قانون الصحافة الذي صدر الاحد الماضي يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في جوانب مختلفة منه. فتضمين القانون جمعية الصحافيين وفرضها على الصحافيين البحرينيين، يعني اجبار كل صحافي على الانضمام إليها رغم أنفه. وهذا الارغام يعارض المادة العشرين من الإعلان العالمي التي تنص على بندين، الاول يقول «لكل شخص الحق في الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية». أما البند الثاني فيقول «لا يجوز ارغام احد على الانضمام إلى جمعية ما».
وقبل ان نسمع أي تأويل لما ورد في قانون الصحافة أو ما ورد في الإعلان العالمي، فإن علينا ان نقرأ المادة الثلاثين من الإعلان العالمي التي تقول: «ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على انه يخول لدولة أو جماعة أو فرد اي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه».
ان حق التعبير وحق الانتماء أو عدم الانتماء يعتبر من الحقوق الانسانية الأساسية التي لا يجوز التفريط فيها بأي حال من الاحوال. وفيما لو ركع اصحاب القلم واصحاب الفكر وخضعوا للارغام الذي نص عليه قانون الصحافة، فإن ذلك يعني اننا ندشن مرحلة لا تبشر بالديمقراطية. فأية ديمقراطية هذه عندما يخاف الصحافي من التعبير عن رأيه، وأية ديمقراطية هذه عندما يتم ارغامه على الانضمام إلى جمعية رغم انفه.
ان جمعية الصحافيين أسست قبل الانفتاح السياسي وعارضت تشكيلها نخبة مهمة من صحافيي البحرين على أسس مبدئية ثابتة وهي تتلخص في عدم استقلالية الجمعية وعدم تحديد صفات العضوية، بحيث يمكن للطرف الذي يحاول ارغام الآخرين على الانضمام إليها ان يوجه كل شيء بحسب ما يريد. ولو ان جمعية الصحافيين أسست في عصر الانفتاح لتمكن الصحافيون من مناقشة كل القضايا من دون خوف من اعتقال أو فصل من الاعمال أو حرمان من الكتابة. ولو ان جمعية الصحافيين حاولت كسب قلوب الصحافيين بدلاً من محاولة تكسير رؤوسهم لكان بالامكان الرضا بها. أما أن يتم فرضها بواسطة القانون وأن يصدر القانون بأسلوب مخالف للمسودة التي اعدتها لجنة تفعيل الميثاق وأن يتم اصداره استباقاً لانعقاد المجلس النيابي كي لا يتمكن احد من مناقشته، فإن قبول مثل هذا الأمر يعتبر اهانة للمشروع الاصلاحي الذي دشنه عظمة الملك. وتثبيتاً للتاريخ، فإني طلبت شخصياً من الاخ وزير الاعلام، وأمام سمو ولي العهد، أثناء المقابلة الاخيرة مع رؤساء تحرير الصحف المحلية، أن يطلعنا على القانون قبل اصداره لأننا المعنيون به أولاً وأخيراً. إلا ان ذلك الطلب لم يستجب له ابداً وفوجئنا جميعا بقانون يخالف ما تم الاتفاق عليه في لجنة تفعيل الميثاق نصاً وروحاً، ويخالف الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
لقد توصلت جميع الدول التي وقعت إعلان فيينا العام 1993 الخاص بحقوق الانسان (بما فيها حكومتنا) إلى أن التنمية السياسية والاقتصادية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال مشاركة الاطراف المعنية بالامر.
نعم، تمكنت الدولة في مكان ما من العالم ان تفرض ما تشاء بوسائل قاهرة تتوافر لأجهزتها، ولكن لم تستطع اي دولة ان تحقق النمو الاقتصادي والسياسي عبر هذا القهر، فماذا ستحصل عليه مجموعة من الناس الخائفين على رزقهم الذين ينكسون رؤوسهم خوفاً من العقاب؟ ومع تنكيس الرؤوس يختفي الابداع ويبدأ الرياء والنفاق وتنزلق العملية السياسية إلى كل المساوئ التي تصاحب الدكتاتورية.
ان امام الصحافيين البحرينيين تحدياً كبيراً، ولعل الأمر متروك إليهم الآن ليحددوا مصيرهم. فإما ان يقبلوا مرغمين، خائفين، خانعين من دون قيمة لهم، أو أن يكونوا أصحاب إرادة ولهم رأي ويمكنهم ان يحددوا اذا ارادوا الانتماء أو عدم الانتماء. إننا لسنا ضد جمعية معينة بذاتها، وإنما نقف ضد اجبار إنسان على الانتماء إلى جمعية لا يؤمن بأسسها وطريقة عملها.
ان علينا جميعاً ان نعي طبيعة العمل الديمقراطي الذي يفترض الرضا والاجماع والموافقة على طريقة إصدار اي قانون، ولا يمكننا ان نقول شيئا ونفعل شيئا آخر، وإلا كنا من الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون. وقانون الصحافة محاولة للالتفاف على الديمقراطية ولسنا بحاجة إليها بعد ان اشرقت الشمس على البحرين وارتفعت سمعتها في الآفاق?
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 62 - الأربعاء 06 نوفمبر 2002م الموافق 01 رمضان 1423هـ