العدد 3934 - الجمعة 14 يونيو 2013م الموافق 05 شعبان 1434هـ

البحث عن ناقة في البديع

المنامة - محمد حميد السلمان 

14 يونيو 2013

أمامنا هذه المرة 3 وثائق تاريخية بحرينية، وقعت أحداثها في زمن واحد لم يتعدَّ عشرة أيام فقط، وكان ذلك في شهر أغسطس/ آب من العام 1923، وتتناول هذه الوثائق قضية واحدة أيضاً، رغم بساطتها، إلا أن لها دلالات ومعاني لمن يتابعها معنا.

سنقوم بنشر الوثائق الثلاث دفعة واحدة خلاف ما كنا نقوم به حيال الوثائق السابقة لعلاقتها -كما أوضحنا- بنفس القضية.

تاريخ الوثيقة الأولى هو 2 محرم العام 1343هـ (3 أغسطس 1924)، والثانية 6 محرم، والثالثة هو 9 محرم من نفس العام الهجري الموافق (10 أغسطس 1924)، والقضية التي شغلت الجميع في تلك الوثائق هي «ناقة»، ولكنها ليست ناقة النبي صالح المذكورة في القرآن.

إذن ما قصة هذه الناقة؟ فلنقترب من نصوص تلك الوثائق لنتعرف على حكاية تلك الناقة البحرينية.

- الوثيقة الأولى: « بسم الله الرحمن الرحيم

إلى جناب المكرم الحاج عباس بوشهري مدير البلدية في البديع المحترم

بعد السلام عليكم ثم جانا الراعي واخبرنا من طرف ناقة حضرة الوالد الشيخ عيسى عندكم في البديع تحت المحافظة لاكن ما عرفنا السبب.

نرجو من جنابكم أن تسلمون الناقة بيد الراعي راشد بن مرهون وتخبرونا عن السبب الذي حدث في الناقة.

هذى ما لزم ودمت سالم حرر في 2 محرم 1343

عن حمد بن عيسى آل خليفة

نائب حكومة البحرين

(الختم)»

- الوثيقة الثانية: «من الميجر سي كي ديلي باليوز في البحرين

إلى جناب وكيل البلدية في البديع

بعد... يكون ترخصون الناقة المحجوزة عندكم وتسلمونها إلى حامل هذه الورقة -هذا ما لزم- في 7 أكست 1924، الموافق في 6 محرم 1343-

الميجر سى كى ديلى باليوز في البحرين»

- الوثيقة الثالثة: «من حمد بن عيسى الخليفة نايب حكومة البحرين

إلى كبير قرية بديّع (الحاج عبّاس)

قد ارسلنا اليكم الناقة بيد حامل هاد المكتوب يكون تعقرونها وتقسمون لحمها على جميع المستضعفين في بلدكم في هاد اليوم 9 محرم 1343

حمد بن عيسى الخليفه

نايب حكومة البحرين»

التعليق: من خلال الوثائق الثلاث هذه، والتي هي عبارة عن رسائل كلها مرسلة لطرف واحد هو الحاج عباس بوشهري؛ يلاحظ عليها أنها أعطته عدة مناصب لم تكن رسمية في الواقع الإداري للبحرين، الذي أدخله للتو الميجور ديلي مع بدء حركة الإصلاحات الإنجليزية في البلاد باعتبارها تابعة آنذاك لنظام الحماية البريطانية في الخليج، وهذا سبب الاختلاف في تسمياتها.

فالرسالة الأولى وصفت الحاج عباس بـ «مدير البلدية في البديع»، وهذا لم يكن رسمياً، والرسالة الثانية من المعتمد البريطاني في البحرين كلايف ديلي، تعطي الحاج عباس منصب «وكيل البلدية في البديع»، والثالثة من الشيخ حمد بن عيسى نائب حكومة البحرين آنذاك تصفه بأنه «كبير قرية بديّع».

كما أن قضية المواشي «السايبة»، والتي عادة ما تجور على المناطق الزراعية التابعة للأهالي في البحرين، كانت من القضايا المهمة في ذاك الزمن وتقلق العديد من أهالي القرى لما تحدثه، خصوصاً الجمال والنوق، من تخريب وتدمير للمحاصيل الزراعية التي كانت أهم ثروة للمزارعين ومدار حركتهم المعيشية والحياتية اليومية؛ ولذا كثيراً ما ذُكرت هذه القضية في اتفاقيات ترتيب الأوضاع الإدارية لاحقاً في البحرين.

كما يلاحظ على قضية الناقة التابعة للشيخ عيسى بن علي والد الشيخ حمد بن عيسى؛ أنها ربما تاهت عن طريقها من القطيع الأم، الذي جرت عادته أن يرعى في مزارع قرى البديع، ولذا تم حجزها من قبل من أعطته الحكومة في عهد ديلي أمر إدارة شئون الأمن والبلديات في المنطقة المذكورة، وهو الحاج عباس بوشهري.

فقام، كما يبدو، بحجز تلك الناقة «السايبة» في حظيرة البلدية حتى لا تخرب المزارع لحين معرفة صاحبها، فتواردت عليه الرسائل من كل حدب وصوب حتى من المعتمد الجديد ديلي للسؤال عن تلك الناقة ومعرفة أحوالها وضرورة التحفظ عليها بعد أن اتضح أنها من نوق الحاكم.

والأغرب في الأمر أنهم بعد أن استردوا تلك الناقة وأخذها المدعو راشد بن مرهون لأصحابها، أرجعها الشيخ حمد بن عيسى لكبير قرية بديّع، كما سماه، ليذبحها ويقسم لحمها على «جميع المستضعفين في بلدكم».

ولا نعلم كم كان عدد المستضعفين آنذاك، ولا ما هو المقصود من حدود «بلدكم»، كما تذكر الرسالة الأخيرة في 9 محرم.

أي أن قضية ضياع ناقة بحرينية والعثور عليها والمراسلات الرسمية حولها استغرقت ما يقارب العشرة أيام حتى تم ذبحها في النهاية، وما كادوا يفعلون، وتم توزيع لحمها على الأهالي البحرينيين المستضعفين في الأرض.

وبذلك انتهت حكاية البحث عن ناقة بحرينية دخلت التاريخ من باب هذه الوثائق الثلاث.

العدد 3934 - الجمعة 14 يونيو 2013م الموافق 05 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً