وفي ختام هذه الحلقات نعود إلى ما قاله شتيغلتز، والذي يبدو أن المقصود منه التحذير من تناقضات العولمة، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن ما تفرزه عمليات العولمة من تفاعلات وقوى واتجاهات عامة مضادة تولد التناقضات في رحمها، الأمر الذي من شأنه أن يعرقل مسيرتها، وقد يؤدي ذلك، في مرحلة لاحقة إلى وقف حركتها، ومن أهم هذه التناقضات التي ينبغي التمعن فيها ما يلي:
1- الاتجاهات الكامنة في عمليات العولمة إلى النمو غير المتكافئ والتركز في الثروة وازدياد التفاوت في توزيع الدخل؛ إذ تتآكل الطبقة الوسطى لحساب الطبقات الفقيرة، ويصدق هذا على تطوّر الأمور داخل الدولة الواحدة، كما يصدق على توزيع الدخل والثروة بين الدول، وخصوصاً بين الدول المتقدمة والدول النامية، وكذلك تعرُّض بعض الدول للتهميش.
2- زيادة احتمالات التعرض للصدمات الخارجية في الوقت الذي تعجز فيه دول كثيرة عن مواجهة هذه الصدمات بقواها الذاتية أو من خلال الدعم الدولي بما في ذلك دول كبيرة كالمكسيك والبرازيل.
3- إن الضغوط التنافسية المرتبطة بالعولمة والتسابق على الفوز بالأسواق تجعل الحكومات تتحيز لرأس المال على حساب العمال، فتخفف الحكومات من الضرائب على رجال الأعمال، وتمنحهم الكثير من المزايا والإعفاءات حتى تجتذبهم للاستثمار المحلي وتصرفهم عن التفكير في النزوح للاستثمار في الخارج، وفي الوقت نفسه وذات الهدف تعمل الحكومات على الحد من الامتيازات التي يحصل عليها العمال وتحد من اتجاهات رفع الأجور، وذلك بدعوى تخفيض كلفة الإنتاج ورفع درجة تنافسية المنتجات الوطنية في الداخل والخارج.
4- التناقض بين عولمة رأس المال ووطنية العمل، فعلى خلاف صيحة ماركس «يا عمال العالم... اتحدوا» فإن الرأس ماليين هم الذين اتحدوا بالفعل عبر الحدود الوطنية بينما بقي العمال أسرى الحدود الوطنية، وهنا يبرز نوع جديد من عدم التكافؤ في القوى بين العمل ورأس المال يضاف إلى عدم التكافؤ التقليدي بينهما.
5- اتجاه الاقتصاد إلى العولمة في غياب حكومة عالمية تملك صلاحيات التدخل لضبط قوى السوق والحد من شطط العولمة.
6- الاتجاه العدائي للعولمة انطلاقًا من الشعور لدى الكثيرين من أبناء الدول النامية بأن العولمة تستهدف القضاء على خصوصياتهم الثقافية وتميزهم الحضاري.
في هذا السياق وعودة إلى ما قاله شتيغلتز نجده لا ينكر أن نمو الاقتصاد الهندي قد فاق التوقعات المقدرة له، فبلغ معدله السنوي 9.3 في المئة خلال الربع الأول من العام 2006. كما نما القطاع الزراعي الهندي، الذي يشكل نحو ربع الحجم الإجمالي للاقتصاد الهندي، بنسبة 5.5 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، حسبما قالت الهيئة المركزية للإحصاءات.
ولكن شتيغلتز يرى أن هذه الزيادة الملحوظة في أداء الاقتصاد لا تعود الى نمو حقيقي.
ويقول: «إن هذا النمو جاء نتيجة تغيير الحكومات المحلية لسياساتها الاقتصادية بحيث أصبحت تميل أكثر للتعامل المفتوح مع السوق».
«إن هذا النمو جاء نتيجة تغيير الحكومات المحلية لسياساتها الاقتصادية بحيث أصبحت تميل أكثر للتعامل المفتوح مع السوق».
ويتفق العالم الاقتصادي شتيغلتز في الرأي مع بعض خبراء الاقتصاد الذين أعربوا عن قلقهم من أن يكون النمو الهندي محدوداً ما لم يتم زيادة الاستثمارات العامة في قطاعات البنية التحتية، بما فيها الموانئ والمطارات والطرق وإمدادات الكهرباء. كما أن وزير المالية الهندي بي تشيدامبارام حذر أيضا من أن النمو الاقتصادي قد لا يستمر من دون القيام بإصلاحات، والالتزام بها على المدى الطويل.
وقال: إن الممارسات الناجمة عن تحرير التجارة عالمياً تؤدي إلى عدم المساواة وظلم بعض الدول النامية بالضغط على مواردها الاقتصادية.
ويضرب البروفيسور شتيغلتز مثلا على ذلك بالمزارعين المعوزين في الهند، فيقول: ان ارتفاع نسبة الانتحار بين مزارعي القطن في الهند نظراً لارتفاع مديونياتهم، هي نتيجة حتمية للدعم الذي تقدمه الحكومة الأميركية لمزارعي القطن الأميركيين لضمان انخفاض أسعار القطن في العالم.
والمعروف أن الاقتصاد الهندي من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، فضلا عن أن الهند باتت تجذب استثمارات أجنبية بشكل متزايد?
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ