب كارنيجي في موسكو، للموقف الروسي من الأزمة السورية، القاضي بأن لا شرعية للتدخل إلا بقرار من قبل مجلس الأمن، ولن تتكرّر غلطة ليبيا، ولن تسمح روسيا بإسقاط النظام أو تغييره جذرياً تحت ضغط التدخل الخارجي. ولذا تدعو إلى حلّ تفاوضي يحافظ على جوهر النظام وتحالفاته، وفي مقدمتها روسيا، لأن تعثّر الحل السياسي يدفع بالمتطرفين في الجانبين إلى مركز القوة، ويراهن الروس على المعتدلين والعلمانيين.
وحسب تقديرات الروس، هناك المئات من حملة الجنسية الروسية (شيشان وغيرهم) يقاتلون في صفوف الأصوليين، وقد قتل منهم 24 على الأقل، وهو ما ينذر بخطر دورهم القادم في روسيا والقفقاس بعد عودتهم. وقد راهنت روسيا على عدم سقوط الأسد وهو ما حصل، وتراهن على بقائه في السلطة حتى ما بعد التسوية، وبالتأكيد حتى نهاية فترته الرئاسية في 2014. وروسيا هي الصادّ الرئيسي لجهود أميركا وحلفائها في مجلس الأمن لشرعنة التدخل الغربي والإقليمي. كما أنها تقف بقوةٍ إلى جانب النظام ولن تتخلّى عنه، وقد أكدت على تسليمها الصواريخ المضادة للطائرات، وهذه الصفقة تتعدى الوفاء بالتزاماتها تجاه سورية، إلى الحفاظ على سمعة ومكانة الصناعة الحربية الروسية. فسورية اليوم تمثل آخر موطئ قدم لروسيا في الشرق الأوسط، وهي مصمّمةٌ على الاحتفاظ بها، مع قرارها بتواجد أسطولها الحربي في البحر المتوسط، ما يحتم اللجوء للتسهيلات التي تتمتع بها في ميناء طرطوس.
ثم إن العلاقات الروسية الأميركية في أدنى درجاتها، ما يتطلب جهوداً دبلوماسية جبارة لعقد جنيف 2، ويتطلب من روسيا إقناع النظام بالتفاوض وهو ما تم، وكذلك إقناع أميركا المعارضة وحلفائها الإقليميين بالتفاوض وهو ما تعمل عليه ولكن بتردد. وبغض النظر عن الانتقادات للسياسة الروسية، فإنها تحظى بالدعم في داخل روسيا، لأنها تتمسك بالمصالح الروسية والندية لأميركا.
إذاً هناك مراهنة قوية على انعقاد مؤتمر جنيف 2 ونجاحه في الخروج من الأزمة وتشكيل حكومة ائتلاف وطني انتقالية مع بقاء الأسد، وتعهد جميع الأطراف الإقليمية والدولية بدعم الانتقال السلمي، وعدم التدخل لإحباط مسيرته. لكن السؤال هو: ماذا لو فشل جنيف 2؟ الجواب هو مزيد من انغماس روسيا في الأزمة، ولكن دون تحويلها لأزمة إقليمية شديدة أو إلى حرب إقليمية جديدة.
*مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت بول سالم، قدّم مساهمةً من واشنطن بعنوان «انعكاسات الحرب في سورية على لبنان»، بإرجاع الحرب في سورية إلى الربيع العربي وما أحدثه من زلزال وتقويض للنظام العربي التقليدي، وكشف هشاشة الدولة العربية، وما أحدثته من تخريب للبنية المجتمعية والوحدة والهوية الوطنية في كل بلد. وبالنسبة لسورية، استطاع النظام فرض الاستقرار الداخلي، ودوره كلاعب إقليمي منذ تولى الأسد السلطة في 1970، ثم الأسد الابن في 1999 حتى بداية 2011 مع اندلاع ثورات الربيع العربي.
ويرى سالم أن النظام نجح في فرض تعايش مختلف مكونات الشعب الدينية والمذهبية والقومية والعرقية، ولكن قسرياً. ومع اندلاع الاحتجاجات في مارس/ آذار 2011، واستخفاف النظام بها وبمدلولاتها، جعلها تتطور من احتجاجات سلمية محدودة إلى حرب أهلية. كما كشف الصراع الحالي في سورية عن ضعف الهوية الوطنية، وفسّر بعض المتدخلين ذلك بتحلل مكوناتها في مناطق القتال الساخنة، وهو ما انعكس استقطاباً طائفياً ودينياً وقومياً إلى حدٍّ ما، حيث هناك اصطفاف سني مذهبي كردي للمعارضة، في مواجهة نظام شبه علماني مدعوم بقسم من السنة والعلويين والمسيحيين.
ولاحظ سالم أنه بموازاة عسكره الانتفاضة السورية، فقد تشكلت ميلشيات في الجانبين، وكان من الواضح قيام النظام ببناء جيش شعبي موازٍ للجيش الرسمي ينخرط فيه أنصاره محلياً، للدفاع عن مناطقهم وإدارتها في وجه قوى المعارضة، وهو أكثر كفاءةً ومرونةً وأقل كلفةً في تأدية هذه المهام. واعترف سالم أنه لا أحد يعرف بالضبط مآل الحرب في سورية، فقد يعقد مؤتمر جنيف 2، وثالث ورابع وقد يستغرق الأمر شهوراً أو سنوات، وقد لا يترتب نتيجة على المفاوضات. وأرجع ذلك إلى تفتت المعارضة في الخارج فينعكس سلباً على طاولة المفاوضات، خصوصاً أن النظام وحلفاءه سيشّجعون انخراط المعارضة في الداخل، والتي تتناقض مع تلك في الخارج.
وتحدث سالم عن تداعيات الحدث السوري إقليمياً، فذكر أن هناك مفارقة بظهور طريق ثالث غير نسق كامب ديفيد يقابله نسق الممانعة، وهو ما مثلته تركيا وقطر. فتركيا طرحت نفسها كنظام إسلامي مستنير وحداثي وإصلاحي، ويتمتع بشبكة علاقات إقليمية جيدة بما في ذلك القوى المتصارعة (إيران، السعودية، مجلس التعاون، سورية وحزب الله) وحتى «إسرائيل»، ويتمتع بعلاقات دولية جيدة مع الاتحاد الأوروبي ومع القوى العظمى (أميركا، روسيا، الصين، الهند الخ). والنموذج الآخر هي قطر التي امتلكت قوة مالية هائلة وظفتها لتلعب دوراً إقليمياً قيادياً، بجمع المتناقضات، وحتى دوراً دولياً، حيث أقامت علاقات جيدة مع «إسرائيل» من ناحية» ومع حماس وحزب الله من ناحية أخرى، وكانت على وفاق مع إيران من ناحية والسعودية ومجلس التعاون من ناحية أخرى، وكان علاقاتها مع سورية جيدة، وطرحت قطر نفسها كموئلٍ للإعلام الحر (الجزيرة) وداعية للديمقراطية والليبرالية.
وفي حين تفتقد قطر للديمقراطية والحريات، وتتوسط في الخلافات الإقليمية وتفتقد إلى التوافق الوطني، اعتبرت لاعباً أساسياً في التغيير الذي اجتاح الوطن العربي، خصوصاً تونس ومصر وليبيا واليمن، وحالياً سورية، لكنه تبين أن ذلك متساوق مع الرؤية الأميركية في استيعاب هذا التغيير وتسلم الأخوان المسلمين السلطة بالتوافق مع الولايات المتحدة. والآن فإن هناك ارتدادات في المشروع القطري، وانكشاف تناقضاته، وعداء متزايد لقطر في البلدان الأربعة خصوصاً من قبل قوى التغيير العلمانية والراديكالية.
أما تركيا أردوغان فالكل يعرف تداعيات الانتفاضة التي انطلقت في ميدان تقسيم وكشفت قصور مشروع حزب العدالة والتنمية بزعامته، رغم كل انجازاته، وهذا ما سيضعف وهج النموذج التركي الإسلامي المعتدل، ويضعف بالتأكيد الدور التركي في الأزمة السورية، ويلين تشدّدها ضد نظام الأسد وتبنيها لمواقف المعارضة.
من ناحية أخرى هناك اللاعب الإيراني الذي شعر بتهديد جدي لنفوذه ودوره في العراق، سورية، لبنان وفلسطين، ما يهدّد بنقل المعركة إلى إيران إذا ما هُزم النظام في سورية وضعفت المقاومة اللبنانية. من هنا اتخذ النظام الإيراني موقفاً حازماً وداعماً لكل من النظام السوري وحزب الله، وفي الوقت ذاته الانفتاح على قوى المعارضة السورية المعتدلة، وعلى الحل السلمي، متناغماً مع روسيا والصين. كما ضغطت إيران على حكومة المالكي الهشّة بعيداً عن الوسط، والاقتراب من إيران ومواقفها.
بالنسبة إلى حزب الله، فقد تبيّن له بعد انتظار طويل أن رأسه مطلوب من قبل أميركا و»إسرائيل» والمعارضة السورية الأصولية، في وضع لبناني قابل للانفجار أصلاً، كما تبيّن من القتال في طرابلس، في ظل استقطاب سياسي وديني ومذهبي، من هنا حسم حزب الله أمره، ودخل الحرب، معللاً ذلك بأن جميع الأطراف منخرطة في الحرب، ومستشهداً بتأكيد الوسيط الدولي لسورية الأخضر الابراهيمي، بوجود أكثر من 50 ألف مقاتل أجنبي في صفوف المعارضة السورية، بمن فيهم مواطنو دول كبرى مثل روسيا وأوروبا وأميركا. وشخّص سالم الحرب في سورية إلى جانب كونها حرباً أهلية، بأنها «حربٌ بالوكالة»، تشارك فيها الأطراف العربية والإقليمية والدولية.
أما انعكاسات هذه الحرب على لبنان، فإنها خطيرة، خصوصاً إذا ما انهزم النظام، حيث ستقض جميع القوى المعادية للنظام السوري خارج وداخل لبنان، خصوصاً القوى الأصولية السنية، على حزب الله مدعومةً بـ «إسرائيل»، وعلّل سالم عدم اندلاع حرب أهلية لبنانية حتى الآن، لكون حزب الله قوةً رادعةً يخشاها الآخرون، ويعرفون أن أية حرب مفتوحة معه ستُحسم بخسارتهم الفادحة. كما عزى ذلك إلى كون الرئيس ميشيل سليمان والجيش اللبناني، يعملان على إطفاء الحرائق، والحدّ من توسع الاشتباكات في طرابلس وغيرها.
الدولة اللبنانية ممثلة بالرئيس سليمان، وحكومة ميقاتي الائتلافية الهشة، اتخذت موقف النأي بلبنان رسمياً عن القتال في سورية، وأوضحت أنه يحقّ للبنانيين التعبير عن آرائهم بحرية مع أو ضد الأطراف المتحاربة في سورية، ولكن دون الانخراط العملي في الصراع، وحاولت ضبط تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود اللبنانية. لكن الواقع هو أن لبنان منقسم إلى أكثر من فريقي 8 آذار (حزب الله وحلفائه) و14 آذار (سعد الحريري وحلفائه). فهناك قوى أصولية وتشكيلات مسلحة، وقد انخرط العديد من القوى اللبنانية فعلياً في الصراع السوري، وجاء دخول حزب الله في الحرب في هذا الإطار، بعد أن طالت الحرب قرى لبنانية محاذية ومواطنين لبنانيين في سورية. واستهدفت مقامات شيعية وتهديدٌ للمقام الأهم للسيدة زينب بنت علي (ع). في ظلّ هذا الوضع انهارت حكومة ميقاتي الائتلافية، ولم ينجح تمام سلام المكلّف بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة في تأليفها رغم مضى 3 أشهر، مرشّحة للاستمرار. كما فشلت القوى السياسية في التوصل لقانون انتخابي جديد، فما كان في مجلس النواب إلا أن جدّد لنفسه لمدة 17 شهراً، ما أثار طعوناً من قبل الرئيس نفسه وكتلة عون أمام المحكمة الدستورية، ومصير التمديد والانتخابات وتشكيل الحكومة كلها مجهولة، والبلد كله يسير نحو المجهول.
وما يفاقم الوضع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين ليشكّلوا ضغطاً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً على بلد ذي تركيبة هشة وبنية أساسية ضعيفة، وتخلي المجتمع الدولي عن واجباته تجاههم. وإلى جانب اللاجئين هناك مقاتلون لفصائل سورية، (سوريون ولبنانيون) يعبرون الحدود بحرية، بل وقاموا بالاعتداء على الجيش اللبناني في عرسال وقتل 4 جنود، كما أن هناك تهديدات من الجيش الحر بمهاجمة مناطق حزب الله في لبنان، وقد نفّذ بعضها فعلاً.
ويستنتج بول سالم أن الوضع في لبنان كما في سورية، مفتوح على كافة الاحتمالات، بما في ذلك توقف الحرب بالتوصل إلى حل توافقي سوري إقليمي دولي، سيسهم في تهدئه الأوضاع في لبنان، أو تصاعد الحرب وامتداداتها إلى لبنان وربما الأردن والعراق، ما يفتح احتمالات انفجار أكبر وحرب إقليمية واسعة. (انتهى)
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3938 - الثلثاء 18 يونيو 2013م الموافق 09 شعبان 1434هـ
اعلان النفير والجنون
لهذا السبب انتشرت مظاهر الهلوسة و الجنون بعد القصير والدعوة للجهاد ضد بلد عربي ولم يفكروا في اعلان النفير ضد الصهاينة الذين يحتلون فلسطين من ستين سنة.
وان غدا لناظره قريب
انتظروا لما تنتهي الحرب ويعود المقاتلون المجاهدون الى بلدانهم لتقوم القيامةز
امة ضحله
الي هدا القدر من التخلف والجهل وصلت الأمه الأسلاميه والعربيه في مقدمتها . الم يتعلموا من دروس افغانستان والعراق ؟ حتي الحرب بالوكاله ماستطاعوا ادراكها ودخلوها مثل الغنم . انصحهم باصدار المزيد من الفتاوي لأنها بلاش وهم يحبون البلاش
بغوها طرب صارة نشب
بغوا سوريا مثل ليبيا طلعت عليهم اغلى من بيع السوق والكل قاعد يدفع الثمن. لن ينجو بلد منهم.
أسهل طريقة للتخلص من القاعدة واتباعها
لقد وجدت امريكا والغرب بالاضافة الى اسرائيل مكانا خصبا لتحقيق مآربهم فقد نجحوا في جمع اتباع القاعدة والتكفيريين في منطقة بحيث يتم حصدهم والتخلص منهم من دون ان تدفع امريكا كلفة قتلهم والتخلص منهم ومن يدفع الفاتورة دولا اخرى. في نفس الوقت تنجح اسرائيل من خلال هذه الحرب انهاك الجيش السوري واضعافه وبذلك يتحقق لكل الدول مآربها. الدماء كلها مسلمة وفاتورة التخلص منها مدفوعة من بترول المسلمين فماذا يريدون افضل من هذا