العدد 1670 - الإثنين 02 أبريل 2007م الموافق 14 ربيع الاول 1428هـ

«الشرق الأوسط» ودبلوماسية الاحتجاج

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حركة الاحتجاج الدبلوماسية التي تشهدها منطقة «الشرق الأوسط» تشير إلى بدايات غضب أوروبي - أميركي على استراتيجية جورج بوش وأسلوب تعامله السلبي مع قوى إقليمية فاعلة في إدارة الأزمات. فالاحتجاج واضح في التصريحات العامة والملاحظات النقدية والاتصالات السرية والعلنية بين الوفود الآتية والذاهبة من وإلى دول المنطقة. فكل الشخصيات التي وفدت أبدت امتعاضها من إدارة بوش أو سجلت تحفظات سياسية على فشل واشنطن في احتواء الأزمات. ولكن الحركة الدبلوماسية هذه لم تظهر حتى الآن توجهات تكشف عن وجود متغيرات جذرية في الاستراتيجية الدولية. بعض الوفود جاء للاستطلاع وجس النبض، وبعض الوفود نقل رسائل واستوضح مواقف، وبعض الوفود أطلق تصريحات استفزازية وصلت إلى حد تكرار خطابات بوش. وقلة قليلة من الوفود أظهرت توجهات جزئية ومحدودة تخالف مخططات تيار «المحافظين الجدد».

حتى الآن يطغى على الحركة الدبلوماسية الأوروبية - الأميركية طابع الاحتجاج والغضب من فشل سياسة «المحافظين الجدد». والغضب والاحتجاج لا يكشفان بالضرورة عن وجود استراتيجية مضادة بالكامل وخصوصاً في النقاط الحساسة والمركزية وتحديداً تلك المتصلة بأمن النفط، وأمن «إسرائيل» والمصالح الكبرى للولايات المتحدة في دائرة تعتبر الأخطر في التوازنات الدولية في المنطقة.

الحزب الديمقراطي الذي بات يسيطر على الكونغرس منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي يركز احتجاجه على سياسة الحزب الجمهوري في العراق ويظهر غضبه الشديد من فشل تلك السياسة في أفغانستان وبلاد الرافدين. هذا الحزب لم يطور حتى الآن ملاحظاته النقدية واعتراضاته على الأسلوب والسلوك إلى سياسة مضادة تشمل مختلف النقاط الجوهرية التي تعتبر تقليدياً مصدراً للأزمات الناشئة في المنطقة.

الحزب الديمقراطي يعيب على بوش فشله في تحقيق تلك الأهداف التي وعد الناخب الأميركي (دافع الضرائب) بتحقيقها في أفغانستان والعراق، ويطالبه بناء على هذا الفشل بالانسحاب العسكري من المنطقة في ربيع العام 2008 وإلا سيحجب عنه الموازنة الحربية. كذلك يطالب الديمقراطي الرئيس الأميركي بالانفتاح على دول الجوار وطلب مساعدتها للخروج بأقل الخسائر الممكنة من المنطقة.

الحزب يركز ملاحظاته على دائرة أو دائرتين مستفيداً من فشل بوش في تحقيق أهدافه، إلا أنه لم يتجه نحو تقديم بدائل موضوعية تكشف عن وجود توجهات مضادة تتصل بقضايا أخرى تعتبر بالنسبة إلى المنطقة هي الأهم لأنها كانت الأساس التاريخي لكل المشكلات المضافة. وأي مراجعة للتصريحات التي أدلت بها رئيسة الكونغرس النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي تؤكد على أن الحزب ليس في صدد إعادة قراءة شاملة لمختلف القضايا وخصوصاً أمن «إسرائيل» وما يتفرع منه من سياسة تدميرية واقتلاعية للشعب الفلسطيني ودول الجوار. النائبة الديمقراطية لم تتجاوز حدود النقد والاعتراض والاحتجاج والغضب على سياسة بوش الفاشلة. وحتى الآن اكتفت بإرسال إشارات لا يمكن الاعتماد عليها للقول إن واشنطن تتجه في المرحلة المقبلة إلى تبني نهج يخالف التوجهات الأميركية التقليدية.

اعتراضات جزئية

في بريطانيا يمكن قراءة العناوين نفسها. فالحزب المعارض لا يخالف طوني بلير في سياسته بقدر ما يحتج على فشله في الدفاع عن مصالح الدولة من خلال تحالفه وتبعيته المطلقة للرئيس بوش. وحتى الآن لا يبدو حزب المحافظين في صدد إعادة مراجعة مختلف الملفات والسير بها في اتجاه يعاكس سلوك ومنهج حزب العمال. بل يمكن القول إن سياسة المحافظين تعتبر أسوأ من العمال في الكثير من القضايا العربية والإقليمية.

في ألمانيا أيضاً يمكن إجراء مراجعة عامة للعناوين وكلها تظهر أن الاعتراضات التي أبدتها المستشارة أنجيلا ميركل لا تتعدى الاحتجاج على فشل سياسة ولا تكشف عن وجود تغيير في السياسة.

في فرنسا التي تستعد في نهاية الشهر الجاري إلى عقد انتخابات رئاسية تتجه كل الاستطلاعات إلى ترجيح فوز مترشح تيار «المحافظين الجدد» في طبعته الفرانكوفونية بكرسي الاليزيه. وفي حال فوز نيكولا ساركوزي في منصب الرئاسة يرجح أن يأخذ باريس في اتجاه تل أبيب من دون أن يحدث قطيعة عامة مع الدول العربية وتحديداً المحيط المجاور ل? «إسرائيل».

تشير هذه القراءة العامة للمواقف الدولية (الأميركية - الأوروبية) إلى وجود حركة احتجاج وغضب وعتب وقرف من سياسة بوش. وهذه الحركة أخذت تعبر عن نفسها باتصالات ولقاءات وزيارات وفود للمنطقة تعكس في جوهرها بداية ظهور خلل في التحالفات والتوجهات العامة إلا أن هذه الملاحظات النقدية لم تتطور حتى الآن إلى سياسة مضادة تكشف عن استراتيجية دولية جديدة في التعامل مع الملفات الساخنة والقضايا المركزية.

الاعتراض حتى الآن يتركز على العراق ولا يتجاوزه إلى موضوعات أخرى تعتبر مهمة وأحياناً أكثر أهمية. فالموقف من «إسرائيل» لا تغيير عليه. والموقف من حقوق الشعب الفلسطيني لايزال على حاله. والموقف من أمن المصالح الأميركية (النفط) ومواقعها الاستراتيجية لم يتبدل. التغيير المتوقع حصوله يتركز في الأفق السياسي الراهن من الآن وحتى نهاية السنة المقبلة يقتصر على احتمال الانسحاب من العراق وأفغانستان وبداية انفتاح على دول الجوار، وتحديداً إيران وسورية، في حال استمر الوضع على استقراره الحالي ومن دون تعديلات.

هذا المتغير الوحيد المحتمل حصوله في مسرح «الشرق الأوسط» يعتبر في المعيار الجيوبوليتكي ليس بسيطاً. فالانسحاب من العراق أو إعادة انتشار قوات الاحتلال أو تموضعها في أمكنة أخرى كلها عناصر إضافية سيكون لها تأثيرها في تشكيل مراكز قوى إقليمية يمكن أن تلعب دورها في ضبط التوتر الأمني أو تعديل توازنات لا بأس بها في السياسات القطرية والكيانية في معادلة المشرق العربي. وهذا الأمر يفسر إلى حد ما اكتفاء الوفود الدبلوماسية الذاهبة والآتية إلى المنطقة بتسجيل اعتراضات واحتجاجات تكشف عن عتب وغضب لا عن توجهات استراتيجية. وفي حال استقرت الملاحظات النقدية على هذه المستويات الجزئية من دون تقديم الحلول والبدائل، فمعنى ذلك أن احتمال عودة المنطقة إلى سياسة تثبيت الأزمات في مواضعها مسألة واردة. والعودة إلى مرحلة اللاحرب واللاسلم تنعش الكثير من السيناريوهات القديمة مع إضافات جديدة عليها تبدأ في العراق وتمر في لبنان وتنتهي في فلسطين وجوارها الإقليمي.?

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1670 - الإثنين 02 أبريل 2007م الموافق 14 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً