العدد 3929 - الأحد 09 يونيو 2013م الموافق 30 رجب 1434هـ

الشرق... منبع الرسالات... منبع الاستبداد أيضاً!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

حين تتكرّر مقولة ودعوات «رصّ الصفوف»، ومن جهات تعاني من مآزق بالجملة، ومساهمة وصانعة للعوَر والخلل القائم؛ فذلك لا يحتاج ذكاء لتكتشف أن صفوفه متشرذمة ومقطّعة الأوصال؛ وخصوصاً في الأوساط التي لا يعنيها من قريب أو بعيد ذلك الهراء، في استتباب أوضاع المتنفذين فيها والمتمصلحين. يحدث ذلك أكثر وبنوايا تدمير وإلغاء. وبإيعاز ممن يملك مفاتيح إغرائها وتحريضها والوعود في اللحظات المفصلية لخيارات الأمة، كل الأمة، من دون النظر إلى تعدّد مذاهبها وألوانها ودرجات وعيها.

مثل ذلك «الرصّ» لا يهدف إلا إلى الإجهاز ومحْو المختلف، المغاير في تقبّله ورفضه لما يدور حوله. هكذا أفهم الأمر.

***

«القانون» وأضعه بين قوسين، كي نعرف عن أي قانون نتحدث، الذي يؤتى به لحماية مجموعة لا يسري عليها ما يسري على بقية الخلْق لا يمكن حتى لأستاذ كرسي شرف أن يقنع بهيمة بأن هذا الاختراع العجيب اسمه: قانون!

مثل ذلك «القانون» وأضعه بين قوسين للمرة الثانية، لن تضمن لعبه بالمصائر؛ على الأقل حين ترتجّ أوضاع وتتزلزل قناعات، وينفد صبر. هنا سيعمد مثل ذلك «القانون» وأضعه بين قوسين للمرة الثالثة إلى ممارسة التشفّي والانتقام وتسخيره في الملاحقة والتمييز وتمييع قضايا هي على الطرف الآخر من الاصطفاف. مثل ذلك «القانون» وأضعه بين قوسين للمرة الرابعة؛ سيأخذ من الضحايا ليرجح كفة جلاديهم؛ وسيأخذ مما تبقى لدى المُعْدمين ترحيلاً لمصلحة النهّابين واللصوص؛ وسيضرب على يد القتلى حتى وهم في قبورهم كي لا تخدش نفسية قتلتهم!

راقبوا الأحكام التي تصدر في بيئات وظروف كتلك. هي عبارة عن نصوص بحكم «القانون» وأضعه بين قوسين للمرة الخامسة، تتشفّى وتهزأ وتتعمّد التخبّط لمصلحة الذين هم من المفترض أن تتطهّر الأرض منهم بالقانون العدل؛ إما حجْراً وحجزاً؛ وإما قصاصاً ممن يتعاملون مع إزهاق الأرواح وإهدار الحيوات تعاملهم مع شهوات الليل، ووفرة العُقَد!

***

قبل أسبوع من اليوم كتبت: هل هناك علاقة بين الشرق الذي هو مهبط الرسالات وبين الشرق المستبدّ؟ هل تعدّد الرسالات هنا لمواجهة تعدّد الاستبداد؟ لم أجِبْ. التساؤل وحده يشي بما بعد الصورة. أضيف: تلك الدورة من تعاقب الرسالات في الشرق لم تكن لاختبار أمزجة. كانت لمواجهة استبداد على مستوى الفرد والمجموعات والكيانات. من بين ذلك الاستبداد وأخطره، الجهْل الذي كان المحرّك المُكلف لدورات الحياة. تخيّلوا جهلاً بيده مقاليد الأمور على الحياة وإنسانها. هل تكون حياة؟ هل يكون إنساناً؟

الجهل والحمْق والغرور منابع وأوعية لتوليد الاستبداد. الشرق كان في الذروة من ذلك مع فارق أنه غرور فارغ من أي قيمة أو إنجاز. غرور تحيط به هالة جهل وتوحّش صار أنموذجاً.

تعاقبت الرسالات وتعاقب الاستبداد. لم تحسم الرسالات ولم تدّع محْوها الاستبداد؛ على الأقل الباطن منه قبل الحديث عن الظاهر والشاهر والشائع منه. تعدّدت الرسالات واختتمت ومازال الشرق اليوم منجماً للاستبداد يتراكم؛ إقصاءً للرسالات وبالتالي إقصاء للإنسان الذي تعاقبت من أجله تلك الرسالات. شرق بائس ويائس، ويستمد بقاءه من مشيمة تاريخ تم تجفيف المُترع والفيّاض من منابعه!

***

عطفاً على الشرق الذي تعدّدت فيه الرسالات وتعدّد وتنامى فيه الاستبداد، الغرب اليوم في الهرْس والضغط والفراغ المادي الذي يعانيه، يولّي وجهه شطْر الشرق تلمّساً لقيمة الروح المُفتقدة؛ في ظل هذا اللهاث اليومي وراء ما يُحسّن الحياة وييسّرها ويجعلها هدفاً أوْحد ونهائياً في كل ما يتم إنجازه أو يتم السعي إلى إنجازه، ليس لأن إنسانه تبرّأ من استبداده وتخلّى عنه؛ بل لأن ما تبقى من روح يجدها في الحَجر والأمكنة وأحياناً البدائية في ملمح من ملامح الحياة. إنسان الشرق خارج حسابات الغربي السائح أو الباحث عن حقيقة ومعرفة ما.

الصورة النمطية عن إنسان الشرق؛ سواءً فيما راكمه وقعّده وكرّسه بعض المستشرقين؛ أو حتى من المصادر التي كتبها رجال من الشرق في لحظات تفاهم ومواجهة مع كمّ هائل من إلحاح الضمير وليس كله عن وحشية واستبداد بعض قادته وبشره. أقول: تلك الصورة تضاعفت وحشيتها وتكرّست بتوافر وتعدّد قنوات ومنافذ إيصال تلك الصورة. لم تعد تقتصر على الإنسان الذي فتح البلاد بالسيف على آلاف مؤلفة من أجساد البشر ودمائهم. لغة وأدوات تلك الوحشية تمّت ترقيتها والقفز بها استغلالاً لما أنتجه الغرب نفسه؛ فكانت التوابيت/ الطائرة في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وفّرت ردّة الفعل بعد 11 سبتمبر وما أعقبها من اجتياح دول واللعب بالخرائط والمصائر، إمعاناً في الوحشية على مستوى الجماعات الإثنية الراديكالية التي هي وريث طبيعي للاستبداد المُؤسس له، مارست النحْر وقطع الرؤوس على الهواء مباشرة من دون نسيان البسملة والتكبير! واستبداد أنظمة توافرت لها غطاءات شواهدها حاضرة حتى هذه اللحظة!

أيها الشرق: إلى أي الجهات تنتمي إذا كانت خاليةً من الإنسان والروح، ومحاصرة ومؤثثة بالاستبداد؟

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3929 - الأحد 09 يونيو 2013م الموافق 30 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:20 ص

      آدم وحواء

      اصل الحنطه من الشرق اصل الرجوله والشهامه من الشرق والشمس تشرق من الشرق وكل البطولات والتضحيات من الشرق ولكن هم سرقوا منا وقلدونا وجعلونا عراة وحفاةبسبب ضعفنا وخنوعنا وعصبيتنا التي تقطع اوصال بعضها البعض

    • زائر 5 | 4:05 ص

      التشابه ويتشابهون وما خذين من بعض

      قيل يا عمال العالم إتحدوا كما قيل يا شعوب العالم إتحدي في إمه واحده وتاعون على البر وهدوا عنكم إبليس عدوكم يولي الدبر ولا تتبعون خطوات الشيطان. شيطان وشياطين إنس وشياطين جن ومرده والمارد مال مصباح علاء الدين ومشعودين وشعوذات ورقيات وراقين وسحره. ويش إترقت وإرتقت الأمه وصارت أمم أمثالك مو نفسها أو شكله ونفل نفل؟

    • زائر 4 | 4:00 ص

      دعوات والدعاء سلاح المؤمن ضد الكافر الجاحد

      من الدعوات يقال راحت روح العدو.. بس وين العدو؟ وكيف راحت روحه ومارحت ليومك؟ مو من الأسرار يقال أن الانسان ما هو إلا جسد ونفس وروح وفيه إنطوى سر الكون، بس عاد شوف الوسط بين الروح والجسد ما تتغير إذا كان الطبع أقشر بالعاميه. الدنيا قشره مو لسبب قشرة البيضه ولا قشرة الكره الأرضيه. بس ويش إتسوي. مشاء الله لا مشاء الناس.. ولا يفيد إلا الصبر والسؤال عن الصحة والعافيه ما ي الا التوجه الى السماء. والحمد لله رب العالمين. اليس كذلك؟ أي من النظم الثلاث معلق في رقبة الانسان وعليه المحافظه عليه؟

    • زائر 3 | 3:51 ص

      تفجيرات ومفجرات ومفخخات والمصدر واحد

      ينابيع وبنبوع يعني بنابيع متى ما جمعة ويقال للمياه. نبع الماء في البحرين في عذاري كما قصاري وعين أوزيدان المطموره وليست معموره. بعد وصول تجار من اصول يهوديه يعني من أولاد بت بت بت مرجانه وكان لهم مستشار ينقال له بل غريف. ولا يعرف له أحد في الغريفه أو ما له علاقة إبها بس قريب من الغريفه صار ميناء وقاعده بحريه وحتى القاعده كانو بفجرونها. لا من أجل تفجير ينابيع الماء لكن لحوائجهم المغرضه والمغرربهم. فالشر بالشر يكروا بينما الخير والشر ما يكون إلا من أتباع إبليش المصدر الطبيعي للفتن وللشرور

    • زائر 1 | 10:13 م

      بعض الأسباب

      العمق الحضارى من جهة و عدم التطور من جهة أخرى هو سبب من اسباب الإستبداد. كل فرد، مجموعة و قبيلة يرغب أن يكون لديه شيء يفتخر به. فى الشرق الفخر ليس فى الإنجازات، بل فيما كان فى الماضى، الأجداد و الإصول العائلية. أى عناصر غير قابلة للتحسس و اللمس. لكى يثبت الفرد هذه الأمور الغير محسوسه يرفع صوته و يصرخ و يظلم و يستبد.

اقرأ ايضاً