من هنا... من أمام هذا البحر الشاسع المليء بالخيرات، وهو عطاؤك الذي لا ينفد. من هنا،في هذا الفضاء الواسع تتعانق روحي مع روحك. من هنا أمام تلك العيون (العسلية) المليئة بالدموع كدموع خوفك علينا، دموع أغرق في بحرها؛ وهل للغرق متعة إن لم يكن في مقلتيك؟! ومن هنا... من وسط حبات الرمال الناعمة، الحانية على شطآن قلوب الحيارى... استلقي في حضنك الدافئ يا «يمه». أماه... إنني أراك في لحظات الزمن العصية، يترقرق الدمع من عيني كلما داهمتني الخطوب. أماه... كم اشتاق إلى حضنك الدافئ... أماه... وأي حنان في العيد افتقد يا «يمه»؟!
أماه... يا ساكنة بين حنايا ضلوعي. أماه... امتشقت الحلم طويلاً في انتظارك، وغادرت الفرح وغابت عني الابتسامة في هذا الحلم! لا، ليس لدي مجال لإطالة أمد هذا الحلم... أتعرفين لماذا يا أمي؟! لأنني قررت أن أكون كبيراً... وأكون كما تريدين! نعم كما تريدين «يا يمه». أماه... حنانك افتقد، وطيفك حاضر أمامي دائماً، لن أنسى ما حييت تلك الوصية، والتي حفظتها عن ظهر قلب منك. وسأكون أبداً ما حييت وفياً للحب الطاهر الذي جمعنا، فأنت تسكنين القلب مني، وفي ذاتي ووجداني.
أمي يا أمي الحبيبة... نفح الرياحين والورود
أين ابتساماتك الرطيبة... تسمو بإشراقة الوجود
واسم أمي الجميل لحنٌ في القلب أحلى من النسيم
لا وجه قد لاح فيه حسنٌ يرقى إلى وجهها الكريم
هل لي سوى حبك العظيم أحيا به الوعد بالنعيم
روحاً بأرجائه أهيم طفلاً لأحضانه أعود
أمي يا أمي الحبيبة... نفح الرياحين والورود
أين ابتساماتك الرطيبة... تسمو بإشراقة الوجود
أمي وهل لي سوى يديك أرجوهما منَة الزمان
أبوابها طوع راحتيك إن تسألا يُسمع الرجاء
يا من حلا باسمها النداء... يا من تسامى بها العطاء
إن رمت جوداً من السماء من غير نعماك لا تجود
أمي يا أمي الحبيبة... نفح الرياحين والورود
أين ابتساماتك الرطيبة... تسمو بإشراقة الوجود
ألقاك في نجمة الصباح في مرسمٍ زنبقي رطيب
في زرقة البحر في المقاحي... أمي وفي دمعة الغريب
والشمس تدنو من الغروب كأنها وجهك الحبيب
يا وجه أمي لا تغيب أماه أنشودة الخلود
أمي يا أمي الحبيبة... نفح الرياحين والورود
أين ابتساماتك الرطيبة... تسمو بإشراقة الوجود
الكلام في مجمله، أكثر من رائع، وقد كانت عظيمة لبنان الرائعة فيروز، والتي بيني وبينها من الود ما لا أرتضي عنه بدلا. فالرائعة فيروز أطربت الجماهير بلوحاتها الفنية المتسمة بالرقي الفني والتصوير البليغ، تجود أيضاً على جمهورها بأغاني ملتزمة كأغنياتها عن أغلى وأعز علاقة إنسانية في الوجود: علاقة المرء بأمه.
مقالي هذا هو إهداء لكل أم تحملت عذابات السنين، وساهمت بشكل فاعل في تربية أبنائها، وكابدت مخاض السهر والتفكير فيهم، ورفعت يدها للدعاء لهم. كلمات هنا هي إهداء للشباب والشابات، الذين ترفرف أرواح أمهاتهم عليهم؛ مهما فرق القدر بين أجسادهم؛ وافتقدوهم. أكتب ودمع العين يقطر من مقلتيَ محبة وكرامة وحشمة... إنها دموع الكبرياء، وليس للمرء في هذه الحياة من دموع كبرياء إلاّ المراقة في حضن أمه. إليك يا «يمه» أهدي هذه الكلمات... فأرجوكم اقرأوه لها، وبروها حياة وممات?
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1576 - الجمعة 29 ديسمبر 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1427هـ