أذكر قبل عشرين عاماً تقريباً عندما كنت أعمل صحافياً بإحدى الصحف الإماراتية دعيت لحفل غنائي يضم ضمن من يحيونه بعض الأسماء المغرية، كان من بينهم المطرب السوري الكبير صباح فخري الذي كنت أعشق صوته وأغانيه المعروفة (بالقدود الحلبية) وأبوبكر سالم الذي يعجبني أداؤه الرائع، وما أدهشني أن أحدهما قال للجمهور على ما أذكر لتكن طلباتكم محصورة لما في جيبي من الأغاني واتضح لي أن الشخص كان واقعياً وكان يعني أن الفنان يتمرن على بروفات عدد معقول من أغانيه مع الفرقة الموسيقية التي سترافقه خلال الحفل المذكور والمفترض أن الجمهور يطلب منه فقط ما في جيبه من الأغاني التي تمرن عليها لا ما يخطر على باله، وهذا ما يسمى بواقعية الطرح.
تذكرت ذلك وأنا أسمع ردود وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي وهو يرد على جمهور الحضور من أبناء المحرق الذين حضروا مجلس النائب عيسى أبوالفتح، فكانت ردوده تأتي من الواقع الممكن وليس من نسج الخيال إذ كاد يكرر ما ذكره ذلك الفنان في بداية الحفل، أرجو من الجمهور أن يطالبوا بما في جيبي وليس ما ليس فيه وكان يعني بالأغاني التي قام بالاستعداد لها.
شخصياً أثق في المسئول الواقعي الذي لا يخدع الناس ولا يمنيهم بأمور خارج حدود طاقته وإمكاناته وموازنته لأنه مرتبط بسقف معين وموازنته محدودة، نعم يختلف وزير عن وزير ومسئول عن مسئول آخر في مدى محاولاته الجادة وإصراره على الحصول على أقصى ما يمكن الحصول عليه من احتياجات وزارته ويكون صاحب قرار ومن دون تردد.
وكان النعيمي واقعياً بالفعل وهو يجيب عن أسئلتهم ومدركاً لأدق تفاصيل عمله في وزارة التربية والتعليم بحيث كان يتذكر الأرقام والتفاصيل الصغيرة التي تجري ضمن نطاق الوزارة حتى خارج البحرين. والفارق بين المسئول الواقعي والمسئول الخيالي أن الأول يحمل معه مشروعات تكون في حدود الممكن، أما الآخر فيحمل مشروعات يخدع بها الجماهير وهو يدرك أنها لن تتحقق لأن الأول يعرف إمكانات الدولة ومدى حماس أصحاب القرار بينما الآخر ربما يفهم كل ذلك لكنه يتجاهله من أجل إبراز عضلاته فقط?
العدد 424 - الإثنين 03 نوفمبر 2003م الموافق 08 رمضان 1424هـ