إن الأعياد الإسلامية والمسيحية تنطلق من عمق واحد من خلال ما يمثّله العيد في المعنى الديني الرسالي من الانفتاح على الناس كلهم، والقيام بالمسئولية حيالهم وحيال الحياة. ولذلك فإنّ الفرح في الأعياد يعني فرح الاحتفال في حمل أعباء هذه المسئولية وتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للناس كلهم.
ولذلك فإن الأعياد الإسلامية والمسيحية وأعياد الرسالات لا تلتقي على سبيل المصادفة الزمنية فحسب، فيما نعيشه في هذه الأيام من مناسبات جامعة في ميلاد السيد المسيح (ع) ورأس السنة الميلادية وعيد الأضحى، بل تلتقي في البعد القيمي والروحي الذي يمثّل الأصالة في المسيحية والإسلام. إننا نلاحظ أن الأعياد أصبحت تمثّل الفرح المادي في تعبيرات المحتفلين بها، وفي تطلعات التوّاقين لساعاتها ولحظاتها في الزمن. ولكن الإسلام أراد للأعياد ـ كما أرادت المسيحية لها ـ أن تكون محطة من محطات القيام بالمسئولية، وأن تكون منطلقاً للتأمل على مستوى حسابات الربح والخسارة فيما هي النتيجة في حساب العمر، ليكون الفرح المادي حركة في الفرح الروحي الذي يشعر فيه الإنسان بالطمأنينة في نطاق خدمته للبشرية وقيامه بالدور المطلوب منه بلحاظ إمكاناته وطاقاته.
إن عيد الفطر في المفهوم الإسلامي يمثّل محطة الاحتفال في القيام بالمسئولية بعد صوم شهر رمضان، الذي يمثل مساحة زمنية لصناعة الإرادة والتحلي بالصبر وتحسّس آلام الناس، كما أن عيد الأضحى الذي يمثل تخليداً لمفهوم التضحية في استعداد إبراهيم (ع) للتضحية بولده إذا أراد الله منه ذلك... وهو ما يطل بنا على البعد الروحي والقيمي للعيد. كما أن ميلاد السيد المسيح (ع) يطل بنا على هذه المعاني كلها، فالسيد المسيح لم يكن همّه في أن يعيش الجوانب المادية على حساب رسالته للناس، بل كان يتطلّع إلى السلام بكل أبعاده الروحية في حركة الحياة، وإلى العدالة والقيم الروحية التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأعياد الوطنية التي لا نحسبها تتمظهر بالطريقة الاستعراضية، بل تكون مناسبة للتأمل والبحث في كيف نركّز استقلال البلد، وكيف نحمي وحدته ونصون سلامه الداخلي. إن الأعياد تمثّل القيمة من خلال انفتاحها على قضايا الناس وتطلعاتهم، ولكنها تحوّلت في كثير من الممارسات إلى مناسبات للّهو والعبث والسقوط أمام زحمة التقاليد العابثة وفي ساحات الغرائز المستنفرة. إن معنى الاحتفال بالسنة الميلادية أو الهجرية هو أن ننطلق لنجعل الأمة تنفتح على السنة الماضية بكل الإرهاصات أو الإنجازات التي تحققت فيها لتخطط للمستقبل في حركة واعية لتجاوز ما أمكن من السلبيات وتحقيق ما أمكن من الإيجابيات، لنجعل البلد رائداً بين البلدان، والأمة رائدةً بين الأمم.
نحن لا ننكر على الناس فرحهم المادي بالعيد أو بأية مناسبة يمكن أن تكون منطلقاً للتخطيط للمستقبل، ولكن لابد للفرح المادي أن ينجذب إلى الفرح الروحي في معنى المسئولية الإنسانية والوطنية، لتكون المناسبة محطة للارتفاع بالفرح الإنساني ليكون قيمة في علاقة الإنسان بالإنسان، ولتكون العلاقة المتبادلة في التهاني والزيارات حركة في صوغ الأمن الاجتماعي والسياسي وفي الإطلالة على مستقبل واعد للوطن، يفرح فيه الجميع في تجاوز المحن والأفخاخ التي نصبها المستكبرون. إن الاستكبار العالمي الذي يمثّل العدو، هو ضد فرح الإنسان بالإنسان، أو فرح الإنسان بالحياة، وضد انفتاح الإنسان على أخيه الإنسان. ولذلك نرى كيف يجهد المستكبرون لجعل الأعياد مناسبات لتحريك الأحزان من خلال إطلاق الفتن المذهبية والطائفية، وهذا ما تتحرك فيه أميركا في ألاعيبها الجديدة في المنطقة، لنظلّ في حال طوارئ داخلية تمنعنا من التفكير في التحديات الكبرى وتجعلنا أسارى الواقع الداخلي الملتهب والمتفجّر في بلداننا، وخصوصاً في العراق الذي تريده أميركا نموذجاً للعنف الدامي الذي يحرك الفتنة في الواقع العربي والإسلامي كله. إننا نريد للأعياد أن تكون مناسبات تلتقي بها المذاهب وتتقارب فيها الأديان لنصنع وحدتنا في المنطقة في مواجهة الاحتلال الأميركي والإسرائيلي، ولنصوغ سلامنا الداخلي وفق عنوان المحبة الذي يمثّل السيد المسيح (ع) وعنوان الرحمة الذي يمثّله النبي محمد (ص)، ولنتطلّع من خلالهما إلى السلام العالمي بسلام الإنسانية كلها في علاقة الأخوة والتعاون بين كل الشعوب?
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1576 - الجمعة 29 ديسمبر 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1427هـ