كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قرب نضوب النفط المستخرج في العالم وسواء كان مستقبل النفط مهدداً أم مضموناً، فإن على الدول المنتجة أن تتخذ سلسلة من الإجراءات استعداداً لذلك اليوم الذي قد لا يكون الدخل فيه كافياً للمحافظة على مستويات المعيشة الحالية.
وإذا تبين أن النفط عرضة لخطر النفاد أو إحلال الطاقة البديلة له مستقبلاً، فإن تطوير اقتصاد لا يعتمد على النفط وعائداته سيكون هدفاً وطنياً واستراتيجياً للبلدان النفطية. أما إذا اتضحت صحة الرأي القائل بأن النفط سيظل ضمانة قوية لامتلاك مستقبل مزدهر خلال فترة طويلة، فإن بناء اقتصاد لا يعتمد على النفط سيضاعف ثروات الدول، وفي كلتا الحالتين ليست هناك خسارة.
ويقول الخبراء إن السوق النفطية قد تواجه مشكلات في الإمدادات خلال العقدين المقبلين بسبب الإنتاج الذي يميل إلى الركود في الدول النفطية غير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وعجز الدول الكبرى في هذه المنظمة عن تلبية الطلب المتنامي، إضافة إلى تزايد الاستهلاك العالمي للطاقة بشكل جنوني مترافقاً مع النمو الاقتصادي الكبير في الدول النامية مثل الصين التي لن تنخفض نسبة نموها عن 10 في المئة في السنوات المقبلة وقد ترتفع إلى حدود 15 في المئة.
وفي هذا الاتجاه، يقول رئيس «انترناشيونال انرجي اسوشيتس» الأميركية هرمن فرانسن إن زيادة الطلب بسرعة في البلدان ذات الاقتصاد الناشئ (الدول النامية) وخصوصاً في الصين والهند، مسئولة عن ارتفاع الطلب العالمي للنفط. ويضيف «ثمة خمسة مليارات شخص حالياً في البلدان النامية يستهلك كل منهم برميلين سنوياً فيما يستهلك الفرد في الدول المتطورة ما معدله 18 برميلاً في السنة». وأشار إلى أنه في حال رفع الصينيون والهنود استهلاكهم من برميلين إلى أربعة براميل لكل فرد سنوياً، سيبلغ الطلب العالمي 58 مليون برميل يومياً.
هذا الموضوع لا يقتصر على تزايد الطلب بل العجز في الإنتاج، فالأزمة المقبلة تنبع من مخاوف نقص الإمدادات مستقبلاً، وما يزيدها اضطراباً هو عدم قدرة العراق وإيران من رفع إنتاجهما بشكل ملحوظ في مستقبل قريب وتوقف الدول المنتجة للنفط خارج «أوبك» في وقت قريب عن زيادة إنتاجها.
ويؤكد فرانسن أيضاً أن «إنتاج الدول خارج أوبك سيصل إلى ذروته في منتصف العقد المقبل وأن إيران غير قادرة على زيادة إنتاجها وأن وضع العراق يتعثر بسبب المشكلات الأمنية، ما يدفع إلى الاعتماد على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي».
إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي الست التي تحتوي حقولها على نحو 54 في المئة من الاحتياطي العالمي المؤكد، بحاجة إلى عشرات المليارات من الدولارات لزيادة طاقتها الإنتاجية وتلبية جزء مهم من الطلب العالمي.
وأعرب فرانسن عن شكوكه في قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة إنتاجها بشكل كبير. وقال «اعتقد أن من مصلحتها زيادة إنتاجها بضعة ملايين برميل يومياً والاحتفاظ بثرواتها النفطية لفترة طويلة بدلاً من تقليص احتياطها بسرعة عبر زيادة إنتاجها بكميات كبيرة».
ويشير إلى أنه لو استهلك كل فرد من سكان الأرض البالغ عددهم ستة مليارات نسمة، كما يستهلك الأميركي، لما كان الاحتياطي النفطي كافياً لأكثر من ثماني سنوات. لكنه أضاف أنه إذا ما استهلك الفرد كما يستهلك سكان السنغال، لاستمر النفط أكثر من 100عام. وبالتالي، فان المسألة الرئيسية تتعلق بضرورة خفض الاستهلاك لتفادي أزمة كبيرة في الإمدادات.
كما يقول مدير مركز العلوم الاقتصادية والإدارية في المعهد الفرنسي للنفط جان بيار فافونك : «اعتقد أننا بدأنا نشعر بأزمة الإمدادات». وأضاف نقلاً عن تقديرات لوكالة الطاقة الدولية أنه يتعين على خمس دول كبرى منتجة للنفط في الخليج أن تنتج 8.15 ملايين برميل يومياً في العام 2030 أي 34 في المئة من الطلب العالمي. وبالنظر في توجهات الصناعة النفطية في المستقبل، فإن «هذه الدول لن تتمكن في هذا الوقت إلا من ضخ 83 مليون برميل يومياً كحد أقصى».
وهناك قلق ليس فقط من ضعف الإنتاج بل أيضا من جراء عدم توافر الإمدادات من المشتقات النفطية نتيجة لمحدودية سعة المصافي، ما يؤدي إلى المضاربات في أسواق المعاملات الآجلة للنفط وبالتالي ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وينصب التركيز على مصادر القلق الأخرى التي تتمثل في السياسات البيئية، وهي عامل قد يؤثر مثلاً في الطلب على النفط ليس فقط بتشجيع تطوير مصادر الطاقة المتجددة، بل أيضاً بتقديم تكنولوجيا لتوفير استهلاك النفط في قطاع النقل من سيارات وطائرات وسفن، ويأتي اضطراب أسواق النفط وانعدام الاستقرار فيها كمصدر للقلق عن غيره من مصادر القلق ويفوقها حساسية، إذ إن انعدام الاستقرار قد يؤثر إلى تفاقم المخاوف حيال أمن الموارد ويعزز موقف من يقولون إن هناك خطراً شديداً في الاعتماد كثيراً على النفط.
ومن ناحية أخرى, حذر خبير النفط البريطاني كولن كامبل من أن الاحتياطي العالمي على وشك النضوب بعد أن بلغ الإنتاج أوجه وسحبت نصف كمية الاحتياطي تقريباً حتى الآن، وهو آخذ بالانخفاض بشكل سريع بسبب ارتفاع معدلات الإنتاج، مشيراً إلى أن البشرية استخرجت 944 مليار برميل من النفط منذ اكتشافه حتى الآن ولم يبق من الاحتياطي العالمي في الآبار المسجلة رسمياً سوى 764 مليار برميل، بالإضافة إلى 142 مليار برميل أخرى يمكن العثور عليها.?
إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"العدد 1670 - الإثنين 02 أبريل 2007م الموافق 14 ربيع الاول 1428هـ
يا الهي