العدد 3929 - الأحد 09 يونيو 2013م الموافق 30 رجب 1434هـ

فَتِّشوا عن غير الأغبياء

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل سيأتي زمَنٌ أبْأَس من هذا الزمن المُرّ؟ لا يبدو أن ذلك سيكون. فما نعيشه من أيام، يغيب عنها طعم الحياة تماماً. أيامٌ مليئةٌ بالأحداث الضاغطة على النفس وجرحها. فلا تكاد تصرخ من ألم، حتى باغَتَكَ هذا الزمن الرديء بما هو أشدُّ إيلاماً من سابقه. بالتأكيد، ليس ذلك الألمُ ألمَ الجسد بالضرورة، بل هو الألم النفسي، قبل أي شيء آخر.

وألم النفس هذا له سقوف. فبعضه ناتجٌ عن ظلم بيِّن، بَطَلاه خصمان وكفى. وهناك ألمٌ ينتج عن فَقْد عزيز بموتٍ محتوم. وهناك آلام السياسة أيضاً. لكن الأكيد، أن هناك ألماً نفسياً مُركَّباً، تختلط فيه رضَّات النفس، مدفوعةً بِشَرَرِ الانتماءات الأولى للبشر. العائلة. القبيلة. العِرق. الطائفة، وهي أشدها خطراً. إنها مأساتنا مع الطائفية بحق.

في الألم النفسي، الذي تسببه نَزَعَات الطائفة، تستجيب أوداج الجسد لنفيرها فتنتفخ، ويُشَدُّ العقل إلى الخلف، ويُحبَس، ليحلَّ الجنون مكانه، وتتقدم الأيدي لا للتصافح بل للتطاعن، والأرجل لا للمشي بل للرَّكل، وتُحَملق الأعين لا للرحمة بل للشَّرر، وتنطق الألسن لا باللِّين، وإنما بالسباب والزَّمجَرة. لذا، فإننا نرى حياتنا كلها ضغينة وحقداً.

وقد جرَّبنا كيف أن هذا الجنون الطائفي، لا يقضي على الأفراد وكيانهم المحدود فقط، بل هو يمتد حتى يهدم كل المشاريع، التي شَيَّدتها الأمة طوال تاريخها. وكأن ذلك غزو تَتَارِي أرعن، لا يرقب في مؤمن إلاَّ ولا ذِمَّة. وهو ذات الأمر الذي جرَّبه الأوروبيون، حتى قالوا: ها هنا كانت، وهناك كنا، وما بين «هنا» و»هناك»، ضاع جزءٌ مهم من تراثهم واندثر. هذا هو الثمن.

ونحن نعيش هذه المأساة الطائفية، فقد أصبح جلياً، أنه لن يأتي الزمنُ الذين يفرح فيه كثيرون لانتصار حزب الله على «إسرائيل»، بعد مساندته النظام السوري، ودخوله معركة القصير. ولن يأتي الزمنُ الذي يفرح فيه كثيرون أيضاً لانتصار حماس على «إسرائيل»، بعد خصومتها مع النظام السوري، ومشاركة أنصارها في معارك مخيم اليرموك في دمشق.

ولن يأتي الزمنُ الذي يحزن فيه كثيرون لمقتل عراقيين أبرياء، جرَّاء تفجير إرهابي في سوق للخضار، لأنهم من مذهب ما. ولن يأتي الزمن الذي يحزن فيه كثيرون لمقتل عراقيين (أيضاً) جرَّاء استهدافٍ بأسلحة مدعومة بكواتم للصوت (أو بالتفجير أحياناً) لأنهم من مذهب آخر. ثم يُجَرُّ ذلك على المسيحيين واليهود والصابئة والشَّبَك والفيليين والتركمان... إلخ.

لن يأتي الزمنُ الذي لا يَسأل فيه أحدٌ عن مذهب رئيس الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى (رغم شيوعيَّته) وهو أمرٌ مضحك مبكٍ. ولن يأتي الزمن الذي لا يسأل فيه أحدٌ عن مذهب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كيليتشدار أوغلو (رغم علمانيته). ولن يأتي الزمن الذي لا يُنبَش فيه اسم ذو الفقار علي بوتو (وهو في قبره) لمعرفة ما كان يُدِين به مذهبياً!

ولن يأتي الزمن الذي لا يُسأل فيه عن مذهب أمين عام التنظيم الشعبي الناصري اللبناني أسامة سعد (رغم علمانيته). ولن يأتي الزمن الذي لا يُسأل فيه عن مذهب الأمين العام لجبهة البناء اللبناني زهير الخطيب (رغم علمانيته). ولن يأتي الزمن الذي لا ينظَر فيه لرئيس مجلس أمناء تجمع العلماء المسلمين الشيخ أحمد الزين إلاَّ كونه أداة، حاشاه.

لن يأتي الزمن الذي يستحي فيه «البعض» بتعيير «البعض» من سياسيي العراق لتحالفهم مع الأميركي لاحتلال بلدهم وقَضمِه وهَدِّ توازنه واجتماعه، في الوقت الذي يقوم به «البعض» الأول بما يقوم به «البعض» الثاني في ليبيا وسورية! ولن يأتي الزمن الذي يستحي فيه «بعضٌ» من سياسيي العراق معارضة إثم التدخل الخارجي في سورية، بالرغم من أنهم مَنْ فعلوها قبلاً وجهاراً قبل عقد.

لن يأتي الزمن الذي يُشيح فيه البعض بوجوههم عن اصطفاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل مع النظام السوري، ولا للاستماع لتصريحات أنور رجا حول القصير في ذكرى الخامس من يونيو. وجاء زمن البحث «فقط» عن كلِّ ما هو مُمالئ من مذهب مُحدَّد معه لأهداف طائفية محضة.

ولن يأتي الزمن الذي لا يُشيح فيه البعض بوجوههم عن ميليشيات مسلحة طائفية في العراق، قَتَلَت وعَذَّبت دون رادعٍ أخلاقي، فقط لأنهم من ذات السِّنخ، يُنصَرون كيفما اتفق. ولن يأتي الزمن الذي لا يُرَى فيه الخير والشر، إلاّ من منبتَي فعلهما الطائفي، فيُرَدُّ الخير إلى الشر والعكس، طبقاً لميزان الانتماء الطائفي الكريه والمقِيت.

مِنْ بين كلِّ ذلك الرُّكام والأسى والبكاء، نتساءل نحن مَنْ توسَّدنا ضمائرنا لا نعرف طريقاً للكَيْد ولا التَّطيُّف: أين ضحايا ذلك السُّعار والاحتراب من الإسرائيليين؟ النتيجة: لا يُوجد. كلُّ الضحايا منا نحن الذين أذَقنا أنفسنا بأنفسنا مرارة القتل والجرح والتنكيل ببعضنا وبجزئنا الآخر. إذاً، هناك من غير الأغبياء ممَنْ استفادوا من جنوننا هذا وهم كُثُر!

هذا المشرق العربي، ومعه حدود العالم الإسلامي، الذي حَبَاه الله بالثروة، والتنوُّع الثقافي والديني، وبالجغرافيا الأرضية والسياسية، ومَنَحَه المضايق، والبحار، والثروة، والعمق الديموغرافي، بات اليوم، كمَّاً مهملاً، لا يعرف متى يقول، ولا متى يصمت، ولا كيف يقرِّر ولا مع مَنْ يقِف، ولا لصالح مَنْ يدفع، ولا في وجه من يمتشق سيفه. إنه البَلَه والجنون بِكُّلِّه.

هذه مأساتنا. فرحماك يارب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3929 - الأحد 09 يونيو 2013م الموافق 30 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 12:58 م

      أرادوها منكم أن تكون طائفية

      لأنها أنجع واسهل طريقة لكسر الجميع...فهل تتعضوا؟ كل من يعمل على ذلك غبي. يا من ضحكت عليكم الشعوب،فالتخلف أنواع اهمها تخلف الفكر والعقل.

    • زائر 19 | 11:12 ص

      بلاء

      داء الطائفية يذكرنا بأحلك تواريخ الشعوب

    • زائر 18 | 11:02 ص

      من هو العاقل المستفيد؟

      هو من يقف في الخط الوسط ويتقي ربه ويرد كل الخلافات الى الله ورسوله هو من يكسب المعركه انشاءالله بالاخير وهي جمهورية(.....)

    • زائر 17 | 10:23 ص

      استاد محمد

      لم تشعرنا ونحن نقرأ مقالاتك بأنك تحمل بين جنباتك هدا التشاؤم . نتفق معك بأن القادم ربما يكون اكثر سوادا ولكن الخالق غرس في نفوسنا الأمل والقبول بمشيئة الله .

    • زائر 15 | 7:17 ص

      الانحراف عن الدين والهوية

      المصالح الشخصية والأنانية الحمقاء وراء تلك المصائب التي تنخر في مجتماعتنا
      الابتعاد عن الدين الذي رسخ مبادئ الحب والتسامح بين الناس
      الانحراف عن الهوية والانسلاخ من المبادئ وبيعها بالرخيص
      رحماك يا رب
      كريم راشد

    • زائر 14 | 6:01 ص

      حال الطائفية

      في الحروب الطائفية يكبر شأن الجاهل ويصغر شأن العالم

    • زائر 11 | 3:35 ص

      فتشوا عن الأغبياء

      سلام عليكم : صبرا صبرا يا اخ محمد انه المخاض سيأتي اليوم الذي يشيب فيه الرضيع وتدهل فيه المرضعة عما أرضعت وتنقلب فيه الحقائق والموازين ويصير فيه الحق باطلا والباطل حقاً ، ويعاب فيه على ذي اللحية وعلى من يؤدي الفائض الدينية ويعم الظلم كل بقاع العالم ويستغيث الناس فلا مغيث ،ويبقى إلناس في حيرة وكل يترقب المنقذ . ( بحريني أصيل )

    • زائر 9 | 3:22 ص

      هناك إفلاس في كل القيم والمنظومات...

      وما نشهده اليوم هو نتيجة وليس محصلة ..وستكون النتيجة في الاخر انتكاسة في كل قيم المجتمع من افلاس فكري واخلاقي والسلوك اللا مهني دعك من عقم سياسي وديني الا من رحم ربي..وعلي نفسها جنت براقش

    • زائر 7 | 1:51 ص

      من تويتر...

      لن يأتي الزمن الذي يُشيح فيه البعض بوجوههم عن اصطفاف الشيخ القرضاوي...........!!!!!!!!!!!!!!
      حبذا لو اتكمل الجملة....

    • زائر 13 زائر 7 | 5:02 ص

      ما نزلت إلا على هذي؟

      كل اللي جفته ما عجبك و ما بقت الا هذي تدور عنها؟

    • زائر 5 | 1:07 ص

      عبد علي البصري

      الدنيا في مخاض وهي في مخض الحليب ضربه هنا وضربه هناك ولطمات حتى يميز الخبيث من الطيب , وحتى يستحيل الحليب الى لبن والزبده ترقى وتصفوا على اللبن فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيبقى هكذا علمتنا الدنيا , ان انت اطعمت الكريم ملكته وأن أنت اطعمت اللئيم تمرد .
      وأبناء المجد قمم وأبناء السفهاء دهاليز((وأَبناء الدهاليز : اللُّقَطاء )) المعجم الوسيط

    • زائر 4 | 1:06 ص

      بن خميس

      على علينا أن نقرأ و نرى بعين حولاء حتى نكون حياديين !
      و لا أغرب !

    • زائر 2 | 11:36 م

      المفاهيم

      تلخيص مشكلاتنا هو أن المفاهيم لدينا اصبحت مقلوبة فاصبح المجاهد ارهابي والخانع ثوري

اقرأ ايضاً