العدد 62 - الأربعاء 06 نوفمبر 2002م الموافق 01 رمضان 1423هـ

قراءة في «مكالمات» القراء!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل فكرتم ماذا تحمل لنا أسلاك الهاتف من مكالمات؟ وهل تعلمون ما هي الصيغة الغالبة للمكالمات؟ وماهي الكلمة الأكثر تردداً على مسامعي عند رفع السماعة لأجيب المتصلين بـ «بريد» القراء؟

عندما ترفع سماعة الهاتف لا تدري من هو صاحب الصوت المقبل عليك. من الذي سيحدثك. رجل أم امرأة. شاب أم عجوز متهدم، وعن أي موضوع. هل سيكون غاضباً أم مسروراً. «معك ام ضدك». ولابد أن تكون هادئاً ومالكاً لأعصابك، وتحاول جهدك أن تكون سريع الاستجابة، وفوق ذلك أن تتذكر الشخص المتحدث عندما يكلمك للمرة الثانية، وتتعّرف على الأصوات وتميز بين النبرات!

ثم إن هناك نوعية من القراء ترى همها مهما كان بسيطاً أكبر من الجبال، ولابد ان تنشره الصحيفة صباح اليوم الآتي، حتى لو تطلب ذلك تخطي رقاب من تنتظر قضاياهم النشر منذ اكثر من شهر. وإذا لم تنصع لإرادته السامية في تخطي الآخرين فأنت «مو خوش ريّال»!!!

ملاحظة أخرى البعض يتصل بنا ويريد أن ننشر كلامه أو شكواه او حتى ادعاءه ضد آخرين، وبعضهم ضد وزير أو حتى ضد محكمة، ولا يريد ان يزودنا باسمه أو يترك لنا حتى رقم هاتفه. فالثقة تستدعي الثقة.. أليس كذلك؟

على أن أكثر الكلمات التي تقفز من سماعة الهاتف إلى أذني هي: «عندي شكوى»، «أقدر أقدم شكوى»، «إهني مكان إللي يقدمون فيه شكاوي؟»، «إذا عندي مشكلة إشلون أوصلها؟»... وعلى هذا المنوال تجري أغلب المكالمات الخمسين التي تصلني يومياً، حتى بات بعض الزملاء يواسونني لكثرة المشكلات التي تصل في حضني! ومع ذلك يأتي «بعض الناس» ليقول عن رسائل المواطنين بأنها «رومانسية» ولا أساس لها من الصحة! رومانسية؟ ياسلام سلّم!

عموماً... ولكي لا نطيل ، لنلقِ نظرة على بعض ما حملته لنا أسلاك الهاتف من مكالمات.

مكالمة من فريق بن هندي

تلقيت مكالمة هاتفية من «وحيدة»، من فريق بن هندي بالمحرق، تدعونا فيها إلى زيارة فريقها. إلى هنا والأمر عادي ويحتمل أكثر من تفسير، ولكن كان الباعث لهذه الدعوة هو أنها صدمت عندما شاهدت فريقها لأول مرة هذه الأيام. سألتها: كيف؟ قالت: «أنا أعيش في هذا الفريق منذ طفولتي، وأنا يتيمة وأمي أرملة، كنت أعمل في القوة من 91 إلى 99 إذ أقلت من عملي وأعطيت لي شهادة حسن سيرة وسلوك، إذا بلدي ما شغلني من يشغلني؟ ولا أخرج من منزلي، ولذلك لم أكتشفه إلا قبل يومين فقط (أي في 28/10/2002)، حينما كنت أشارك في الحملة الانتخابية للجولة الثانية من الانتخابات لصالح أحد المرشحين. وما شاهدته سلب النوم من عيني، وها أنا اليوم أتصل بكم لتأتوا وتصوّروا الفريق، فأنا أعرف أنكم تقولون الحق. الشوارع ضيقة لا يمر من خلالها اثنان، الإنارة والنظافة معدومة، المتجنسون من العرب والأجانب يضايقوننا، في دول الخليج مستحيل أن يعيش الأجانب العزاب بين المواطنين أو يزاحموهم، هنا باكستاني اعتدى على إحدى فتيات «الفريق» ولايزال حراً طليقاً، لم يفعلوا له شيئاً. ونحن أبناء بلد لم نعتد أن نمد أيدينا إذا احتجنا، والأهالي الذين شاهدتهم في حال صعبة، وهم لا يرفعون أصواتهم. لذلك لا يسمع بمعاناتهم أحد. اسمها بلادنا ونحن مواطنون، ومثلما الوطن له حق علينا بأن نحبه، فإن لنا عليه حقاً. بيوتنا قديمة جداً، لا يعلم بحالنا إلا الله، ونحن أولاد أصول ما اعتدنا أن نمد أيدينا ونتذلل، ولذلك بقينا في هذه البيوت. وإذا جاء المسئولون يمرون على الشارع العام فلا يرون إلا ال?لل الجديدة والشوارع الحديثة، وتخفى عنهم الحقائق».

وتكلمت كثيراً وأنا أصغي لها، وألحت في نهاية كلامها على زيارة فريق بن هندي، فقلت لها بصراحة أنا لا أدري أين موقعه من المحرق بالضبط، ولكن بعد سماعك أتمنى زيارته، فإذا اتسع وقتي زرته قبل رمضان أو خلاله، لا أعدك... ولكن الرسالة وصلت يا أخت وحيدة، فالمقشع أخت بن هندي، وكلنا في حب البحرين سواء.

مكالمتان من الرفاع الشرقي

تلقيت مكالمة من الرفاع الشرقي صباح الثلثاء (5/11)، يشكو فيها أحد المواطنين، «حمد»... من تعدي بعض الأقلام الصحافية على أهالي المنطقة الجنوبية، ولكي أكون دقيقاً وأميناً في نقلي أسجل عباراته حرفياً قدر الإمكان، لأنه ضرب على بعض الأوتار الحساسة فاستمعوا له: «أنا من الرفاع الشرقي، وصفونا في الصحافة بأننا جهلة، لليوم الثاني على التوالي يهاجموننا لأننا لم نصوّت لإحدى المرشحات. نحن أدرى بالمرشحين، وأهل مكة أدرى بشعابها، فلماذا يتهموننا بالجهلة؟ لأننا لم نصوّت لمرشحة؟ هل يجوز أن نصوت لأشخاص ليس عندهم باع في السياسة؟ ما ناموا قط على كارتون، وما ناموا ليلة واحدة من دون عشاء، ومستحيل أن يشعروا بمشكلات المواطنين. والجار أخبر بجاره. لماذا يصفوننا بالجهلة ولا يتكلمون عن خسارة البحرين الكبرى؟ لقد خسرنا يدنا اليمنى. هذه أكبر خسارة للبحرين...».

قاطعته مستفسراً والله يعلم اني لم أفهم قصده: «ماذا تقصد باليد اليمنى؟».

أجاب: «الجماعة الذين قاطعوا، هذه أكبر خسارة عندنا في البحرين، خسرنا يدنا اليمنى. دعهم يتكلموا عن الخسارة «العودة»، وليس عن الذين لم يفوزوا بالانتخابات. نريد رجال دين ربما يتكلمون ويقولون كلمة الحق...»...

وقال كلاماً آخر سليماً في حد ذاته، وذكر أشخاصاً وأجرى مقارنات، ليس من الممكن إيرادها في هذا السياق، مع أن كلامه لا غبار عليه من وجهة نظر المنصفين.

بعد حوالي 4 ساعات تلقيت مكالمة من «أم حمد» تصب في الاتجاه نفسه، ومن بعض ما أضافته من جديد «انهم سخّروا للبعض وسائل الإعلام بما فيه الكفاية. صحافية معروفة دخلت القاعة وأخذت تدعو للبعض ولكن نحن من الرفاع ونعرف بعضنا زين. وعلى قدّ ما دعموها ما نجحت».

مكالمة من جدحفص

أول ما رفعت الهاتف سمعت صاحبي محتداً، يكاد يصرخ في وجهي، حتى من دون أن ينتبه إلى أنه لم يبدأ بالسلام، وأنا لا ألومه لأن عنده مأساة يعيشها كل يوم، لا الصحة ولا البلدية ولا حماية البيئة مستعدة لحلها، وهي الجهات ذات الاختصاص.

ابتدأ غاضباً: «كلّمتك من قبل كم يوم ولكنك لم تكتب عن مأساتي، ألم تعدني بالكتابة عنها؟»، وتحت هذا الهجوم المباغت لم أتمكن من الرد إلا بعد أن أفرغ شحنة من الغضب في صدري فتلقيتها بهدوء. سألته: «عماذا تتكلم، فأنا أتلقى أكثر من أربعين أو خمسين مكالمة يومياً، ولا يمكنني أن أتذكر الناس من نغمات أصواتهم. فهلا أوضحت لي مشكلتك واسمك اولاً؟». توقف للحظة وواصل: «أنا اتصلت بك قبل أربعة أيام وسجلت مشكلتي عندك، وهي أنني أعيش في جدحفص منزل....، ممر....، مجمع....، وإلى جانب منزلي زريبة يتم فيها ذبح الأبقار، وترمى الفضلات والدم والمخلفات وراء منزلي، الوضع لا يطاق هنا. إذا لم تكن تصدّقني تعال بنفسك وانظر، هل يمكن أن تعيش في هذه الروائح الكريهة التي تعلق بالملابس لعدة أيام؟ الآن خصخصة، وهم لا يرفعون غير المخلفات الموضوعة في أكياس، أما مخلفات القصابة فيتركونها، يريدون إنهاء عملهم بسرعة وأنت لا تستطيع أن تكلمهم. لو كان عندي مجال لتركت منزلي ولكن راتبي 150 ديناراً، أريدك أن تنقل مشكلتي لأن لا الصحة ولا بلدية جدحفص ولا البيئة مهتمة بي. توني قبل قليل راجع من البلدية (المكالمة يوم 5/10 ـ الساعة 12,40 ظهراً) وقابلت المسئول هناك ولم يفعل لي شيئاً. أنا لا أطالع صاحب الزريبة وأحسده لأن عنده أبقار، لكن الحاوية عند منزلي، وكل الجيران لا يقبلون وضع الحاوية قرب منازلهم وهي (طايحه في جبدي). أريدك أن تنقل لهم مأساتي، فهذه مسئوليتكم في الصحافة (...)».

أرجو أن تصل المكالمة إلى من تعنيه،وبالذات بلدية «جدحفص» الزاهرة الطاهرة. وأرجو ألا أتهم بالتآمر مرة أخرى هذه المرة على إزالة الزرائب وحرمان المدينة الصامدة من الأبقار!

مكالمة أخرى من المحرق

هكذا ابتدأت المكالمة: «أنا عندي جنسية بحريني، واجد غربلته، اليوم نادونه شرطة يريد تنازل عن القضية، ما يصير، أنا عندي ريّال بحريني (متزوجة من) وعندي أولاد كبير. اشلون واحد مرة (امرأة) يشتكي علينه، واليوم فيه احضارية علشان أتنازل. ما يصير هاللون. اشلون أسوي تزوير انا ما يعرف يكتب. ما في شيء غلطانة آنه. أريد وزير الداخلية يشوف أنا ما سويت تزوير. انا يجي مرتين في جريدة ما يشوفك، انت ما يحصّل رسالة مالي؟».

قلت لها: «أنا حصلت الرسالة لكن لا أستطيع نشرها. لكن الان من الضروري ان أنشرها».

بعد المكالمة راجعت الملفات لأطلع على مشكلة الأخت الكريمة، وهي ـ حسبما جاء في رسالتها ـ أنه تم التحقيق معها في إبريل/ نسيان 2002 بتهمة التزوير في اوراق رسمية، بناء على شكوى مقدمة من المدعوة (....) وبعد إحالة الأوراق إلى خبير التزوير تبين ان الأوراق صحيحة، وبناءً عليه تم حفظ التحقيق ولم يوجه اتهام إليها. إلا أنه أثناء السفر إلى السعودية عن طريق الجسر فوجئت بالمنع من السفر، وتتساءل: هل يجوز منعي من السفر من دون امر من القضاء؟ وترجو وزارة الداخلية وإدارة التحقيقات الجنائية التحقيق في الموضوع ورد الاعتبار إليها جراء ما لحق بسمعتها وسمعة عائلتها من أذى جراء مداهمة منزلها وتفتيشه، ونحن نحتفظ بالاسم والعنوان الكامل وفضلنا عدم نشره على رغم عدم ممانعتها أو ممانعة زوجها، عسى أن ترد ظلامتها إذا وقع عليها ضيم، فلا تشعر بالغبن وهي التي عاشت على هذه الأرض 19 عاماً، وتزوجت بحرينياً وأنجبت منه الأبناء والبنات?

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 62 - الأربعاء 06 نوفمبر 2002م الموافق 01 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً