العدد 62 - الأربعاء 06 نوفمبر 2002م الموافق 01 رمضان 1423هـ

الأتراك يحرزون نتيجة «خاطئة»

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

بعد أن دخل اصدقاء طالبان البرلمان الباكستاني، عاد الاسلاميون مرة أخرى في تركيا، فمن قال ان الاصولية انتهت؟ يعد انتصار حزب العدالة والتنمية التركي ليس تصويتاً ضد الأميركيين تحديداً - بل ضد الفساد والانهيار الاقتصادي الذي حجز له مقاعده التي بلغت 350 مقعدا من مجموع 540 مقعداً. وبالمثل معارضة الفساد والتدهور الاقتصادي كانت وراء الانتخابات الباكستانية. وفي الحقيقة الرغبة في التخلص من السرطان الذي أصاب النظام الحليف لاميركا في المنطقة هي أساس أية انتخابات للمعارضة الاسلامية في الشرق الأوسط.

ولم يفكر جورج بوش في معنى نتائج الانتخابات التركية لأكثر من ثوان معدودة أثناء رفعه شعار الحرب على العراق ومخاطبة حملته للانتخابات النصفية، لأن تركيا لا تعارض مغامرته العراقية بل انه في حال حدوث الغزو الأميركي، فإن الجيش التركي سيتدخل في منطقة شمال العراق الكردية لمنع اعلان قيام دولة كردية، وذلك لتوفير ملاذات آمنة.

الآن، ربما يضغط الجيش التركي على المحاكم لتحظر حزب العدالة التركي بحجة أن زعيم الحزب، رجب أردوغان - الذي منع شخصيا من المشاركة في هذه الانتخابات - متطرف اسلامي سري، وقد يستند هذا الادعاء إلى إلقائه قصيدة قديمة تشبّه المنارات بالحراب، والمساجد بالخوذ، والمؤمنين المسلمين بالجنود. وبسبب هذه القصيدة اودع اردوغان السجن في العام 1999 لفترة قصيرة بذريعة أنه «يحرض على فتنة دينية»، ولكن الاسلاميين يعرفون كيف يجددون انفسهم.

يدعم حزب العدالة والتنمية - على الاقل رسميا - التحالف العسكري التركي مع الولايات المتحدة، على الأقل لأنه يحتاج إلى ضغط واشنطن على بروكسل للسماح لتركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وسئل أردوغان إن كان الجيش سيزيح حزب العدالة والتنمية عن السلطة ببساطة، فأجاب قائلا: «ماذا تعني؟ انهم جيشي، كيف لي ألاّ أتعاون معهم؟».

ولكن لا يحتاج المرء إلى كثير من العناء حتى يدرك أسباب هذا التحالف الديني - العلماني الغريب ولو مؤقتا فقد فقدت الليرة التركية نصف قيمتها خلال اثني عشر شهرا، وتدهور الاقتصاد بنسبة 10 في المئة في العام نفسه، بينما انضم مليونا مواطن إلى جملة العاطلين. وليس هناك رمز اكثر دلالة على سقوط الاحزاب الوطنية الديمقراطية القديمة من شخصية رئيس الوزراء، بولنت اجاويد العجوز وهو يترنح نحو صندوق الاقتراع في يوم التصويت. واذا أراد الجيش تركيا الاتحاد الأوروبي الجديدة، خالية من النزاعات على الحجاب في البرلمان والكحول في المطاعم البلدية (يذكر ان اردوغان «العلماني» حظر الكحول اثناء توليه السابق لمنصب عمدة اسطنبول)، فإنه أيضا يريد أن يغسل يديه من دماء 30,000 تركي كردي، وهو عدد القتلى في الحرب الضارية ضد العصيان الكردي المسلح في جنوب شرق البلاد في التسعينات.

ويحتاج الجيش ايضا، بعد ان ادخر الغضب الاخلاقي في مثل هذه القطاعات، تنظيف سجله بعد اختفاء 2000 من المفكرين والصحافيين والسياسيين الاكراد اثناء عمليات تطهيرية مماثلة. ويساعد التعايش بجانب حزب العدالة والتنمية الاصلاحي على ايقاف الجيش حربه القذرة ضد الأكراد.

ولكن ليس من السهل أن تنسجم تركيا مع قضايا الشرق الاوسط. فالعلمانية تعني حقيقة «الكمالية»، وهي نوع من الحداثة القومية التي تفضل معاملة الاسلام كونه نوعاً من الثقافة الفولكلورية في المجتمع اكثر من كونه جزءاً من البنية الدينية للدولة.

الكمالية مستمدة من مصطفى كمال أتاتورك الذي اصبح مؤسس الدولة التركية بعد الخلافة العثمانية. ولكن تركيا الكمالية لم تواجه في الواقع قضية العلمانية، ومن المخزي أن تركيا لم تعترف قط بالابادة الجماعية ضد الأرمن، والتي راح ضحيتها 1,5 مليون من مواطني الدولة العثمانية المسيحيين في الحرب العالمية الأولى، وحتى في الحرب العالمية الثانية، اخترعت فرض ضرائب باهظة على سكانها غير المسلمين وخصوصا اليهود، (وتناسى تحالفها الاسرائيلي كل هذا الآن، إذ انضمت اسرائيل إلى تركيا في انكارها للإبادة الارمينية).

وناشد اردوغان مناصري الحزب بعدم قيام احد على الاطلاق بأعمال تضر بالنظام العام، وتعرض الأمن للخطر أو تضر بأي شخص، وهو ما سيبقي الجيش بعيداً، بالاضافة إلى ان برنامج الاميركيين الاصلاحي بكلفة 31 بليون دولار يعتبر مهماً لاردوغان كما كان مهماً لسلطة أجاويد.

ولكن شن الحرب ضد العراق سيحطم هذه التحالفات والوعود. فتركيا المسلمة لا تقبل بتجزئة العراق، وستتعاطف مع الآلاف من مسلمي العراق الذين سيقعون ضحية غزو واشنطن.

انتصار الاسلاميين في باكستان قيد مشاركة الرئيس مشرف في حرب بوش ضد الارهاب، وهو الانتصار الذي حدث في انتخابات دفع فاتورتها البيت الابيض أساسا، فيما يسميه «خريطة الطريق المهمة» في العودة إلى الديمقراطية الباكستانية. والآن تسجل تركيا نتيجة «خاطئة» أخرى بينما هي تمارس الديمقراطية التي لقنها إياهم الأميركيون.

وهي تضيف معادلة خطيرة أخرى إلى مجازفة بوش المتوقعة في العراق، وهو سبب آخر يجعل الادارة الاميركية على رغم مطالبة شعبها بالديمقراطية في الشرق الأوسط، تأمل سراً ألا تنتشر عدوى الديمقراطية كثيرا في هذه المنطقة من العالم?

العدد 62 - الأربعاء 06 نوفمبر 2002م الموافق 01 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً