انطلق أمس التصويت للانتخابات الرئاسية في إيران. بالتأكيد، فإن من الترف أن نتتبَّع لحظات التصويت «الأمسِيَّة» لكي نُقِيمَ تحليلاً بشأنها، لذا، فإن الأهم من ذلك (وكما قلنا في مقالات سابقة) هو قراءة ظروفها الأبعد، من أجواء سياسية ومتنافسين وتيارات، ورؤى وأفكار متقاطعة.
لماذا نقول ذلك؟ الجواب هو أن الداخل الإيراني، لا يُقرأ بالملاحقة الخبرية المقطوعة، فهي لا تزيد على مكعبات وهمية، لا تعطيك صورة واضحة، بل من خلال تجميع تلك المكعبات، وملاحظة حركتها المتسارعة من مكانها، والتي قد تُغيِّر لك كامل الصورة، في بلد لا يشهد استقراراً سياسيّاً في النظرة إلى السلطة أبداً.
عدم الاستقرار ذاك، نابعٌ من غياب التعريف المتسالم عليه للدولة والدِّين في إيران. صحيح، أن هناك دستوراً ومؤسسات، لكنها لا تعدو كونها صناعة ورقيَّة لتلك الدولة. فإلى الآن، لا يوجد تعريف سياسي/ ديني حقيقي متوافَق عليه لأهم زاوية في الدستور، وهي مبدأ ولاية الفقيه.
المحافظون يرونها أبعد من الدستور. هم يرونها لاهوتاً يُذكِّر بالإكليروس القديم. فلا سقف لها ولا حد، كونها مقدسة في ذاتيَّة المُعمَّد فيها والعكس. الإصلاحيون لا يرون ذلك. هم يرونها أقل من ذلك بكثير. بل هم يعتبرون أنها يجب أن تكون بالانتخاب الذي يمنحها حياة أرضية واقعية.
هذا الخلاف، فيما هو أعمق من الصناعة الورقيَّة (دستور/ مؤسسات) جعل من أصحاب الأفكار لا ينتظمون على حال ثابت. فحين تكون دعائم الدولة الآيديولوجية والفكرية رجراجة، يصبح الفاعلون فيها هم أيضاً متقافزين في قناعاتهم، كونها ناقصة، وفاقدة للتوافق والتسليم.
كلُّ شيء قابل للدَّوَرَان في إيران. خلال أربعة وثلاثين عاماً، تبدَّل اليمين إلى يسار، والأخير إلى يمين. وتحوَّلت الصقور إلى حمائم، والأخيرة إلى صقور. لم يقِف الأمر إلى هذا الحَد، بل انسحب ذلك حتى على مُنَظِّري اليمين واليسار، والصقور والحمائم، من الساسة ورجال الدين الكبار.
عندما شنَّت الولايات المتحدة (والتحالف الثلاثيني) حربها على العراق، في العام 1991، تَداعَى اليسار الديني الراديكالي في إيران (خاتمي، كروبي، خوئينيها، أردبيلي) في جبهة مضادة لحكومة رفسنجاني الأولى، وحثتها على الدخول إلى جانب العراق بعد تعرضه لعدوان «الشيطان الأكبر».
اليوم هذا اليسار (الذي كان متطرفاً) والذي احتلَّ السفارة الأميركية في طهران، وشارك في مكتب حركات التحرر، هو عرَّاب الإصلاح والاعتدال في إيران. وهو الذي انتظم في سبعة عشر تنظيماً إصلاحيّاً سُمِّي لاحقاً بـ الثاني من خرداد، الذي كان الداعم الأساس للحقبة الخاتمية.
هذه التنظيمات التي كانت تريد قتال الولايات المتحدة الأميركية في العراق مطلع التسعينات، هي التي تدفع اليوم بضرورة عودة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن وبأسرع وقت. هذه التنظيمات التي كانت تمارس تطرفاً دينيّاً ضد النساء، عبر تطبيقات اللباس، وأسمال الوجه، هي التي تُثوّر في نساء إيران اليوم نزعة التمرُّد على الحجاب القاسي، وتُطالب بالحريات الدينية!
المحافظون اليوم، الذين يرفلون في التطرف ماذا كان حالهم في الثمانينات؟ لقد كان هؤلاء، حمائم إيران في تلك الحقبة. وهم الذين مدُّوا خيوطاً مع الأميركيين في صفقات سلاح. وكانوا يدفعون بضرورة تسوية المشاكل السياسية مع دول الخليج العربية، وفي قضايا جنوب آسيا والعراق.
اليوم، يفيض بهم التشدد، إلى الحد الذي أصبحت فيه العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية معياراً للنقاء الثوري والاستقامة السياسية والدينية من عدمها. هذه هي مشكلة السياسة والسلطة والدولة في إيران، ومشكلة التيارات الفاعلة في الحكم وفي ظله أيضاً.
هذه الصورة، تمنحنا فرصة التأمل في شخص كـ حسن روحاني أحد أقوى مرشحي هذه الانتخابات. فهذا الرجل الذي يُوسَم اليوم بأنه رمزٌ للاعتدال في وجه قوى التطرف السياسي والديني جَرَى عليه ما جرَى على أضرابه (وهم كُثُر) من سياسيي إيران وتياراتها.
في يوليو/ تموز من العام 1999، وعندما استعرت حركة الطلبة الإيرانيين في جامعة طهران وتبريز ويزد، صَعَدَ المنبر، قُبيل اجتياح مئات الآلاف من البسيج ساحات طهران لإنهاء الاحتجاج فقال: «هؤلاء المخرِّبون سأقطعهم بيدي هذه إرباً إرباً». اليوم، يُعيد الرجل إنتاج نفسه وقناعاته بطريقة أخرى، والسبب، يرجع كله إلى الخلاف الغائر في تعريف السلطة ومرتكزاتها الأصلية والعميقة.
أيضاً، فإن هذا الخلاف، بدأ يؤثر على طبيعة النظرة إلى السلطة، القائمة على الاستحواذ. بمعنى، أن مَنْ يصل إلى السلطة، لا يستطيع تحمُّل مغادرتها إلاَّ وفق نظرة الخشية عليها، من خصم عدو قد يأتي هو بالأساس، أحد القيم الداخلية للبنية السياسية الإيرانية، وحتى الثورية منها!
رأينا كيف أقصَى المحافظون (الحاليون والمعتدلون السابقون) الإصلاحيين (الحاليين والراديكاليين) من السلطة، ابتداءً من العام 1989. ورأينا كيف أقصى الإصلاحيون المحافظون بدءًا من العام 1997. ثم رأينا الكرَّة في العام 2005 مع وصول أحمدي نجاد إلى السلطة. واليوم كذلك، يثور هذا الشعور.
بالتأكيد، لكل توجه حزبي حرية الحكم بثِقته على خبرائه، لكن الذي كان يحصل هو إزاحة شمولية، لا تنبئ بوجود شريك حقيقي في البلد. هذه هي مشكلة إيران منذ العام 1986 على أقل تقدير بعد الانشطار الكبير في خط الدينيين (جمعية وتجمع العلماء) ولازال الأمر قائماً.
لكن (وفي الـ لكن التفسير الأدق) هو أن من بين كل هذا التطرف والإزاحة، بدأت تلوح في إيران ما يُمكن تسميته بالحكم المتقارِب، القائم على إناءي السلطة. وهو مسلك، فرضته النجادية المتطرفة، التي قادت إلى تولّد اصطفافات جديدة على مسطرة الأحزاب السياسية، حين تغوَّلت الحكومة التاسعة والعاشرة في إعادة تسمية الخصوم كلهم إلى مجرد حفنة من الفاسدين.
اليوم، وفي أتون هذه الانتخابات، يبدو أن أولى طلائع هذا التفكير السياسي الإيراني، يقوده حسن روحاني، الذي ظَهَرَ أنه يتنفس بشكل آخر. وحين يصل مثل هذا التوجه الجديد إلى السلطة في إيران، فإنه سينعكس حتماً على كثير من ملفات الداخل: السلطة والشريك.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3934 - الجمعة 14 يونيو 2013م الموافق 05 شعبان 1434هـ
تناقضات
الموضع يراد منه الاثارة لا غير حيث الكاتب يقول الان النظام الايراني لا يفهم من الاخبار و يدعي ان خبير في الشؤون الايرانية و هو من الواضح انه يستقي معلوماته من القنوات و الصحف العربية المعروفة بعدائها لايران. نظام احترم شعبه واتاح له انتاج سبعة رؤساء خلال ثلاثة وعقود ونصف لهو نظام يفرض الاحترام و التقدير و مثال يحتدى لا يهاجم.
روحاني فاز يامحمد
بسنا .. سكر المواضيع عن هالبلد .. وافتر صوب جيرانا من الجهات الأخرى .. لأن روحاني بعد بيفتر وبيتوالف على الموجات المطلوبه في المنطقة واذا توالفت الموجات اتوالفت القلوب .. عاد بعدين دور لك جهة غير اتنورنا عنها يا محمد . . بويه محمد. شكراً إلك أغاتي.
هزلت
طبورها على التحليل
انت يا هزلت
المفروض تقول (طمبورها) مو طبورها وتصبح على خير.
ترلّلللللللللللللللللللللللي
سلموا لي على اللي سم حالي افراقه ، حسبي الله على اللي حال بيني و بينه
سلطة القانون ولا غير ولا دون ذلك ما في حشيش
ليس بسر أن المتبدعات والابتكارات التي سواسها الانسان بس ما سواها عدل وخل عنده سلطات ما تنعرف من وين جاءت.. السلطه سلطة القانون واحد غشيم قال إذا حلف الناتو بدون ميزان وحلف شمال الأطلسي ومجلس الأمن ما عندهم ميزان الحكمه هذا فنيتوا. أو أفنوا على بقائهم بأيديهم. ويش قولكم يا قوم؟ مو عدل أو يبغونها عوجاً دوماً؟
زائر
رغم أنني أنتمي لتيار الشيخ مصباح اليزدي ( جبهة الاستقامة المحافظة ) ، إلا أنني فعلا أفضل فوز الشيخ روحاني ، عل ايران تستعيد توازنها السياسي في الداخل
من القائل وفي من قيل
قبل تقييم اي مقال او وجهة نظر.. يجب تقييم الكاتب او القائل.. بما انني على اطلاع بكتابات الاخ محمد.. فلاعجب..
تحليل واقعي وعادي
تبيل القبعات في الزمن السياسي ليس بالسهل خاصة بوجود شهود العصر في مراكز صنع القرار شكرا لك
هل زرت ايران كخبير في الشئون الايرانية
لديك تشخيص لحالة ايران و العراق و تتحدث بتفاصيل التفاصيل و لكن في الشأن المحلي تتلاسى الخبرة و اذا قدر لك الحديث تذهب للعموميات و المبادئ اكثر من مناقشة الممارسات و كأن كاتب في جنرب افريقيا طلب منه كتابة موضوع عن البحرين و ما ينطبق على تلاشي خبرتك في الشأن المحلي ينطبق عليها في الشأن الخليجي فلم نرى لك مقالا عن ما يجري في دول مجلس التعاون من حراكات بمستويات ولم تحلل هياكل الحكم فيها
ماهدا العقل
لمادا لاتقول مايفيد ام انك تصر علي فضح عقليتك المحدوده وثقافتك الضحله. والله عيب . الا تعلم بأ هناك سئ اسمهه تخصص .
هادا كله لا يهم الشعب الايرانى
بل الامس اثبت الشعب الايرانى بكل شرائحه وبكل اللوان اطيافه ملحمه كبرى بكل ما تعنيه الكلمه ولكن السئوال لك يا عزيزى المطلع على الشئؤن الايرانيه فى امريكا تدفع الملايين من الدولارات فى انتخابات الرئاسيه وفى ايران الشعب يتسابق الى التصويت بكل ثقه بل النفس بعكس ما يروجه الغرب و بعض الدول العربيه هنيئأ لكم يا شعب ايران
تعليق
الموضوع لا يبدأ ولا ينتهي بالملاحم والكلام المنمق بل هو يناقش شكل السلطة وتعريفها
تحليل شخصي
تحليل شخصي للكاتب مبني على بعض المعطيات وليس كل المعطيات ... لذلك جزء من التحليل يمكن ان يكون واقعيا و ملموسا و في جوانب اخرى يراه البعض نقد مبني على معطيات غير واضحه او غير صحيحه احيانا
بارك الله فيك
التجربة الدينية في إيران هي نتاج بشري قابل للخطأ والصواب لذا فإن انتقادها وتحليلها أمر عادي ويقبله العقل ولا يتعارض مع الدين الا من أؤلئك المتعصبين
ولد العريبي : ماذا لو حصلت مظاهرات ضد النتائج النهائية
ايران ومن خلال حقبة الثمان سنوات الماضية في عهد أحمدي نجاد صنعت لها أعداء كثيرين بدل الأصدقاء فلهذا فإن أي إحتجاجات متوقعة من المعترضين على النتائج الأخيرة للإنتخابات الإيرانية وما قد تشهده هذه الإحتجاجات من عنف وقمع من طرف شرطة الباسج ومن طرف المحتجين أيضا فلا تلومن ايران من سيتدخل لدعم المحتجين بالمال والإعلام خاصة من الدول الغربية فهي أيضا أي ايران قد سلكت نفس السلوك مع جيرانها ودول أخرى فمهما بررته أسبابه فلا يفيد ألف مبرر لسلوك دبلوماسي خاطئ كهذا .؟؟
لك الشكر
تحليل غزير ورائع للوضع الايراني ونقد موضوعي بلا مديح ولا حب اعمى
تحليل ورق
المشكلة موجودة فيك
أخ محمد
لا تتعب روحك ربعنا عاجبتهم سياسه ايران ولا يستطيعون انتقادها لأنه حرام ويدخلون النار
لم افهم ماتقصد
يااخي اقرأ المقال ثانية وسؤاي هو كيف تلتبس هده بتلك .