أظنني لست مبالغاً إذا قلت: إن البحرين تتمتع بمزايا ثقافية متعددة قد لا توجد في أية دولة خليجية أخرى، هذا التنوع الثقافي ينعكس على الأفراد والجماعات كما يبدو واضحاً على المناسبات الثقافية التي تنعقد في البحرين.
ومن الواضح أن هذا التنوع أصبح مقبولاً من معظم شرائح المجتمع وإن كان يعتريه كدر بين آونة وأخرى لأسباب متنوعة أيضاً.
التنوع الذي أشرت إليه بدا واضحاً على «ربيع الثقافة» ويظهر لي أن هذا المسمى تم اختياره بعناية شديدة، فالربيع كما يعرف سكان مناطقنا تظهر فيه معظم أنواع الزهور والنباتات والحشائش وهذه منها ما هو نافع ومنها ما هو ضار.
ربيع الثقافة البحريني ضم خليطاً من المدعوين الذين تحدثوا عن موضوعات شتى، شعراً ونثراً، كما ضم فعاليات أخرى، وكلٌّ قدّم ما لديه بحسب مفاهيمه ومعتقداته التي جاء بها من بلاده وترك للمستمعين والمشاهدين أن يقبلوا ما جاء به أو يرفضوه.
المجتمع البحريني يبدو أنه مرّر معظم فعاليات «ربيع الثقافة» سواءً أكان متفقاً معها أم معترضاً عليها قليلاً أو كثيراً، ولكنه لم يستطع أن يبتلع بعض مشاهد مسرحية «قيس وليلى»، فقرر مجموعة من نواب ذلك المجتمع تصعيد الموقف والمطالبة بتحقيق مع أولئك الذين سمحوا بعرض المسرحية.
وقبل الخوض في تفاصيل تلك المطالبة والأسس التي قامت عليها وكذلك الأسس التي اعتمد عليها المدافعون عن المسرحية وعن «الربيع» كله، أقول: قبل ذلك كله لابد أن يكون هناك اتفاق واضح على هوية البحرين الدينية والثقافية ومن ثمَّ الحكم على ذلك الربيع وتلك المسرحية بحسب الاتفاق المشار إليه.
قيس وصاحبته ليلى شخصيتان اختلف المؤرخون على حقيقة وجودهما، فهناك في تاريخنا الأدبي أكثر من قيس كما أن هناك أكثر من ليلى، وحكايتهما وما قيل فيهما شعراً ونثراً لا يخلو في غالبه من الكذب والتهويل لإضفاء طابع الدراما على هاتين الشخصيتين اللتين نجد لهما من يماثلهما في تاريخنا الأدبي سواء في المنطقة التي قيل إنهما عاشا فيها أو في سواها من مناطق الجزيرة العربية.
ومادامت قصة مجنون ليلى من وضع الخيال وليس لها سندٌ تاريخيٌّ فسيكون سهلاً على من سيكتب هذه القصة أن يضع عبارات مقبولة من المجتمع المسلم وتكون دالةً في الوقت نفسه على الهدف الذي يريده الكاتب وهذا - كما أعتقد - سهل ممكن التحقيق.
ولكن الذي حدث في المسرحية التي عرضت في البحرين كان شيئاً آخرَ لا يتفق مع قيم ومعتقدات أهالي البحرين ولا يتفق في الوقت نفسه مع الحقائق التاريخية التي تقول: إن هذه القصة مختلقة، فما الهدف إذاً من ذلك كله؟
لست بصدد مناقشة نوايا كاتب المسرحية ومخرجها... ولا أعتقد أن من حق أحد مناقشة هذه النوايا ولكن من حق كل أحد أن يقول رأيه فيما شاهده وليس من حق أحد أن يغضب من ذلك ويعتبره ردةً على الثقافة وخروجاً عليها.
مجموعة من النواب شنوا حملةً عنيفةً على مسرحية «قيس وليلى» وطالبوا بالتحقيق مع المسئولين عن السماح بعرضها ووجهة نظرهم أنها تخالف تقاليد البحرين وتسيء إلى الخُلق العام وما كان لها - وهي كذلك - أن تُعرض أمام الجمهور.
هذه المطالبة لقيت استهجاناً من المشرفين على تلك المسرحية ولعلها لقيت الاستهجان نفسه من المشرفين على «الربيع» كله، ولعلّ غيرهم حمل الاستنكار نفسه، وحجة هؤلاء أن الثقافة لا حدود لها ويجب ألا يكون لأحد سلطان عليها، وبالتالي - بحسب قولهم - فإن أي اعتراض أو مساءلة عما تم عرضه يعدّ انتهاكاً للحرية الإعلامية وحرية الثقافة التي تنادي بها حكومة البحرين.
هذا النوع من السجال - بين من يرون أن الدين يجب ألا يُنتهك من خلال أي عمل أدبي مهما كان نوعه وبين من يقفون على النقيض من هذا القول - تكرر في أكثر من بلد عربي وأدى - أحياناً - إلى حدوث مصادمات عنيفة أدت إلى موت الكثيرين، ولعلّ المظاهرات التي حدثت في مصر ضد رواية «وليمة لأعشاب البحر» دليلٌ على ما أقول، وكذلك قتل فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، والاحتجاجات الكثيرة على ما تم عرضه من كتب في معرِض الرياض الدولي الأول والثاني والمطالبة بمساءلة وزير الإعلام السعودي عن مجموعة من المؤلفات التي تم عرضها في المعرِض؛ لكونها تخالف الإسلام وثقافة المملكة.
مرة أخرى، يستحيل إيقاف هذا النوع من الاحتجاج نظراً إلى اختلاف مفاهيم المتلقين...
الحراك الثقافي في البحرين ظاهرة جيدة، ومناقشة هذا الحراك ظاهرة إيجابية أيضاً، فالحوار يؤدي - غالباً - إلى التقارب والتفاهم وهذا ما يجب أن يسعى إليه الجميع في نهاية المطاف؛ لأنه - بكل تأكيد - يحقق المصلحة للجميع.?
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1670 - الإثنين 02 أبريل 2007م الموافق 14 ربيع الاول 1428هـ