يثير النجاح الذي حققته مسيرة الاتحاد الأوروبي الكثير من التساؤلات بشأن السر الكامن وراءها. لقد مرّ الاتحاد الأوروبي حتى الآن بأربع عمليات من التوسيع المنفصلة (في الأعوام 1973،1981، 1986، 1995) وازداد عدد الدول الأعضاء فيه من 6 دول إلى 29 دولة، من استونيا شمالاً وحتى تركيا جنوباً.
أول تلك الأسباب هو الجهد الكامن والأموال المرصودة للصرف على قنوات إعداد وتهيئة الأعضاء الجدد. إذ لا تتم عملية الانضمام إلى الاتحاد بشكل اعتباطي. على سبيل المثال رصدت قمة الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار من العام 1999، قرابة 22 مليار يورو لدعم عملية «ما قبل الانضمام للاتحاد» لسنوات 2000- 2006، ويساوي هذا المبلغ ضعف ما تم رصده لهذا الهدف في سنوات التسعينات. بالإضافة إلى ذلك تم رصد مبلغ 57 مليار يورو بشكل خاص للدول التي ستضم إلى عضوية الاتحاد بين الأعوام 2000 و2006 .أي هناك موازنة لإعداد الأعضاء المرشحين وأخرى لتطويرهم بعد اكتساب العضوية.
ومن جانبه، ومن منطلق حرصه على التناغم بين أفراده وتقليص فرص أي شكل من أشكال التنافر، يطرح الاتحاد الأوروبي الكثير من البرامج الهادفة إلى مساعدة الدول المرشحة على الاستعداد للعضوية فيه. وتعرف الطريقة المتعارف عليها والتي يتم تفعيلها منذ زمن طويل لتنجيح التعاون المالي والتقني بين الدول المرشحة، باسم (Phare) ويوفر هذا البرنامج هبات مالية تعتمد، عملياً، على قسمين: القسم الأول يكرس له 30 في المئة من الموازنة، ويهدف إلى إنشاء مؤسسة تساعد مديري الأقاليم والجهات التشريعية وجهات المراقبة على معرفة أهداف وأنظمة الاتحاد الأوروبي.
أما القسم الثاني، والذي يكرس له 70 في المئة من الموازنة، فيهدف إلى مساعدة الدول المرشحة على الارتقاء بصناعاتها وبناها التحتية إلى مستوى الاتحاد الأوروبي، من خلال تجنيد الاستثمارات المطلوبة. ويتم توجيه الدعم، بشكل خاص، إلى المجالات التي يلح الاتحاد الأوروبي على توافر معايير ومواصفات خاصة فيها، وهي: البيئة، النقل، المصانع، منتجات تتمتع بمقاييس الجودة وشروط العمل.
وفوق هذا وذاك نرى أن أي بلد، قبل أن يفكر، بإمكانية انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي، لا بدّ له من فهم مجموعة من المقاييس التي يتحتم عليه إثبات تلبيته لشروطها. ومعايير العضوية الأساسية الثلاثة التي تم إقرارها في قمة كوبنهاغن في يونيو/ حزيران 1993 يمكن تلخيصها في البنود الآتية:
- وجود مؤسسات مدنية مستقرة قادرة على ضمان الديمقراطية، سلطة القانون، حقوق الإنسان واحترام وحماية حقوق الأقليات.
- وجود اقتصاد سوق فعّال ومقدرة على تحمل أعباء المنافسة مع قوى السوق في الاتحاد الأوروبي.
- القدرة على تحمل التزامات العضوية، بما في ذلك الالتزام بأهداف الاتحاد الأوروبي النقدية والاقتصادية والسياسية.
لكن لا ينبغي أن يقودنا ما تقدم إلى رسم صورة وردية للاتحاد الأوروبي، والتي يتداولها كثيرون حول واقعه الحقيقي. فهو، على رغم كل إنجازاته لا يزال يعاني من مشكلات متوقعة مثل وجود فجوة واسعة بين بلدانه، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي في لوكسمبورغ 48.3 ألف يورو، بينما لا يتجاوز 5.2 آلاف يورو في بولندا. وفيما يصل معدل البطالة في سلوفاكيا 17.8 في المئة، فهو لا يتجاوز 4.2 في المئة في إيرلندا. أما التباينات الثقافية الواسعة، فهي ما يجعل الاتحاد الأوروبي يتبنى 23 لغة رسمية، ويوظف نحو 2800 مترجم. كما تضعف من عزمه حالة التجاذب السياسي المزمنة بين محوري باريس ولندن.
ومن ثم فبقدر ما يمثل الاتحاد الأوروبي اليوم، في الذكرى الخمسين للتوقيع على اتفاق روما، نموذجاً للسلام والديمقراطية والرخاء وحقوق الإنسان... فهو لا يبدو في نظر شريحة واسعة من مواطنيه، سوى آلة بيروقراطية ضخمة تديرها في بروكسل نخب بعيدة عن هموم وانشغالات الأوروبيين!
لكن ما يميز الاتحاد الأوروبي كونه قد نجح في إرساء الآليات المؤسسية لتخطي عوائقه نحو إجراء تغييرات كبرى خلال كل مرحلة من مراحله. وعند عتبة المرحلة الجديدة، يترقب المراقبون إعلان برلين وخريطة طريقه اليوم!
واليوم يتطلع الأوروبيون في عام اتحادهم الخمسين إلى إنجازات كبرى من ضمنها الاقتصاد. والأخبار الجيدة عن اقتصاد العامين الأخيرين تستحق التقدير. بيد أن النمو المستدام يحتاج على المستوى الأوروبي إلى المزيد من الإجراءات المشجعة خلال الفترة المقبلة.?
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1670 - الإثنين 02 أبريل 2007م الموافق 14 ربيع الاول 1428هـ