العدد 392 - الخميس 02 أكتوبر 2003م الموافق 05 شعبان 1424هـ

إيران والنووي ولعبة العض على الأصابع

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

أربعة اسابيع بالضبط وعلى ايران الرجوع بجواب إلى وكالة الطاقة الذرية، التي طلبت من طهران توقيع بروتوكول اضافي وفتح جميع منشآتها النووية امام عمليات تفتيش مفاجئ، ومن دون قيد أوشرط. ثمن عدم الموافقة هو تلويح الوكالة بنقل الملف إلى المجلس الأمن، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تهديد مبطّن بفرض عقوبات اقتصادية عليها كما كان الامر مع العراق، ثم استطراداً خلق الارضية لرفع درجة التأزيم مع واشنطن، التي تتحين الفرص لتصفية حساباتها مع الضلع الثالث من «مثلث الشر»، الذي حدده الرئيس بوش.

الإدارة الاميركية - التي كانت وراء مهلة اكتوبر/ تشرين الاول 30، التي اعطتها الوكالة طهران - حذرت هي الاخرى من ان هذا الموعد يشكل الفرصة الاخيرة للنظام الايراني، في هذا الخصوص.

الاتحاد الاوروبي، قبل ايام، انضم هو الآخر إلى الجوقة، وهدد بإعادة النظر في طبيعة العلاقات مع إيران، إذا لم تقدم على توفير المطلوب بشأن برنامجها النووي.

رئيس وكالة الطاقة شدد ايضاً على ضرورة حصوله على اجابات واضحة من إيران، عن التخصيب.

إذاً إيران امام أربعة انذارات تنتهي عند سقف زمني محدد بآخر الشهر الجاري. مساحة المناورة ضعيفة وعليها الاختيار بين نعم او لا (انسحاب من وكالة الطاقة) إذ لا وجود تقريباً للون الرمادي، بين الابيض والاسود. وبقدر ما يتزايد الضغط عليها من الخارج، بقدر ما هي مرتفعة وساخنة وتيرة الجدل في الداخل بين الاصلاحيين، الداعين إلى القبول بمطالب الوكالة، وبين المتشددين المطالبين بالانسحاب من اتفاق 1970 المتعلق بعضوية الوكالة، كرد يحمي ايران من سوط شروط إدارة بوش واستهدافها للجمهورية الاسلامية. فهل الانقسام الايراني مصدر قوة ام ضعف لها في هذه المواجهة؟

واشنطن زعمت في تحريكها لهذا الملف أنها تملك ادلة واثباتات بان ايران تملك منشآت نووية لتخصيب اليورانيوم في مدينتي أراك ونطانز، عدا عن مفاعل بوشهر، الذي كان قد بدأ العمل فيه، بمساعدة ألمانيا، ايام الشاه في أواسط السبعينات.

طهران اعترفت بوجود آثار يوارنيوم مخصب في احدى منشآتها النووية. لكنها قالت انه تلوث انتقل مع معدات مستوردة من الخارج. وكانت مثل هذه الآثار قد عثر عليها قبل اسابيع في موقع نووي آخر.

وزير الخارجية خرازي، اشترط في مقابلته الأخيرة مع إحدى وسائل الاعلام الاميركية، احتفاظ بلاده بتخصيب اليورانيوم - لا ستخدامه في انتاج الوقود اللازم للمحطات النووية المدنية، كما قال - مقابل الموافقة على البروتوكول، وبالتالي التفتيش المفاجئ، إذا اعطيت ايران ايضاحات تتعلق بالسيادة، في هذا الخصوص.

اذاً عملية تخصيب اليورانيوم - اللازم للسلاح النووي - قائمة في ايران وهي تريد الاستمرار فيها. الوكالة كأنها تميل الى عدم الممانعة - حسبما يستفاد من كلام البرادعي - شرط تمكينها من ضبط هذه العملية والاشراف عليها. إدارة الرئيس بوش موقفها غير محسوم من هذه النقطة، على الاقل حتى الآن. الوزير كولن باول في آخر حديث له عن الموضوع بدا كأنه يقول بأن الاعتراف بالتخصيب ومراقبته لا يكفيان.

وبذلك تبدو اركان الازمة جاهزة في البداية مع وكالة الطاقة ثم مع واشنطن.

على الساحة الايرانية يشتد التجاذب بين فريقي الحكم الاصلاحي يدفع باتجاه تنفيس المشكلة بما امكن من حفظ ماء الوجه بالموافقة على التفتيش والاجابة على الاستفسارات المتعلقة بالتخصيب وما يترتب على ذلك من خطوات قد تتخذها الوكالة. وإذا امكن ان يحصل ذلك مع ضمانات بان تكون هذه «آخر الالتزامات» الايرانية بخصوص صناعتها النووية.

الفريق المتشدد يضغط باتجاه الانسحاب من اتفاق الوكالة - كما فعلت كوريا الشمالية - بحيث تصبح طهران قادرة على استعادة المبادرة وعلى التخلص من الشروط والمطالب. وتردد اوساط ايرانية أن بعض اركان القوات المسلحة تقف في هذا الخندق، باعتباره يخدم مصلحة ايران اكثر من الرضوخ لمطلب الوكالة. وفي اعتقاد هذه المرجعيات العسكرية ان «الدرس الذي يجب ان تعمل به ايران هو ان بالامكان المضي في برنامج سري نووي، وعندما يكتمل يتم الاعلان عن حيازتها السلاح النووي، ولو كلف ذلك فرض عقوبات لفترة قصيرة».

في اعتقاد اصحاب هذه المدرسة ان امتلاك السلاح النووي هو الهدف الذي ينبغي بلوغه. وعندئذ يصبح هو المظلة الحامية لمالكه.

عزز هذا الاعتقاد ما صدر من تصريحات لمسئولين ايرانيين مثل سفير طهران لدى الوكالة علي اكبر صالحي، اذ حذر من ان بلاده «يمكن ان تخفض التعاون مع الوكالة الى ادنى الحدود». ولم يستبعد صالحي ان تحذو بلاده حذو كوريا وتنسحب من الاتفاق.

ايضاً صب في مجرى التمهيد للانسحاب، ما نسب إلى مسئولين محسوبين على الجناح المحافظ، من تصريحات تنضح بالتهديد والوعيد غير ان تضارب المواقف الايرانية يراه نفر من المراقبين والخبراء الايرانيين «ليس سوى توزيع ادوار»، اذ الجميع في الواقع متفق على تنفيس الازمة والقبول بمطالب الوكالة. وبحسب هذه القراءة فإن مثل هذا التوزيع من شأنه فرملة الاميركيين وتخفيف شروطهم، على اساس انه يحمل وشنطن على التروي والميل في النهاية إلى المراهنة على التيار الاصلاحي لكسب هذه الجولة، وبالتالي تحقيق نوع من التغيير في السياسة الايرانية. ولو انه تغيير يقتصر على ملف واحد.

لكن الارجح ان المعادلة هي اكثر من ذلك. فالخلاف بين الفريقين في ايران عن الملف النووي، ليس سوى وجه واحد للصراع العميق والقديم الدائر بينهما، في جميع الميادين، والمعركة في هذا الخصوص لابد ان كليهما يخوضها لحسمها لمصلحته وتسجيلها في رصدد حساباته الداخلية. والذي لا يقوى على خسارتها هو الفريق الاصلاحي، لأنه اذا انهزم فيها بكل ما تنطوى عليه من زخم وابعاد واهمية، فهزيمة مشروعه بكامله تصبح عملية تحصيل حاصل كما يرى احد المعلقين الايرانيين. وعلى قاعدة هذا التشخيص تميل معظم التوقعات إلى ترجيح كفة حصول موافقة ايرانية في نهاية المطاف على شروط الوكالة واستطراداً شروط واشنطن?

العدد 392 - الخميس 02 أكتوبر 2003م الموافق 05 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً