العدد 1576 - الجمعة 29 ديسمبر 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1427هـ

«الاقطاعية» و «الدستورية» لا يجتمعان

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

أثار قرار محافظ المحرق المفاجئ والغريب بمنع أي شخص لا يعتبره من أهالي المحرق الأصليين من بيع أو شراء عقار في المحرق الكثير من الشجون، وهو يثير أيضاً موضوعاً أكثر عمقاً مما يبدو. فالقرار يعتبر من النوع «الاقطاعي» بامتياز، والمشكلة هي أن «الدولة الدستورية الحديثة» كان أحد أهدافها التخلص من «الدولة الاقطاعية»... وبما أننا نعيش في مملكة يحكمها دستور، فإن من المفترض في كل القرارات والإجراءات أن تكون «دستورية» وليست «اقطاعية».

إن مفهوم «الدولة» له عدة أوجه، بعضها متخلف وجاهلي، والآخر متنور ومتطلع إلى الأمام، وبما أن مفهوم الدولة الحديثة هو إنتاج للفكر الأوروبي، فإننا نرى أن كلمة «الدولة» بالانجليزي (State) مستمدة من كلمة لاتينية ارتبطت بالمعنى الذي تحمله الكلمة الانجليزية(Status)... وكان يقصد منها معرفة وضع صاحب السلطة. وعندما انتشر حكم الاقطاع الظالم في العصور الأوروبية المظلمة، ارتبطت الكلمة نفسها بـ Estate ، أي العقار، وأصبحت الدولة (State) تعبر عن حال الاقطاعي الذي يسيطر على العقار .

وعندما بدأت عصور الإصلاح والتنوير الأوروبية في القرن السادس عشر الميلادي، ظهرت فكرة وضع «الحدود» للحكام الاقطاعيين عبر اتفاقات وعقود تبرم بينهم وبين من يعيش معهم على هذه الأرض أو تلك... ومن أهم من جاء بفكرة العقد الاجتماعي (ويسمى في عصرنا بالدستور) المفكر الانجليزي جون لوك (عاش بين 1632 و1704م). وقد طرح لوك (والمفكرون الآخرون من بعده) فكرة العقد الاجتماعي لمواجهة الاستبداد السياسي، واعتبر أن الله خلق الإنسان على أساس المساواة، وآمن بحق الأفراد في التملك لأن ذلك هو نهج «القانون الطبيعي»، أو ما يسميه المسلمون بـ «الفطرة». وقال لوك أن من أهم الحقوق الطبيعية هو الحق في الحياة والحق في الحرية والحق في الملكية الشخصية، وأن هذه الحقوق غير قابلة للنقاش، لأنها تولد مع الإنسان ولا يحق لأي إنسان آخر سحبها منه. وقال إن أفراد المجتمع يتنازلون عن جزء من حريتهم للحكام من أجل حفظ الأمن ورعاية المصالح المشتركة، وإن هذا التنازل عن بعض الحريات الفردية للسلطة المركزية مقيد بعقد اجتماعي يؤسس لشرعية الحكم .

ومن ثم تطورت هذه الأفكار لتصل إلى قمتها في الثورة الفرنسية العام 1789م، وأصبحت هي مبادئ كل الدساتير الحديثة للدول، وأصبحت هي أيضاً المحرك الأساس للضمير الدولي نحو مجتمعات أكثر أمناً واستقراراً وتنمية إنسانية متكاملة.

نستذكر بعض الأساسيات التي يعرفها الكثيرون بهدف إيضاح أمر مهم ربما كان خافياً على الأخ محافظ المحرق تحت ظرف من الظروف، وهو أن قراره منع أي مواطن لا يعتبره «محرقياً أصيلاً» من الاقتراب من المحرق، يعني إلغاء الدولة الدستورية وإحلال الدولة الاقطاعية محلها، وهو أمر ربما لم يقصده ولا يسعى إليه أحد، ولذلك وجب أن تعود الأمور إلى نصابها الدستوري الصحيح.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1576 - الجمعة 29 ديسمبر 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً