العدد 3936 - الأحد 16 يونيو 2013م الموافق 07 شعبان 1434هـ

إنسانية الإنسان وعدل الله

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

ما رأيك بنزاهة هذا الحاكم البوذي؟ جيء بشخصين سرقا حلوى، فحكم الحاكم بسجن الأول لمدة سنة لأنه هندوسي، والإفراج عند الثاني وتعويضه بمليون دينار عن إهانة القبض عليه، لأنه بوذي.

في اليوم الثاني، جيء بشخصين قاما معاً بإنقاذ تلاميذ مدرسة من موت مؤكد عندما اشتعلت النار فيها، فأمر الحاكم بسجن الأول لمدة سنة لأنه هندوسي، وتكريم الثاني لأنه بوذي.

ما رأيك بهذا الحاكم؟ عادل أم ظالم؟ وهل ترى فيه عنصرية؟

إذا كنا نرى أن هذا الحاكم ظالم وعنصري، فهل تعلم من هو هذا الحاكم؟ هو أي متطرفٍ من أية ديانة أو مذهب يؤمن بأنه في الجنة وباقي الناس في النار.

فلو كان هناك مسيحي بار بوالديه يقبل رأس أبويه من الصباح الباكر ويطعمهما، وهندوسي أيضاً بار بوالديه يقبل رأسهما من الصباح الباكر ويطعمهما، فهل الله سبحانه وتعالى سيعطي المسيحي حسنات لأنه بار بوالديه ويدخل الجنة، بينما الهندوسي لا يعطى حسنات ويدخل النار؟

كلا الاثنين فعلا نفس الفعل الذي يصفه جميع البشر بأنه فعل حسن أو جميل. اسم الديانة ليس ميزاناً، فلو افترضنا أن الديانة (أ) هي الديانة التي تسير بالبشر نحو الجنة، فهنا سيكون إشكال، بأن أغلب الذين سيدخلون الجنة سيكونون محظوظين بالوراثة، لأن الفرد أصبح مسلماً لأنه ولد من أبوين مسلمين، وذلك يهودي لأنه ولد من أبوين يهوديين. وما ذنب أولئك الذين يعيشون في غابات الأمازون بأدوات بدائية وكأنهم في العصور الحجرية، فهم لم يسمعوا بدين اسمه الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو الهندوسية... هل يدخلون النار؟

تخيّل أنك مكان هذا الإنسان الذي وُلد في غابة الأمازون تعيش في الكهوف ولا تعلم شيئاً عن العالم الخارجي، ولم يصل هناك أنبياء ولا رسل، فهل ذنبه أنه ولد في ذلك المكان فيدخل النار؟ ولو افترضنا أن من وُلد في غابة الأمازون، طوال حياته فعل كل الخير، ولم يعمل شراً، بينما شخص آخر مسلم أو يهودي أو مسيحي ارتكب القتل المحرم، مثل ما فعلته القاعدة أو تفعله «إسرائيل» في فلسطين، فهل الأول يدخل النار رغم عمله الخير، بينما الثاني يدخل الجنة رغم فعله القتل المحرم؟

الله سبحانه وتعالى عادلٌ، والعادل يحكم بميزان يتساوى فيه الجميع، واسم الديانة لا يتساوى فيها الجميع، فلو افترضنا أن من يعتنق الديانة المسيحية هم الذين سيدخلون الجنة فقط، فما ذنبي أنا، الذي وُلدت في أسرة مسلمة وأصبحت مسلماً، ولا أعرف شيئاً عن المسيحية. ولو افترضنا العكس أن أصحاب الديانة الإسلامية يدخلون الجنة فقط، فما ذنب المسيحي الذي وُلد لأبوين مسيحيين، ولا يعرف عن الإسلام شيئاً.

الميزان العادل الذي تتساوى فيه جميع البشرية بمختلف دياناتهم، هو كل فعل يعلو بقيمة الإنسان، وهي أفعال يدركها الإنسان بالفطرة، مثل احترام الوالدين، هذا فعل يؤمن به كل البشر مسلماً أو مسيحياً أو هندوسياً أو من ولدوا في غابات الأمازون أو الكونغو. وقس على ذلك الأفعال التي تعلو بقيمة الإنسان مثل الصدق والأمانة والإخلاص، ومساعدة الآخرين والحب والإيثار، والبر والإحسان وغيرها من الأفعال التي تعلو بقيمة الإنسان، فإنها مشتركة بين جميع البشر بمختلف دياناتهم.

فهذا هو الميزان، من يبر والديه، سيحصل على رضا الله، سواءً كان مسلماً أو مسيحياً، ومن يعق والديه لن ينال رضا الله، مهما كانت ديانته أو مذهبه. فميزان العدل المشترك بين جميع البشرية هو ما يعلو بقيمة الإنسان، ولو نظرنا في مختلف الديانات المختلفة فإنها تسعى في جوهرها إلى سعادة الإنسان. ما يسعد الإنسان هو كل عمل يعلو بقيمة الإنسان، إذا هم مشتركون في الجوهر.

والفرقة الناجية، هم الذين يرتقون بقيمة الإنسان سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو هندوسياً، وكل من يحط من قيمة الإنسان سيكون من الفرقة الضالة مهما كانت ديانته. فالقتل والاغتصاب سيعاقب صاحبها مهما كانت ديانته.

سمعت شخصاً يقول أن حقوق الإنسان المتفق عليها في الأمم المتحدة هي ميزان مشترك، ولكن هذا الرأي فيه خلط، لأن البنود في الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان فيها ما يعلو بقيمة الإنسان، وفيها ما يحط من قيمة الإنسان، فبعضها لا يتماشى مع الفطرة الإنسانية، مثل حقوق المثليين الجنسية، فهذا يحط من قيمة الإنسان، والبشر بفطرتهم يرونه فعلاً قبيحاً، ومن يمارسه قلة يصفهم علم النفس بالمرضى. فليس ما تقره منظمة عالمية يصبح ميزاناً يتساوى فيه البشر ويكون ميزان الحكم، بل كل ما يعلو بقيمة الإنسان هو الذي يتساوى فيه البشر، مثل حق الحياة، حق التعلم، حق السكن، وغيرها من الحقوق، وهي حقوق يدركها الإنسان بالفطرة، سواء كان في الخليج أو القطب الجنوبي أو الشمالي. فإنسانية الإنسان هي الميزان.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3936 - الأحد 16 يونيو 2013م الموافق 07 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً