سيدة ملتزمة دينياً، بل هي داعية لدينها توزع نصحها وإرشادها على كل من تقابله في عمل أو جيرة أو بيت. السيدة ذاتها لا تقبل أن تحظى خادمتها الآسيوية بفترة راحة منتصف النهار بعد إنهائها كل ما عليها من أعمال منزلية. وفي الوقت الذي تخلد هذه السيدة هي وزوجها وعيالها للراحة وربما للقيلولة، تضع جدولاً يومياً لمهمات منزلية أخرى على الخادمة أن تؤديها فترة استراحة الظهيرة رغم كونها أعمالاً غير مستعجلة وبالإمكان انجازها في وقت آخر.
سيدة صاحبة مبادئ لا تنفك تنافح في الغدو والرواح عن قيم العدالة والمساواة ونبذ الظلم والجور. صاحبة المبادئ هذه لا تسمح لخادمتها أن تنام ليلاً بعد أن تنهي كل الأعمال المنزلية المنوطة بها. تقول: كيف تنام الخادمة ونحن صاحين؟ ربما احتجنا لخدمتها في أي شيء. لا... لا تنام إلاّ بعد أن ننام.
سيدةٌ لا تكاد تغادر سجادة صلاتها إلاّ لتعود إليها، ولا تفتأ تتلو من آيات الذكر الحكيم، ولا يغادر القرآن الكريم بكل ما يحمله من معاني نبذ الظلم والتجبر يديها. في الوقت ذاته تجبر خادمتها المسيحية التي اختارتها بمحض إرادتها على ارتداء الحجاب. بل إنها قد ضغطت على الخادمة كي تغيّر دينها وتتحول للإسلام بحجة أنه لا يجوز أن تأوي العائلة خادمةً لا تدين بالدين الإسلامي.
سيدة الضمير والأخلاق تتنطع في كل ظرف بحديث دائم عن مظاهر الظلم واللامساواة في المجتمع، ولا تكفّ عن الدعوة لفضح تلك المظاهر وإبرازها بهدف محاربتها. هذه المدافعة عن الحق الإنساني في المساواة والكرامة أحالت الشرفة الصغيرة جداً الملحقة بشقتها السكنية والمفتوحة على الفضاء الخارجي إلى مكان إقامة ونوم للخادمة. تبرر فعلها قائلة: أين أضعها؟ ليس لدينا مكان.
سيدةٌ متدينة ترتاد يومياً حلقات الذكر ودروس الإيمان، وتسعى لأن تأتي دائماً بما يرضي الله. السيدة ذاتها أشرس ما تكون في التعامل مع خادمتها فلا تغفر لها أي زلة أو خطأ غير مقصود. وقع حامل الزهور الزجاجي من يد الخادمة وانكسر فخصمت ثمنه من راتبها. زاد الملح في وجبة الغداء فتطاولت عليها بأبذأ كلمات التقريع والسباب والتحقير.
سيدة مثقفة مطّلعة على مبادئ حقوق الإنسان، طلبت منها خادمتها رؤية شقيقتها التي تعمل في بيت آخر بمدينة أخرى. رفضت المثقفة طلب خادمتها ومنعتها حتى من الحديث مع أختها عبر الهاتف. مرّ عامٌ ولم تتمكن الخادمة لا من رؤية شقيقتها ولا حتى من مكالمتها عن بعد. تقول مثقفتنا: هذا مجال لا يُفترض أن يُفتح أمام الخادمة فقد تتعود على كثرة الطلبات، ومن ذلك قد تتعلم أساليب التمرد على مخدوميها.
سيدةٌ متدينةٌ تخشى الله في كل خطوة تخطوها في الحياة وتحثّ أبناءها وأقاربها وصديقاتها وزميلات عملها على طاعة الله وفعل الخير وعدم الظلم. طلبت منها خادمتها المسيحية أن تأخذها للكنيسة لتشارك في قداس عيد الميلاد المجيد، فنهرتها قائلة: نحن لا نذهب للكنيسة ولا نأخذ أحداً إليها، هذا نظامنا، ما دمت تحت إمرتنا فالذهاب إلى الكنيسة لا يجوز.
سيدةٌ من عَلية القوم ونخبة المجتمع تعيش البذخ في أقصى حدوده وتبعثر المال على جوانب الحياة المترفة. السيدة ذاتها تؤخر راتب خادمتها شهراً بعد شهر، والخادمة تتحرق انتظاراً، فعائلتها هناك تتطلع على أحر من الجمر لوصول مصدر الرزق الوحيد من الأم البعيدة في ديار الغربة.
وغيرهن أخرى ما إن وصلت خادمتها الجديدة ذات الشعر الطويل الجميل حتى أجبرتها على قصه قصيراً تحت حجة الالتزام بالنظافة. وأخرى تطاولت على الاسم الذي تحمله الخادمة الجديدة منذ ولادتها والمثبت في كافة وثائقها الرسمية. تقول السيدة: اسمها صعب وطويل، اخترنا لها اسماً بسيطاً وقصيراً يسهل علينا لفظه. وثالثة لم تأبه لبكاء وترجي الخادمة الجديدة التي دفعت الكثير من المال في وطنها لتحضر معها هاتفاً نقالاً تطمئن من خلاله على صغارها الذين تركتهم في عهدة أبيهم. صادرت السيدة التلفون قائلةً للخادمة: ستتسلمينه يوم سفرك بعد عامين.
تلك عينات لنساء متديّنات، مثقفات، وسيدات مجتمع، يعرفن معنى الظلم والاضطهاد وقد يروّجن ضدهما، فهل نلوم سلوك نساء عاديات مع خدمهن؟ وهي حالات ليست من نسج خيال بل واقعية شهدتُ عديداً منها وسمعتُ عن بعضها، واني لأتساءل: هل يستقيم دين أو مبدأ إنساني إن لم يُوظف في حسن معاملة الآخر الضعيف الذي أوقعه الدهر تحت إمرتنا؟! أم أن بعض نسائنا قد وجدن جهة يضطهدنها مقابل ما يعانينه من اضطهاد من جهات أخرى؟!
هل لنا بعد ذلك أن نتساءل: لِمَ يتمرّد الخدم ولِمَ يهربون ولِمَ يتآمرون؟ ولِمَ يصل الأمر ببعضهن إلى إلحاق الضرر بمخدوميهن او بأنفسهن... بل إلى أبعد من ذلك كالقتل أو الانتحار؟?
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1576 - الجمعة 29 ديسمبر 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1427هـ