العدد 1213 - السبت 31 ديسمبر 2005م الموافق 30 ذي القعدة 1426هـ

«السقوط»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

قبل أن يبدأ العام 2006 بليلة واحدة سارعت إلى السينما لمشاهدة الفيلم الألماني «السقوط» قبل أن يزال من قاعات العرض، وذلك لأنني كنت انتظره منذ أن سمعت عنه، ووجدت أن انشغالي قد يحرمني رؤيته مع انقضاء العام .2005 والفيلم يستحق المشاهدة أكثر من مرة لأنه يعتمد على مقابلة أجريت في العام 2001 مع آخر سكرتيرة خاصة لأدولف هتلر (تروديل جانغ)، من العام 1942 حتى انتحاره في العام 1945 واستسلام ألمانيا للحلفاء بعد احتلال الجيش السوفياتي لبرلين.

لست ناقداً سينمائياً، ولكن الفيلم ليس عادياً، فهو إعادة لتصوير الحوادث المحيطة بحياة هتلر، قائد الحزب القومي الاشتراكي (النازي)، الذي حوّل بلداً عظيماً بقدراته النوعية، وتطوره في مجالات العلم والتكنولوجيا، إلى بلد محطّم، فقط من أجل تحقيق آمال وسياسات شخص غلبت عليه القسوة، واعتمد على «هيبته» الشخصية للقضاء على العمل المؤسسي في بلاده، وأصبح الجميع يصفق له، ويكذب عليه خوفاً منه، أو ولاء له، أو طمعاً في التقرب من صاحب السلطة.

الأيام الأخيرة لهتلر - بحسب الوصف الدقيق لسكرتيرته - توضح كيف تنهار قوة كبرى بسبب الدكتاتورية وبسبب انعدام المؤسسات الدستورية وبسبب تركز كل شيء في يد طاغية أغلق قلبه وعقله عما يدور حوله، إذ إنه لم يكن يعلم أن قبول القادة الألمان لأوامره في الأيام الأخيرة كان بسبب خوفهم من معارضته، على رغم علمهم بتفاهة رأيه وسخف سياساته.

الفيلم يظهر هتلر في جانبه المخفي، على أساس أنه «إنسان» وليس «قائداً ملهماً» أرسله التاريخ، أو أنزلته السماء للشعب الألماني، ويصف حاله التي يرثى لها. هتلر يبدو ضعيفاً في قراراته، وبعيداً عن الحكمة، ولكنه أحاط نفسه بهالة كبيرة ولم يعد يستشير أحداً ممن حوله، ومن ثم يفاجأ بأن كل ما كان يعتمد عليه أوهام في أوهام، والنهاية هي الانتحار. النهاية حزينة من كل جانب، وهي تصوّر حال الحاكم الدكتاتوري وكيف يعيش وحيداً منعزلاً عن العالم، وكيف يتخذ قرارات جنونية بسبب الغرور الذي يؤدي الى النهاية التعيسة.

بعد مشاهدة الفيلم وددت لو أن الجمعيات الخيرية في منطقتنا تقوم بإيصال نسخة منه إلى كل المسئولين ليطلعوا على حال شخص كانت لديه قدرات أكثر منهم، وكيف كانت نهايته؛ فالفيلم يوضح كيف أن هتلر في آخر أيامه يجلس على الطاولة ويؤشر على الخريطة ويصدر الأوامر لفرق جيشه، ولكن لم يتجرأ شخص ممن يحيط به ليخبره بأنه لم تعد تلك الفرق العسكرية موجودة، فظلّ حتى آخر لحظة يتحدث عن «الخطة المفاجئة» التي ستقلب الموازين، ولم يلتفت إلاّ وجيشه المحيط بمقر قيادته يتكوّن من أطفال حملوا السلاح وهم لا يعلمون لماذا يحملونه، بينما تنهار ألمانيا من كل جانب... وحكّام منطقتنا الذين يتبعون الأفكار نفسها في طرق إدارة الأمور ويتحدثون عن زعامتهم التاريخية لبلدانهم، باللغة نفسها التي كان يتحدث بها هتلر، ما عليهم إلا أن يراجعوا التاريخ قليلاً ليعلموا أن الطاغية - مهما كانت قدراته - ينهار في النهاية ويموت موتة تعيسة جداً.

مع بدء العام ،2006 نأمل أن نكون ممن عرف شيئاً من التاريخ واتخذ قراراً لا عودة فيه نحو مزيد من الحرية، ومزيد من الحقوق والمشاركة الديمقراطية في الشأن العام، ومزيد من الاستقرار النابع من الارادة الوطنية المشتركة ... نحو بناء وطن للجميع، وليس لطائفة واحدة، أو قبيلة واحدة، أو جهة واحدة، أو شخص واحد، كما كانت حال ألمانيا التي آلت إلى السقوط بسبب ذلك، ولكنها عادت لتبني نفسها بعد الحرب العالمية الثانية على أسس ديمقراطية، وبذلك تسنمت موقع ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بعد أميركا واليابان.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1213 - السبت 31 ديسمبر 2005م الموافق 30 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً