في مشهد منطقة الشرق الأوسط الكبير، نواجه الاهتزازات السياسية والأمنية من خلال الخطة الأميركية - الإسرائيلية المشتركة التي حوّلت الأوضاع إلى ما يشبه الجحيم الذي لا يترك موقعاً إلا ويطوقه اللهيب الذي يحرق الكثير من الأوضاع من أجل خدمة الاستراتيجية الصهيونية التي تسمح لـ «إسرائيل» القيام بعملية إبادة تدريجية للشعب الفلسطيني في اغتيال المجاهدين الباحثين عن حرية الأرض والإنسان في وطنهم السليب واجتياح المدن والقرى واعتقال شبابها وطرد أهلها بكل وحشية. وقد قرر العدو إقامة منطقة أمنية في غزة بحجة حماية جنوده من إطلاق الصواريخ وقصف كل شيء يتحرك في هذه الأماكن لتشريد أهلها منها من جديد في الوقت الذي يعرف الجميع أن المجاهدين يطلقون صواريخهم في عملية رد فعل للعدوان الصهيوني في الاغتيال والاعتقال والاجتياح ولم نجد أي إنكار أميركي أو أوروبي لهذا العنف الإرهابي الوحشي ضد هذا الشعب الجريح المجاهد.
وإننا نعتقد أن المجاهدين في فلسطين المحتلة لا يعدمون وسيلة لإسقاط هذه الخطة العدوانية للعدو، بالأمس كانت هناك عملية استشهادية ضد جنوده، ولابد أن تتبعها عمليات أخرى تؤكد إصرار هذا الشعب المجاهد على الاستمرار في عملية المواجهة من أجل التحرير ليثبتوا للعالم أنهم الشعب الذي لا يتراجع ولا يسقط ولا يخاف. والسؤال هو للأمم المتحدة لماذا لم تصدر قرارات الإدانة لـ «إسرائيل» في إرهابها الوحشي لتؤكد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في إنقاذ هذا الشعب الذي يتحرك المجتمع الدولي الغربي في حربه ضده لمصلحة «إسرائيل» ضارباً عرض الجدار بكل قرارات الأمم المتحدة في مسائل الحرية والاستقلال ورفض الاحتلال وضاغطا على الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه في الانتخاب الحر، كما يحدث الآن في منع المقدسيين عن المشاركة وتهديد السلطة الفلسطينية بمنع المساعدات عنها إذا انتخب الشعب الفلسطيني حركة حماس عقابا له لأن أميركا والاتحاد الأوروبي بلسان ممثله لا يوافقان على ذلك.
إن أميركا لاتزال تضغط بمختلف وسائلها الأمنية والعسكرية في خلط الأوراق في الواقع العراقي الذي يعيش الاهتزاز السياسي في نطاق الضجيج المتحرك في أكثر من محور من المحاور السياسية حول الاتهامات المتنوعة في الانتخابات، ما يبعد المسألة عن الوصول إلى حكومة وحدة وطنية بفعل المناخ الطائفي الذي يتمظهر بأكثر من مظهر سياسي. هذا إضافة إلى استمرار النـزيف الأمني الذي يمارس عملية القتل في أكثر من موقع مدني، واستمرار الاحتلال في اللعبة الداخلية من أجل ترتيب الأوضاع على صورة مصالحة وخططه التي لا تقتصر على الساحة العراقية بل تمتد إلى المنطقة كلها من أجل ممارسة الضغوط على أكثر من موقع في هذا البلد المجاور أو ذاك.
إننا نريد للعراقيين الأحرار أن يدركوا حجم الأخطار التي تتحدى حاضرهم ومستقبلهم وخلفيات الخطة الأميركية في السيطرة على مقدراتهم الأمنية والاقتصادية والسياسية، وأن يتحركوا من أجل الحوار الوطني الشامل بكل أطيافهم على خط الوحدة الوطنية المنفتحة على الاستقلال الناجز الذي يقرر العراقيون من خلاله مصيرهم بأيديهم لا بأيدي الاحتلال.
ومن جهة أخرى، فإن «إسرائيل» لاتزال تثير الإعلام في خطة تهديدية بالتنسيق مع أميركا ضد المشروع الإيراني النووي السلمي في أكثر من حديث حول إمكانية امتلاك إيران قدرة نووية خلال شهور، ما يوحي بأن المسألة هي في مستوى الخطر على العالم من دون تركيز على خطورة ترسانتها النووية الضخمة على المنطقة كلها... ولابد من أن نشير في هذه الأجواء إلى ما تقوم به السلطات الأميركية من ملاحقة المسلمين الأميركيين في مساجدهم ومعاهدهم وبيوتهم تحت تأثير الاتهام بوجود مواد مشعة فيها ما يجعل المسلمين هناك يشعرون بالضغط الأمني الذي يجعل كل فرد منهم مداناً حتى تثبت براءته، الأمر الذي يسيء إلى صورة العدالة القانونية هناك للمواطنين في عملية تشبه عملية التمييز العنصري.
أما لبنان، فلايزال في نطاق التجاذب السياسي الذي دخل كعنصر جديد من عناصر الإثارة بين الأطراف الداخلية وتحت تأثير الجدل الذي ارتفعت فيه لهجة التوترات الاتهامية بين فريق وآخر، في الحديث عن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية في مناخ تتطاير فيه التحليلات والاجتهادات في أجواء الريح الحارة تارة والباردة أخرى.
إننا نرحب بكل كلام عن رفض الوصاية الخارجية ولكننا ندعو إلى دراسة الأمور التي تختفي وراء الضغوط السياسية من هنا وهناك بدقة لأننا نرى تدخلا خفيا تارة وظاهرا أخرى من بعض المواقع الدولية بطريقة لا تحفظ للبلد توازنه ولا تساهم في ردم الهوة التي يعمل أكثر من محور دولي أو عربي على تعقيدها. إن هناك كلمات تمنع الحديث عن اتهام العدو بالاهتزاز الذي يواجهه لبنان وأن هناك حديثا حول منطق الأكثرية والأقلية، والسؤال الذي لابد من الإجابة عنه إذا كانت الأكثرية النيابية هي الحاكمة في لبنان فلماذا لا يطرح اللبنانيون الأكثرية العددية على النظام السياسي تماما كما هو النظام في كل الدول المتقدمة.
إننا لم نطرح ذلك في هذه المرحلة ولكن المنطق الذي يثيره البعض في هذه الأيام تحت تأثير الأزمة الوزارية قد يطرح المسألة من حيث المبدأ بعيدا عن التعقيدات الطائفية التي تخاف منها بعض الطوائف في لبنان.
? مرجع ديني
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1213 - السبت 31 ديسمبر 2005م الموافق 30 ذي القعدة 1426هـ