كل عام، تجري «زغبي إنترناشونال» استطلاعاتٍ للرأي في 6 دول وذلك لاختبار الجو في أنحاء المنطقة. وفي العام الماضي، وجدنا أنه على رغم النزاعات المستمرة والمشكلات الداخلية التي تنزل ببعض الدول، كان كثير من العرب يعبّر عن درجة من الثقة بالظروف الحالية وتفاؤل بالمستقبل. وفي الواقع، كان جو العام الماضي هو الأكثر إشراقاً منذ أن بدأنا استطلاعاتنا في العام 2002. كان هذا في العام الماضي، لكن الأمر يختلف هذا العام.
ومن جميع النواحي، كان العام 2006 عاماً صعباً في الشرق الأوسط مع حصول هجوم عنيف على لبنان ووجود المصاعب المستمرة للفلسطينيين وسقوط العراق في الحرب الأهلية، التي قضت على عدد هائل من الأرواح والثروات. لكن ما الذي نتج عن هذه الحوادث؟
لقد طلب منا المجلس العربي للأعمال أن نضيف بعض الأسئلة إلى استطلاع العام 2006 بهدف تقييم الأثر الذي تركته التطورات الإقليمية على البيئتين الاقتصادية والسياسية في كل من الدول التي يغطيها استطلاعنا السنوي (الإمارات العربية المتحدة، السعودية، مصر، لبنان، الأردن والمغرب). وما وجدناه هو أنّ هذه النزاعات أحبطت المواقف في كل من هذه الدول.
وبعبارة دقيقة، اختلف أثر هذه المسائل الثلاث بين دولة وأخرى، لكنّ النتيجة المشتركة واحدة. فعندما طلبنا من مستجيبينا في الدول الست تقييم الدور الذي يلعبه عددٌ من المسائل في الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي في المنطقة من كل مكان، حظي النزاع العربي - الإسرائيلي والعراق بالنسب الأعلى في الإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن ومصر.
وطبعاً يمثل لبنان حالاً خاصةً، وليس فقط لأنه كان واحداً من الدول الست التي يغطيها استطلاعنا أي حيث حصل النزاع فعلياً. فمنذ عام، بدا أنّ لبنان كان يستعيد قوته وموقعه الجيد مجدّداً. وعلى رغم التقسيمات الداخلية المستمرة، كان العام 2005 العام الأول - منذ بدء استطلاعاتنا - الذي يعكس تفاؤلاً لدى اللبنانيين. ويكفي القول إنه تم محو أرباح العام الماضي ولكن ليس في لبنان فقط. وعندما سألنا المستجيبين: عما إذا كانوا الآن على حال أفضل من التي كانوا عليها منذ أربعة أعوام؟ حصلنا على مواقف محبَطة في 5 من الدول الست. وعندما سألناهم: عما إذا كانوا يتوقّعون أن يكونوا بحال أفضل في الأعوام الأربعة المقبلة؟ كانت المواقف متدنّية أيضاً - بنسبة كبيرة في بعض الأحيان - في الدول الست جميعها.
وما يثير القلق هو العدد الضخم من المستجيبين الذي قالوا ببساطة إنهم «لم يكونوا متأكدين» من الحال التي سيكونون عليها في المستقبل. وعلى سبيل المثال، عبّر أكثر من الثلث في لبنان والمغرب ونحو ثلاثة أرباع في الإمارات العربية المتحدة عن شك وعدم ثقة بما ينتظرهم في المستقبل. وتشير هذه النقاط جميعها إلى حقيقة واضحة ألا وهي أنّ الناس في العام العربي لا يرتبطون عضوياً من خلال الجغرافيا والتاريخ والثقافة فقط بل أيضاً من خلال المشاعر. ونتيجةً لذلك، أثرت النزاعات الكثيرة التي نزلت بالمنطقة على رأي الشعب العربي، بحيث اتخذ كل منها منحًى دراماتيكياً نحو الأسوأ في العام 2005 - 2006.
وفي حين تواصل الولايات المتحدة رؤيتها الاضطرابات الحاصلة في المنطقة حوادث سرية وتتوقع أن تستمر «الأعمال كالعادة» في الدول التي ليس لها تورط مباشر في النزاعات، فإن الناس في المنطقة ينظرون إلى الأمر بطريقة مختلفة. ويفيض أثر هذه النزاعات بلا حدود، فقد ترتفع عائدات النفط في دول الخليج على سبيل المثال، لكن القلق على ورطة الفلسطينيين والخوف من انفجار العراق ضمنياً يجتمعان ليحبطا التفاؤل والثقة.
أما القوى المحرّكة التي أطلقت الحربُ العنانَ لها فهي محسوسة ضمن نزاع تلك الأرض المضطربة. وتختلط هذه النزاعات لتصبح مزيجاً معكراً. وما أدركناه من خلال استطلاعاتنا هو أنه تم إثرها توليد آراء معادية لأميركا، ما شكل ضغطاً على حلفاء الولايات المتحدة (جميع الدول التي يغطّيها استطلاعنا متحالفة للولايات المتحدة). كما أنّها أدت إلى ظهور إيران قوية وذات سلطة، ما أدى إلى قلق في الحكومات عبر المنطقة، هذا بالإضافة إلى تقسيم عرقي متزايد ودعم متنامٍ للمجموعات المتطرفة. ولا تؤدي نتائج كل ذلك سوى إلى إحباط الجو العام وزيادة الشك، وهذا لا يخدم الخطط الاقتصادية ولا عملية التقدم نحو إصلاح سياسي داخلي?
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1576 - الجمعة 29 ديسمبر 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1427هـ