العدد 1575 - الخميس 28 ديسمبر 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1427هـ

أي أفق لمنتدى المستقبل؟ أي دور لمنظمات المجتمع المدني؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

انعقد في مدينة الشونة على ضفاف البحر الميت بالأردن منتدى المستقبل في دورته الثالثة، في 30 أكتوبر - 1 نوفمبر2006، وتزامن انعقاده مع زيارة الرئيس جورج بوش إلى عمّان يومي 29-30 أكتوبر اذ عقد اجتماعات مع الملك الأردني عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فيما اجتمعت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس مع كمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وأيهودا اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي. وعلى خلاف الدورتين السابقتين لمنتدى المستقبل إذ كانت الآمال كبيرة بانطلاق مرحلة جديدة من التعاون بين الدول الثمان الكبرى ودول ما يعرف الشرق الأوسط الواسع (أي الدول العربية ودول غربي آسيا)، فقد انعقدت الدورة الثالثة في أجواء يخيم عليها شبح الحرب الأهلية في العراق ولبنان وحرب إسرائيلية مدمرة ضد لبنان قبل أشهر قليلة، فيما الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني مستمرة، كما أن شبح الأزمة النووية الإيرانية تلقي بظلالها على المنطقة، منذرة بمواجهة واسعة.

وإذا كانت السنة الأولى من حياة المنتدى أي تلك الفاصلة بين الدورة الأولى في الرباط في ديسمبر 2004 والدورة الثانية في البحرين في نوفمبر 2005 هي سنة المخاض لتحديد اتجاهات المنتدى وبلورة الأفكار والمشروعات، وأن السنة الثانية الفاصلة بين الدورة الثانية في البحرين في نوفمبر 2005 والدورة الثالثة في الشّونة في نوفمبر 2006 هي سنة تأسيس هياكل ومؤسسات المنتدى، فقد كان يتوقع أن تقلع بعض المشروعات. لكن الذي حدث هو أن أهم مؤسستين أقّرتا في دورة البحرين وهما مؤسسة المستقبل وصندوق المستقبل لايزالان حتى الآن مؤسستين على الورق. ولم توف الدول العربية بالتزامها بالمساهمة في مؤسسة المستقبل. أما الدول الكبرى الثماني وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فقد برزت لديها أولويات جعلت دعم برامج الإصلاح والتحول الديمقراطية والتنمية، في مرتبة ثانية. إن تدهور الأوضاع في العراق وتفجر الصراع العربي الإسرائيلي، كما تجلى في حرب «إسرائيل» ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني، واستمرار ما يعرف بالحرب على الإرهاب، والأزمة النووية الإيرانية، جعل الولايات المتحدة تعطى الأهمية للتحالف مع من تسميهم الأنظمة الصديقة المعتدلة، في مواجهة الأنظمة والقوى المتطرفة المعاديه. الأنظمة العربية من ناحية أخرى، أدركت حاجة الولايات المتحدة للتحالف معها فيما يسمى الحرب على الإرهابوبالتالي فأنها ليست عرضة للضغوط الأميركية من أجل الإصلاح السياسي واكتفت بما يعرف بالإصلاحات الأخرى في مجالات الاقتصاد والتعليم وغيرها وهو لن يؤثر على سلطة هذه الأنظمة جوهرياً.كذلك الأمر بالنسبة الى شركاء الولايات المتحدة (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، روسيا، اليابان وكندا) فهؤلاء لهم أولوياتهم أيضاً والتي لا تتطابق بالضرورة مع أولويات الولايات المتحدة. فرنسا بالذات وإلى درجة ما الاتحاد الأوروبي، يريدون تعزيز وتوسيع مشروع التعاون الأوروبي المتوسطي لكي يشمل الجزيرة العربية والعراق وقد تضم إليها إيران والباكستان.

مؤتمر موازٍ ومظاهرة احتجاجية

جاء انعقاد منتدى المستقبل في دورته الثالثة في الأردن مترافقاً مع زيارة الرئيس بوش للأردن للاجتماع بالملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ما سخن من حرارة الأجواء السياسية، فالمعروف أن تراكمات السياسة الأميركية والإسرائيلية وخصوصاً الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد لبنان وفلسطين والحرب الأميركية في العراق، جعلت الساحة الأردنية موقعاً متقدماً للتصدي للسياسة الأميركية الإسرائيلية، كما أن حصيلة السياسة الأميركية السلبية تحت يافطة الشرق الأوسط الكبير ومنتدى المستقبل، خلقت حساسية مفرطة تجاه هذه المشروعات.

على امتداد أشهر لم تتوصل القوى السياسية والمنظمات الأهلية الأردنية إلى اتفاق بشأن التعاطي مع منتدى المستقبل أو تشكيل لجنة تحضيرية مشتركة لمؤتمر مواز كما حصل في البحرين العام الماضي. من هنا كان الانقسام واضحاً بين هذه القوى، إذ جرى التحضير لمؤتمر مواز ومؤتمر معارض لمنتدى المستقبل والحقيقة أنه يجب ألا يفهم أن المؤتمر الموازي هو مؤتمر مؤيد لمنتدى المستقبل والمشروعات الأميركية بالمنطقة العربية وبمقدمتها مشروع الشرق الأوسط الكبير.

تشكلت لجنة تحضيرية من الجمعيات الأهلية الأردنية برئاسة عاصم ربايعه، رئيس مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان، والحقيقة أن تأخر تشكيل اللجنة التحضيرية بسبب هذه الخلافات، قد انعكس في صورة إرباكات مثل عدم جاهزية أوراق العمل مثلاً. وبحسب قول المنظمين فقد تمت دعوة ما يقارب 150 مندوباً من البلدان العربية وغربي آسيا ومنظمة لا سلم بلا عدالة الإيطالية التي تشارك في مسار الحوار من أجل الديمقراطية (DAD)، فيما شارك في المؤتمر من خارج الأردن ما يقارب 40 مندوباً على حسابهم، فقد كان المؤتمر مفتوحاً أمام المنظمات والشخصيات الأردنية من دون قيود.

على امتداد يومين عقد المؤتمر جلسة افتتاحية وخمس جلسات عامة وسبع ورش، وقد شملت الجلسات العامة المواضيع التالية:الوضع الإقليمي والمجتمع المدني، حالة الديمقراطية في المنطقة، حركات التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية، الأزمات والنزاعات الإقليمية وأثرها على عملية التغيير والإصلاح الديمقراطي، تجربة بناء التحالفات بين منظمات المجتمع المدني العربية، إلى جانب الجلسات العامة عقدت سبع ورش غطت محاور البيئة القانونية والمجتمع، التعددية السياسية والانتخابات، سيادة القانون والقضاء المستقل، الإعلام المستقل، الشفافية ومكافحة الفساد، التمكين السياسي والاقتصادي للمرأة، التمكين السياسي والاقتصادي للشباب.

هموم المجتمع العربي

في بداية المؤتمر ألقى منسق المؤتمر الموازي عبدالنبي العكري الذي انعقد في البحرين قبل عام وقبيل انعقاد منتدى المستقبل الذي انعقد في البحرين، كلمة لخص فيها تجربة عام من نضال الشعوب العربية من أجل الديمقراطية والإصلاح، وممانعة الأنظمة العربية بل وامتناعها عن الإصلاح الحقيقي والديمقراطية الحقيقية، اذ تأتي الإصلاحات خجولة واستجابة لإغراءات الخارج، أو لإحباط الحركة الجماهيرية المطالبة بالإصلاح. واقترح على المشاركين قراءة توصيات المؤتمر الموازي في مملكة البحرين. والتدقيق فيما تحقق منها وما لم يتحقق، وكذلك التدقيق في توصيات منتدى المستقبل الرسمي للدول الكبرى الثمان ودول المنطقة العربية وغرب آسيا، لنكتشف حجم التراجع عن هذه الوعود، ورجوعها إلى المربع الأول، إذ أولوية هذه الدول في ما يدعونه بمكافحة الإرهاب، وإخراج الولايات المتحدة من ورطتها في العراق، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز ما يدعى بالأنظمة «المعتدلة» الحليفة للغرب وعزل الأنظمة الممانعة لسيطرة الغرب وحليفتها الوحيدة «إسرائيل».

قدمت إلى المؤتمر عدة أوراق في موضوعات التي تناولتها الجلسات العامة وكذلك الموضوعات المتخصصة التي ناقشتها ورش العمل.

بالطبع هناك تباينات كبيرة في الأطروحات والمعالجات، وهو شيء طبيعي وقد انعكس ذلك في المناقشات المحتدمة لمشروع البيان الختامي، ما اضطر المنظمين إلى رفع الجلسة العامة لساعات، ثم العودة مرة أخرى بصيغة أخذت في الاعتبار مداخلات أعضاء المؤتمر.

هناك قواسم مشتركة في أوراق العمل المقدمة للمؤتمر وآراء المندوبين المشاركين في المؤتمر وقد انعكست في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر وتوصيات ورش العمل السبعة، وأهمها:

إن الأولوية لدى الولايات المتحدة حالياً ليس إقامة أنظمة ديمقراطية وإجراء إصلاحات في الأنظمة الحليفة لها واستبدال الأنظمة ألأستبداديه بأنظمة «ديمقراطية» موالية، وإنما إقامة ما سمته د. كونديلسا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية تحالف القوى المعتدلة في مواجهة الأنظمة المتطرفة والقوى المتطرفة أي تحالف الأنظمة العربية وتركيا والباكستان (الحليفة) و«إسرائيل» لاحتواء ثم الإطاحة بالأنظمة المعادية (سورية وإيران) والمنظمات «الإرهابية» (حزب الله وحماس) وأمثالهم.

تريد الولايات المتحدة الخروج من ورطتها في العراق، وبالتالي فإن التبشير بالنموذج الديمقراطي العراقي لم يعد قائماً، ومن هنا فإن الولايات المتحدة تريد من حلفائها الغربيين في المنطقة، تحمل أعباء الاحتلال، والضغط على الفرقاء العراقيين لتسهيل هذا الخروج.

إن الهم الثاني للولايات المتحدة وإسرائيل هو المشروع النووي الإيراني لأغراض الطاقة.و على رغم معرفة الولايات المتحدة جيداً بأن إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة وإقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهودا المرت بذلك، إلا أن الولايات المتحدة و»إسرائيل» تبتزان الدول العربية أولاً والعالم ثانياً، حتى يتحولوا بأنظارهم من خطر إسرائيل الفعلي إلى خطر إيران الوهمي، والولايات المتحدة وإسرائيل تحضران الأجواء لضربة محتملة ضد إيران.

إن تجربة هذا العام والأعوام التي سبقته تظهر غياب العزيمة الفعلية من قبل دول المنطقة عن إجراء إصلاحات حقيقية عميقة وتحول ديمقراطي فعلي وتعزيز حقيقي لحقوق الإنسان، إن ما شاهدناه من إجراء انتخابات نيابية أو رئاسية لأول مرة أو إعادة انتخابات، أو مظاهر للتعديدية، لا تؤدي إلى تداول للسلطة بل تكريس للسلطة القائمة، وإجهاض للتحول الديمقراطي الحقيقي وإفراغ النظام الديمقراطي من مضمونه. وفي هذا الصدد فإن الأنظمة الحاكمة تقوم بتخريب الحياة السياسية والمدنية بتفريخ الأحزاب الموالية والمنظمات الأهلية الموالية، والتفنن في السيطرة على المجتمع ومنظماته وتهميش المعارضة.

توقفت الولايات المتحدة ومعها دول الغرب عن الانتقادات الخجولة لانتهاكات لأنظمة المنطقة سواء بتزويرها الانتخابات أو التنكيل بقوى المعارضة أو لانتهاكاتها الفاضحة لحقوق الإنسان.

لا يمكن الفصل بين واقع الاحتلال الأمريكي للعراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان، وما بين مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبناه الولايات المتحدة. فلا يعقل أن تكون صاحبة الفوضى الخلاقة مهندس البناء والإصلاح. ومن هنا فإن إزالة الاحتلال وإيقاف العدوان متلازمة مع الإصلاح والتحول الديمقراطي الحقيقي.

بالرغم من التأكيد لفظيا على أهمية شراكة المجتمع المدني ومنظماته مع الحكومات في مشروع الإصلاح والتحول الديمقراطي، إلا أن الحقيقة هي أن دور منظمات المجتمع المدني هامشي حتى الآن، وإذا أخذنا تشكيلة «مؤسسة المستقبل» فإنها أقرب إلى مؤسسة رسمية ملحقة بالحكومات.

لقد حمل المؤتمر الموازي توصياته إلى منتدى المستقبل، وقد كان الحيز المتاح لممثلي المجتمع المدني أضيق بكثير وسمح لهم بمداخلات محدودة وليس كلمات.لم يكن لديهم وهم بأن دورهم حاسم في مسار المؤتمر، ولكن تبين أن الأنظمة العربية لم تعد ترغب بتاتاً في شراكة مع المجتمع المدني، بل ولا حتى استشارته. وتولدت قناعة بأن قوى المجتمع المدني العربي مشتتة وضعيفة وتتنافس أحياناً على الفئات.من هنا فقد اقتنع المشاركون بضرورة لم الصفوف، وتأكيد استقلالية منظماتهم عن دولهم. وكما طرح شمس الواعظين، فإن مصالحة مابين الإسلاميين الإصلاحيين والديمقراطيين العلمانيين، شرط تاريخي لنهوض المجتمع المدني، وتشكيل تحالف تاريخي من أجل الإصلاح والديمقراطية. كما أكد المشاركون أن التحالف مابين المنظمات الأهلية والأحزاب والنقابات شرط ضروري لهذا النهوض، فلا ديمقراطية حقه بدون أحزاب ونقابات. بناء على ما تقدم فهناك قناعة بضرورة تشكيل هذا التحالف في كل بلد عربي، وعلى مستوى المنطقة العربية.

لم يكن مؤتمرعمّان إلا محطة في لقاءات عربية، تكرر ذات الهم وتطرح ذات المعضلات التي يواجهها المجتمع العربي والتحديات التي تواجهها الأمة العربية والشعوب الصديقة المجاورة.وهذه المعضلات أضحت معروفة، وأعداء الأمة الخارجيين وفي الداخل معروفون وهم متحالفون استراتيجياً. لذى فالتعويل على افتراق الولايات المتحدة عن الأنظمة الحلفية هنا، غير وارد، وها هي الولايات المتحدة عادت إلى صيغة تحالف المعتدلين ضد المتطرفين. فالمراهنة في التغيير وإجراء تحول ديمقراطي حقيقي رهن بقوى المجتمع الداخلية وتكاتفها، وتحالف الشعوب ودعمها لبعضها، ويمكن القول أن مشروع الشرق الأوسط الكبير كمشروع «إصلاحي» دخل مرحلة الانـحدار ولن نستغرب أن يستبدل قريباً بمشروع آخر للتمويه والاستمرار في تضليل الشعوب?

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1575 - الخميس 28 ديسمبر 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً