العدد 3934 - الجمعة 14 يونيو 2013م الموافق 05 شعبان 1434هـ

أختام دلمون: بين دولة دلمون وإقليم دلمون

ظهرت الأختام في الشرق الأدنى منذ قرابة العام 6000 ق. م وكانت تستخدم حينها لتحديد ملكية الأفراد لشيء معين، ولم تكن حينها مرتبطة بنظام دولة أو بالبيروقراطية التي ظهرت لاحقاً (Duistermaat 2010)؛ فعندما انتشر استخدام الأختام في وادي الرافدين في الألفية الرابعة قبل الميلاد كانت تستخدم كوسيلة لتنظيم التجارة وإدارة المجتمع حيث كان يستخدمها الأفراد العاديون والرسميون، وقد كانت تستخدم لختم الوثائق من شتى الأنواع، وكذلك العقود والبطاقات والعلامات الملحقة بالبضائع، وقد كانت بمثابة شهادة لإثبات صحة الأصل والملكية، وبقيت الأختام تستخدم في وادي الرافدين حتى الألفية الأولى قبل الميلاد (Potts 2010). وقد انتشرت الأختام في منطقة الخليج العربي منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وقد عرفت منطقة الخليج قديماً ثلاثة أشكال أساسية من الأختام هي: أحادية الوجه المكعبة الشكل التي كانت تخص حضارة وادي السند والأختام الأسطوانية التي تخص حضارة وادي الرافدين والنوع الثالث هي الأختام أحادية الوجه دائرية الشكل التي تطورت على جزر البحرين. وقد بدأ تصنيع الأختام في جزر البحرين قرابة العام 2050 ق. م. وتطورت عبر السنوات اللاحقة. ويمكن متابعة بداية وتطور الأختام بصورة متزامنة مع تطور الهوية الحضارية لثقافة دلمون.

مراحل تطور أختام دلمون

ظهرت الأختام لأول مرة في الخليج العربي في جزر البحرين وذلك في فترة نضج دولة دلمون (قرابة 2050 ق. م.)، وتعرف هذه الأختام الأولى باسم «أختام الخليج» (سنتناولها بالتفصيل في الفصول القادمة)، وقد تطورت هذه الأختام لاحقاً لشكل آخر، وهو الشكل الذي عرف باسم «أختام دلمون»، وهي ليست حصرية على جزر البحرين بل انتشرت في كل إقليم دلمون الذي يتكون من البحرين كمركز ويحيط بها جزء من شرق الجزيرة العربية، وتمتد شمالاً حتى جزيرة فيلكا. فيما بين الأعوام 1600 ق. م و1500 ق.م. سيطر الكشيون (أو الكاشيون) على إقليم دلمون، فتوقف التطور الثقافي في البحرين، إلا أن التطور الثقافي في جزيرة فيلكا تابع التطور وأدى لظهور نموذج جديد من الأختام عرف باسم «ختم دلمون III». وهذا يعني أن هناك أختام خاصة بالبحرين فقط، وهناك أختام خاصة بإقليم دلمون ككل وهناك أختام خاصة بجزيرة فيلكا. وبالتالي فالحديث عن دلمون - البحرين يختلف عن الحديث عن دلمون بصورة عامة، فالتطور الثقافي يختلف من منطقة لأخرى في داخل الإقليم الذي عرف باسم دلمون.

نماذج التطور الثقافي

إبان السيطرة الكشية

حدث تغير ثقافي وحضاري واضح للمناطق التي كانت تسود فيها ثقافة دلمون والتي تعرضت للسيطرة الكشية (أو الكاشية) ويمكننا أن نميز نمطين لهذا التغير: الأول حدث في جزيرة فيلكا والثاني في جزر البحرين، وكان أول من تعرض لهذه المقارنة في التغير الثقافي هو Larsen في كتابه حول تطور المجتمع البحريني القديم (Larsen 1983، p. 249)، ومن بعده جاءت Denton، وذلك في دراستها المعنونة «The late second millennium B.C. in the Arab/Iranian Gulf»، والتي قدمتها كأطروحة لنيل درجة الدكتوراه في العام 1991م. وتوثق Denton وصف التطور الثقافي الذي حدث في كل من جزر البحرين وجزيرة فيلكا بشيء من الإسهاب والوصف الدقيق للتغير في الأختام والفخار في المرحلة الانتقالية من حقبة باربار أو دلمون المبكرة إلى الحقبة الكشية. ومن خلال هذا التوصيف الدقيق يمكننا أن نستخلص النموذجين التاليين.

فيلكا والتثقف من الخارج

تأسست على جزيرة فيلكا حضارة من قبل سكان وافدين لها من جزر البحرين (بالإضافة لأعداد أقل وفدوا من بلاد الرافدين)؛ وبذلك كانت تلك الحضارة شبيهة بحضارة دلمون - البحرين ولكن تختلف عنها بوجود تأثير فراتي. وعبر الزمن أخذ التأثير الفراتي في ازدياد مع تراجع تأثير حضارة دلمون حتى أصبح التأثير الفراتي هو الغالب، وذلك في عهد الدولة البابلية القديمة (بوتس 2003: ج1 ص 461). وقد لاحظ Larsen من خلال دراسته للفخار في جزيرة فيلكا تغير متسلسل واضح في نمط الفخار؛ حيث يبدأ بفخار باربار المميز لحضارة دلمون، وبعدها يبدأ الفخار يميل نحو أنماط الفخار الخاص بالحضارات الفراتية حتى يتحول تماماً لفخار فراتي. وبدخول الفترة الكشية ينتهي فخار باربار تماماً من فيلكا ويبقى الفخار الكشي، ويبقى الرابط الوحيد بين الهوية الفراتية الجديدة التي تكونت فوق جزيرة فيلكا والهوية الدلمونية القديمة، التي كانت سائدة على هذه الجزيرة، هي الأختام الدلمونية والتي حافظت على شكلها الدائري (Larsen 1983، p. 249). إلا أن الرموز والنقوش التي توجد على هذه الأختام بدأت تتغير تدريجياً لتأخذ طابعاً فراتياً. هذا النوع من التغير التدريجي شبيه تماماً بالتغير الذي حدث للأختام الدلمونية في بداية ظهورها في البحرين؛ حيث كان الوجه الأمامي ينقش عليه رموز حضارة وادي السند، ثم بدأ يتغير تدريجياً ليأخذ هوية مستقلة هي هوية دلمون. وفي حين توقف تطور الأختام في دلمون - البحرين، استمر في جزيرة فيلكا هذا التغير التدريجي في النقوش، ولكن، باتجاه التأثير الفراتي. حتى أصبح الختم شبيهاً شكلاً بأختام دلمون الدائرية بينما نقوشه الظاهرية فراتية. وهذا النوع الأخير من الأختام التي تطورت في العهد الكشي لم يعثر عليها في جزر البحرين ولكنها أختام عثر عليها بصورة حصرية في جزيرة فيلكا (Denton 1991، p. 246).

جزر البحرين

لقد اختلف الوضع في جزر البحرين عما حدث في جزيرة فيلكا من حيث عدم وضوح الانتقال السلس المتسلسل من حقبة باربار إلى الحقبة الكشية. لكن حدث تغير فجائي في الطبقات الأثرية حيث تناقص فخار باربار وظهر فخار جديد ومنتشر بكميات كبيرة وهو الفخار الكشي الذي عرف بالفخار الكاراميلي أو العسلي (caramel ware)، بالإضافة لاختفاء الأختام الدلمونية الدائرية وظهور الأختام الفراتية الإسطوانية الشكل. بمعنى آخر هناك تغير في الهوية؛ فقد تراجعت هوية دلمون المتميزة بفخارها وأختامها وظهرت الهوية الكشية. ومن الواضح أن الكشيين عملوا على طمس هوية دلمون؛ فالفخار الكشي صنع محلياً ولم يستورد من الخارج، يدلنا على ذلك طريقة عجن الطين قبل تصنيع الفخار منه والذي تميزت به الجماعات التي صنعت فخار باربار (أي الدلمونيون) حيث يتم خلط نسبة من الرمل بالطين بعدها يصنع منه الفخار. ويبدو أن هذه العادة في خلط الرمل تحولت لبصمة خفية تخص الدلمونيين الذين صنعوا فخارهم الخاص بهذه الطريقة (Denton 1991، p. 108). وبالتالي، فإن المرجح، أن الفخار الكشي قد تم تصنيعه في البحرين بإيعاز من القيادة الكشية. بالإضافة لسيادة الفخار الكشي الذي حل محل فخار باربار، حدثت تغيرات جذرية أخرى من بينها إلغاء الأختام الدائرية التي كانت تستخدم في المعاملات التجارية وتم استخدام الأختام الإسطوانية بدلاً منها وهي أختام يتم دمغها على الطين وذلك بدحرجتها على الطين لتعطي دمغة بشكل مستطيل... يتبع.

العدد 3934 - الجمعة 14 يونيو 2013م الموافق 05 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً