وكما تثار التساؤلات حول ردة الفعل الرسمية، يبرز أيضاً أهمية تفكيك رؤية ومطالب الحراك. وإجمالاً، لا توجد صورة متبلورة لرؤية ومطالب واضحة من قبل قادة هذا الحراك، بل إنه في كثير من الأحيان يُردّد بأن الحراك يتميّز بأنه بدون أية قيادة مركزية. ويرى البعض بأن هذه اللامركزية قوة ومكمن نجاح الحراك في استيعاب وتفادي الضربات الأمنية التي كانت تطيح بالأحزاب في المنطقة سابقاً، بينما يرى الآخرون أن غياب القيادة والمطالب الواضحة يُهدّد بتشتت الحراك أو اختطافه من قوى انتهازية. ففي كثير من الأحيان تبقى المطالب والرؤى السياسية مبهمةً لهذه التحركات، وتتمحور في الأساس حول رفض الوضع الحالي والتركيز على الجانب الحقوقي المدني البحت برفض السجن والتعذيب والتأكيد على حق حرية الرأي والتجمع إلخ. وفي الحالات التي يتواجد تبلور لمطالب سياسية محددة، كما هو الحال في البحرين، فيتبين أن هناك انقساماً حاداً في رؤية ومطالب المعارضة، كما هو الحال بين من يطالب بجمهورية ومن يطالب بمملكة دستورية.
وقد تكون إحدى الظواهر المقلقة التي بدت تطلّ بشكل جدي في دول المجلس هو شبح الانقسام بناءً على المذهب والإثنية والمناطقية. فلقد لوحظ تنامي هذا الانقسام والخطاب، والذي –وإنْ كان في كثير من الأحيان تدعمه وتغذيه بعض الأجهزة الرسمية- إلا أنه أصبح واقعاً ملموساً في المجتمع له دوافعه الذاتية. ففي البحرين أصبح الانقسام بناءً على المذهب أمراً واقعاً لا يمكن إنكاره، أما في الكويت فمسألة «الحضر» و»البدو» قد أخذت درجةً جديدةً من الحدية، وتبرز هذه المسألة بأشكال متفاوتة بين أغلب دول المجلس.
وتبقى طريقة تعاطي الأطراف المختلفة، بما فيها الأنظمة الحاكمة، وفئات الشعب، وقادة المعارضة، بالإضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية، هي ما سيقرر طريقة تفاعل هذه العوامل على أرض الواقع، وعمّا إذا كان الحراك سيؤدي إلى تغيرات سياسية حميدة بناءً على مبدأ الديمقراطية والمواطنة، أم أن الأمور ستأخذ منحى أكثر احتقاناً، أمنياً وطائفياً وإثنياً ومناطقياً.
وتقوم رؤيتنا في هذا العمل على أساس فهمٍ تحليليّ يؤكد القول بأنه من الخطأ النظر إلى كلٍّ من أوجه الخلل على أنّها قضيةٌ مستقلة، أو اعتبار هذا المجموع من الخلل على أنه مجرد مجموعةٍ من المشاكل المشتتة وغير المترابطة جوهرياً. نذهبُ في هذا الإصدار إلى ضرورة أن نُحلّل أوجه الخلل جميعاً، وفي وحدةٍ عضويّة متماسكة الأبعاد، مُتضافرة العناصر.
كذلك، من الخطأ معاملة أوجه الخلل المزمنة وكأنّها ظواهر جامدة، يستحيل أن يطرأ عليها التغيير، فجدلية التاريخ لا تتحرك في خطوطٍ مستقيمة مرسومة مسبقاً، بل إنّ تفاقم أوجه الخلل المُزمنة، والتناقضات التي تُولِّدها؛ تجعل من الصعب، بل من المستحيل، التنبؤ بدقةٍ بكلّ ما قد يحصل من توابعها. وعلى نفس القدر من الأهمية؛ هو كيفية تعامل الأطراف ذات المصلحة مع هذه التغيّرات. فعندما تخرج التّبعات عن المألوف، تجد الأطراف المختلفة نفسها على المحكّ، وخارج نطاق ما اعتادت على التعامل معه، أكانت الحكومات المحلية، أم فئات الشعب المختلفة، أم القوى الدولية. لهذا نرى من المهم أن نُحلّل ما هو ثابتٌ في أوجه الخلل المزمنة على مستوى المنطقة، وما هو متحوّل فيها على مدى السّنوات الماضية والقادمة. انطلاقاً من هذه الرؤية الجامعة؛ نُقدِّم هذا العمل من الخليج عن الخليج وإلى الخليج، على أمل تشكيل وجهة نظرٍ نقدية، بما يؤسّس لرؤى تطويريّة تُسهِم في تأسيس نظرةٍ شاملةٍ في المستقبل. (انتهى)
إقرأ أيضا لـ "عمر الشهابي"العدد 3930 - الإثنين 10 يونيو 2013م الموافق 01 شعبان 1434هـ
هه نتيجة طبيعية
ازمات مستدامة، وهذا ما ورثته الحكومات لشعوب الخليج دون مساءلة ولا محاسبة.