سألني كثيرون من الإخوة المحترمين في الأيام الماضية: لم لم تكتب شيئاً عن أخيك وصديقك المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري (طيب الله ثراه)؟ فأجبتهم قائلاً: لقد تصدى لهذا الأمر الكثير من أدباء وشعراء هذا البلد وغيرهم (جزاهم الله خيراً)، على رغم أن ماكتب وقيل حتى الآن عن الفقيد الغالي لايمكن أن يفي بحقه، فهو (رحمه الله) فوق الكلمات، وفوق الدموع والآهات، إنه رجل المواقف الصعبة،من دون منازع. وأود هنا أن أبشر الإخوة المهتمين بسيرة الشيخ المجاهد، بأن هناك نية لإصدار كتاب شامل لحياته، من قبل أحد مؤرخي وأدباء البحرين، آملين أن يبصر هذا الكتاب النور في وقت قريب بإذن الله. إن علاقتي بأبي جميل الذي يكبرني بأربع سنوات تقريباً تمتد إلى عمق الزمن، ليكون نصيبها من هذا العمق أكثر من نصف قرن، عايشته خلالها صديقاً لوالدي رحمة الله عليه، إذ كان يتردد على بيتنا (المصنوع من سعف النخل) آنذاك، خطيباً حسينياً في بعض ليالي الأسبوع، وكنت ألتقي به خلال هذه الليالي والأيام، ما أتاح لي فرصة التعرف عليه عن كثب، والنهل من معين أخلاقه ونبل سجاياه. أجل... لقد عايشته خطيباً مفوهاً قبل أن يهاجر الى النجف الأشرف لمواصلة دراسته الدينية، واستمرت صداقتنا بعد عودته من النجف وتشعب مسئولياته الدينية والاجتماعية والسياسية حتى آخر حياته رضوان الله عليه. قد تسألني: ما الذي استفدته من هذه الرحلة الزمنية الطويلة برفقة هذا الرجل الفريد في أخلاقه وتعامله مع الناس؟ فأقول: إن أبرز صفاته التواضع مع عزة النفس، فما رأيته شامخاً بأنفه مع أي فرد من الناس، مهماً كان مستواه المادي والاجتماعي، فهو يبدأ جلساءه، في مجلسه أو مجلس غيره بالسلام والتحية والاستقبال والتوديع أياً يكن سن أحدهم، لا يحابي شخصاً لغناه أو مركزه الاجتماعي، كما انه لا يحتقر شخصاً لفقره وموقعه الاجتماعي أو مظهره الخارجي.
ومن أخلاقه البارزة أنه لا يغتاب أحداً، ولا يرضى باغتيابه في حضرته، مهما تكن العلاقة التي تربطه به، سلباً أو إيجاباً.
ومعروف عن شيخنا الجليل (رحمه الله) حرصه الدائم على علاقاته القديمة، فلا يتجاهلها أو يهملها، بل يغتنم أية فرصة لتجديد هذه العلاقات عن طريق الزيارة المباشرة أو الاتصال، لتبقى هذه العلاقات حية مستمرة، تواكب الزمن، وخصوصاً مع أهله وأسرته وموطنه الذي يعتز به كثيراً (بني جمرة).
ومن خصوصيات فقيدنا الغالي أنه لا يرد دعوة داع مهما يكن الهدف منها، مادامت تخدم المجتمع وتصب في (مصلحة المجتمع) وعلى سبيل المثال: كثيراً ما يدعى من قبل أهالي مدينة أو قرية ما، أو إلقاء محاضرة أو المشاركة في ندوة وغير ذلك، وكان يجيب هذه الدعوات بكل سرور، وفوق هذا كان يستخدم سيارته الخاصة ويذهب وحده لتلبية الدعوات،على رغم الأخطار المحيطة به، واحتمال تسلل الأيدي الآثمة للغدر به، وكنا ننصحه بعدم الذهاب وحده، ونقترح عليه الذهاب مع صحبه مرافقين منا، أو مرافقين من القرية أو المدينة الداعية، وكان يستجيب في كثير من الأحيان.
هذه وقفات قصيرة عند سيرة حافلة بالبذل والعطاء، دون حدود، لرجل نذر حياته لخدمة الأمة نسأل الله أن يعوضنا خسارتنا بفقده وأن يلهم أهله ومحبيه وجميع الأمة الصبر والسلوان?
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1575 - الخميس 28 ديسمبر 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1427هـ