نستكمل المراجعة الشاملة للقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن الصحافة والنشر والمطبوعات والتعديلات الجوهرية المقترحة بشأنه.
4- ولبيان بعض عيوب المرسوم بقانون الحالي بشأن الصحافة والطباعة والنشر الذي يتمسك بفرض عقوبة جنائية افتراضية على رئيس تحرير الصحيفة، يجب أن نشير إلى دعوى جنائية رفعتها النيابة العامة في السنوات السابقة، ضد رئيس تحرير «الوسط» وفقاً لأحكام هذا القانون، حيث حكمت المحكمة لاحقاً في هذه الدعوى الجنائية بتغريمه -/1000 دينار، وذلك على الرغم من أن عقوبة الحبس لاتزال موجودة في صلب القانون، ولكن دون تطبيقها. ويبدو أن الحكومة أوقفت بأمر ملكي تطبيق عقوبة الحبس الموجودة في القانون الحالي مؤقتاً إلى حين صدور مشروع القانون الجديد للصحافة والطباعة والنشر الذي وعدت الحكومة بتقديمه لمجلس النواب منذ شهر مايو 2012. وقد طال الانتظار لصدور هذا المشروع الذي لم تُعرف تفاصيله بعد. كما أن مجلس النواب لم يتحرك خلال السنوات الماضية بالتقدم باقتراح مشروع بقانون جديد يُنظم الصحافة وفقاً لمبادئ العدالة وحرية الرأي والتعبير لكي يكون لمجلس النواب الحالي السبق في اقتراح مشروع قانون للصحافة نابع من هذا المجلس دون انتظار نحو ثلاثة فصول تشريعية معتمداً كلياً على السلطة التنفيذية لكي تتفضل عليه بتقديم مشروع قانون للصحافة وفق المعايير والقيم التي تخدم سياستها التشريعية.
ولكن ما نخشاه هو أن تقرر الحكومة إصدار مشروع هذا القانون المهم بمرسوم بقانون – في حالة عطلة مجلس النواب – كما جرت العادة دائماً لدى الحكومة، وذلك خلافاً لحكم حالة الضرورة التي تقررها المادة 38 من الدستور. وعليه، فإنه في حالة سلوك الحكومة لهذا الإجراء بشأن هذا المشروع بقانون الصحافة، فإننا نبشر «مجلس نواب ما بعد الانتخابات التكميلية» بأن سلوك الحكومة لهذا الإجراء بأن هذا المشروع بقانون المهم سيغلق الباب نهائياً أمام إمكانية مناقشة وإقرار المجلس لهذا القانون الصادر بمرسوم وقراره، وفقاً للمادة 38 من الدستور. وحينذاك سوف لن يكون أمام المجلس إلاّ خيار قبول هذا المرسوم كما قدّمته الحكومة لهم دون نقاش أو رفضه. ولكن لم يحدث في تاريخ هذا المجلس أن رفض مرسوماً بقانون تقدمت به الحكومة، كما يبدو.
أمَّا من جانب الحكومة، يبدو أنه نتيجة للانتقادات الموجهة للحكومة من قبل الجمعيات السياسية المعارضة ومنظمات حقوق الانسان الدولية على الاستمرار في الاحتفاظ في المرسوم بقانون لسنة 2002 الحالي بعقوبة السجن الافتراضية ضد رؤساء تحرير الصحف ومحرريها، أصبح توجه الحكومة – فيما يبدو – أكثر رشداً فيما يتعلق بإلغاء هذه العقوبة الجنائية واستبدالها بعقوبة الغرامة حسب الحكم الصادر ضد رئيس تحرير «الوسط» السالف بيانه. ولكن المطلوب في هذا البحث – من خلال التعديلات الجوهرية المطروحة – هو إلغاء عقوبة كل من السجن والغرامة الافتراضية ضد رؤساء تحرير الصحف.
5- ولا يفوتنا أخيراً الإشارة إلى أن تصريحاً قد صدر مؤخراً من رئيس مجلس النواب يؤكد فيه بأن مشروع القانون الجديد بشأن الصحافة والطباعة والنشر – الذي وعدت الحكومة خلال شهر مايو 2012 بتقديمه إلى مجلس النواب – والذي تأخرت الحكومة كثيراً في وضعه – هو جاهز الآن وسيرى النور قريباً. ولكن لكون هذا المشروع لم يصدر بعد، فقد وجدنا تصريحاً آخر قريباً لوزيرة الإعلام، صدر بمناسبة عقد مؤتمر «اتحاد الصحافة الخليجية» في البحرين بتاريخ 16 أبريل 2013 (تنظر صحيفة «الوسط» بتاريخ 17 إبريل 2013). وتؤكد الوزيرة في هذا التصريح أن مشروع القانون الجديد للصحافة «سيقدم قريباً إلى مجلس الوزراء لإقراره» تمهيداً لتقديمه إلى مجلس النواب. ولكنها تكرّر ما قالته الحكومة سابقاً من أن هذا المشروع سيرى النور قريباً «بعد أن تسبقه بعض الأمور». ولكننا لا ندري ما هي هذه الأمور التي تؤخر تقديم هذا المشروع الذي تنتظره الصحافة والجسم الصحافي عموماً بفارغ الصبر، ولمدة عشر سنوات عجاف مضت في تبادل مشروع قانون الصحافة والطباعة والنشر الجديد بين مختلف اروقة المجلسين والحكومة، دون نتيجة ايجابية تذكر حتى تاريخه.
وحيث إننا نشك في أن هذا المشروع الجديد سيلم بكل انتقاداتنا الماثلة في هذا البحث لقانون الصحافة لسنة 2002، لذلك سارعنا – بعد تأخير كبير– في تقديم هذا البحث الذي يلم، في نظرنا، بكل نواقص قانون الصحافة الحالي وذلك على أمل ان مجلس النواب الحالي ستكون لديه الشجاعة والجرأة الكافية بأن يأخذ هذه الانتقادات لقانون الصحافة لسنة 2002 بعين الاعتبار عند مناقشته لهذا المشروع الحكومي الجديد الذي طال انتظاره من قبل الصحافيين والجسم الصحافي عموماً.
ولكن يبدو من تصريح رئيس مجلس النواب السالف ذكره، أن المجلس سيلجأ إلى التفرغ لمناقشة هذا المشروع الحكومي الجديد لقانون الصحافة الذي وعدت الحكومة قبل سنة بتقديمه للمجلس، متخلياً بذلك عن مراجعة الاقتراح بقانون بشأن الصحافة المعروض عليه للمراجعة والنقاش – في غياب أي مشروع آخر – من قبل مجلس الشورى في سنة 2004، كما أسلفنا. إن هذا التواني والتخلف من قبل مجلس النواب في مراجعة ومناقشة هذا الاقتراح بقانون الصحافة الموجود على جدول أعماله لمدة تقارب التسع سنوات، إن دلَّ على شيء فإنما يدل على المعوقات الدستورية والقيود التي يفرضها الدستور الحالي، وبخاصة المادة 92 منه، على سلطة مجلس النواب في إقرار وإصدار التشريعات. كما أن الحكومة لا تخلو من المسئولية الكبرى في تأخير إقرار وإصدار أية تعديلات جوهرية – تصب في مصلحة حرية الرأي والتعبير وتؤدي إلى رفع العقوبات السالبة للحرية – على القوانين التي صدرت من قبلها، في شكل مراسيم بقوانين، خلال سنة 2002. ويعتبر المرسوم بقانون الحالي بشأن الصحافة لسنة 2002 مثالاً صارخاً على هذا التأخير والتأجيل – غير المسبوق – فيما يتعلق بإجراءات إدخال تعديلات جوهرية عليه أو استبداله بقانون جديد يرفع العقوبات السالبة للحرية، ويطلق حرية الرأي والتعبير للصحافة بشكل أفضل يتفق مع حكم المادة 31 من الدستور، ويصون استقلالية وكرامة الصحافيين والصحافيات في تلقي الأخبار والإعلان عنها بدون قيود تتعارض مع المواد 31،24،23 من الدستور التي تتعلق بحريات الفكر والرأي والتعبير والتي هي من أساسيات نظام الحكم الديمقراطي البرلماني السليم. (يتبع).
إقرأ أيضا لـ "حسين محمد البحارنة"العدد 3929 - الأحد 09 يونيو 2013م الموافق 30 رجب 1434هـ