العدد 62 - الأربعاء 06 نوفمبر 2002م الموافق 01 رمضان 1423هـ

ديمقراطية القوة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل يوم من بدء التصويت في الانتخابات الاميركية (النصفية) لاختيار اعضاء النواب والشيوخ وحكام الولايات تناقلت وكالات الانباء خبر اطلاق طائرة من دون طيار صاروخ جو - أرض على سيارة تقل اعضاء من تنظيم «القاعدة» في اليمن. الصاروخ اصاب السيارة وقتل من فيها ومن بينهم أحد كبار حرس اسامة بن لادن حين كان الاخير في السودان وقبل انتقاله إلى افغانستان.

الخبر عند الرئيس جورج بوش ليس اصابة السيارة بل اختبار الصاروخ واستخدام نجاح العملية في المعركة الانتخابية. فالتوقيت هو اختبار القوة في مناسبة داخلية وهي التنافس مع الحزب الديمقراطي على الفوز بغالبية مقاعد الكونغرس. ونبأ النجاح يعزز فرص الفوز ويغلب وجهة نظر الحزب الجمهوري في سياساته الخارجية. ونجاح تلك السياسات يضبط السيطرة الداخلية ويعطيها شرعية ذات معنى لتمرير مختلف القرارات المالية والاقتصادية التي تمس مصالح فئات واسعة من الجمهور الانتخابي الاميركي.

المعركة اذاً داخلية، والخارج هو وسيلة لكسب الاصوات في معركة اختبار القوة ضد منافس تقليدي لا يختلف كثيراً عن الحزب الجمهوري في ضبط المصالح الاميركية في العالم لكنه لا يتفق معه في التوجهات الداخلية وكيفية استخدامها في تبرير سياسات عامة تضغط على المجتمع اقتصاديا بذريعة الامن القومي وتهديد «الارهاب» لحياة الشعب الاميركي واسلوب عيشه.

التنافس على المقاعد واستخدام كل الاساليب المشروعة (واحياناً غير المشروعة) لكسب ثقة الناخب هي من سلبيات الديمقراطية وخصوصاً في الدول الكبرى التي تملك كل مقومات القوة من مالية وعسكرية وسياسية. فالديمقراطية اصلاً قوة وقوتها تاريخياً نابعة من داخل المجتمع فهي المؤشر على وجود توازن في القوى وهي الدليل على نضج سياسي توصلت اليه مختلف الفئات واتفقت في النهاية على استبدال قوة السلاح بقوة التنافس السلمي.

التنافس لكسب ثقة الناخب اكتسب شرعيته التاريخية من داخل المجتمعات لضبط توازن المصالح ونقلها من التنافر الدموي الى التعايش بين الغالبية والأقلية. الا ان تطور قوة الديمقراطية نقل صراع المصالح (التنافس السلمي) من داخل المجتمعات إلى الخارج واعطى شرعية لاستخدام القوة ضد قوى خارج دائرة الامة ومصالحها.

والديمقراطية في هذا المعنى نقلت التناحر الدموي السابق من داخل المجتمع الى الخارج وبات الصراع الدموي في الخارج هو جزء من المعركة التنافسية السلمية في الداخل. فتحولت قوة الديمقراطية في داخل الدول الكبرى إلى ديمقراطية القوة في الخارج وباتت الدول الصغرى هي حقول اختبار للقوة وهي مصدر رزق لتغذية قوة الديمقراطية في الدول صاحبة القدرة على فرض شروطها وسياساتها.

هذه المفارقة بين قوة الديمقراطية في الداخل وديمقراطية القوة في الخارج تفسر الكثير من سياسات التطرف والمزايدة الايديولوجية بين المتنافسين عشية كل دورة انتخابية.

هذا حصل ويحصل في المانيا وفرنسا وبريطانيا ودائما يتكرر الامرفي الولايات المتحدة.

مثلا استغلت رئيسة الوزراء البريطانية ما رغريت ثاتشر حرب فوكلاند (جزر مالوين) ضد الارجنتين في العام 1982 لخوض معركتها الداخلية ضد حزب العمال البريطاني وكسر ارادته في جولة انتخابية كبرى كرست هيبة حزب المحافظين لثلاث دورات متتالية. هذا في السابق، وفي بريطانيا. الآن يريد جورج بوش الجمهوري تكرار فعلة ثاتشر ليس ضد دولة واحدة بل ضد 40 وربما 50 أو 60 دولة بذريعة اكتشاف خلايا ممتدة لتنظيم «القاعدة» من اليمن إلى العراق.

والصاروخ الذي اطلق من طائرة من دون طيار هو مجرد اشارة لاختبار ديمقراطية القوة في معركة تنافسية انتخابية في الداخل ضد الحزب الديمقراطي.

الحزب الديمقراطي يرفع شعار الامن الاجتماعي وينتقد سياسات بوش الاقتصادية والانفاق العسكري الهائل على معركة «وهمية» في معظم زواياها. والحزب الجمهوري يرد برفع شعار الامن القومي ويدافع عن الانفاق العسكري لحماية الشعب الاميركي من خطر الارهاب. ونتيجة التناقض بين النظريتين «الامنيتين» هي اطلاق صاروخ على سيارة قيل انها تابعةلتنظيم «القاعدة» في اليمن وقبل يوم من بدء التصويت. فالضربة في الخارج محسوبة وحصلت في مناسبة داخلية ارادت استخدام القوة لحسم وجهة نظر سياسية في اطار التنافس الديمقراطي?

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 62 - الأربعاء 06 نوفمبر 2002م الموافق 01 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً