يحز في النفس فعلاً تجاهل المجلس الأعلى للقضاء طاقات وإمكانات أقسام الفلك في جامعة الملك سعود بالرياض، وجامعة الملك عبدالعزيز بمدينة جدة، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض عند تحديد مطلع الشهور القمرية، والاكتفاء فقط بترائ خاطئ أو خداع بصري لهلال ذي الحجة الذي لا يمكن رؤيته إطلاقاً في كل الدول الإسلامية في مساء الأربعاء ليلة الخميس الموافق 29/11/1427 هـ، لكونه أولاً يغرب في مكة المكرمة قبل غروب الشمس بنحو 15 دقيقة، حيث يولد الهلال في الساعة 5:02 في مكة المكرمة، وغروب الشمس حينها في الساعة 5:43 مساء، وغروب الهلال 5:29 مساء، وعمر الهلال 41 دقيقة فقط! كيف يتم تصديق مثل تلك الشهادات غير المنطقية؟
فإن صدقنا بأن هناك بضعة أفراد من بين 5 مليارات من البشر على كوكب الأرض يستطيعون رؤية خزانات الماء في باطن الأرض ورؤية ضوء شمعة على سطح القمر، فإنه فقط حينها سنصدق رؤية شهود هلال ذي الحجة في المملكة العربية السعودية الشقيقة. فإذا كان الرقم القياسي العالمي في تصوير الهلال بالتلسكوبات المتقدمة بالاستعانة بالفلترات الخاصة هو ربما 10 ساعات، فكيف يمكن رؤية هلال عمره 41 دقيقة فقط وهو أسفل الأفق!؟ إن الوقوف بعرفة ليس رهن هيئة الرؤية في المملكة العربية السعودية فقط، التي تنفرد بقرارها للأسف ولا ترتكن بآراء علمائها المختصين، وهي الهيئة التي تتخذ قوله تعالى «وأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (الانبياء:7). كيف يمكن استشارة خبّاز في شئون المفاعلات النووية والعكس صحيح؟ هل لكون أن الحرارة هي العامل المشترك! كيف ترضى الهيئة الإسراف في الأموال المنفقة على تدريس علم الفلك في جامعات المملكة العربية السعودية، والاستخفاف بقدرات محاضريها وخريجيها ومختبراتها؟ ألم تنفق المملكة العربية ملايين الريالات لإنشاء نحو 11 مرصداً متقدماً لرصد الأهلة؟ لم لا تأبه للأمر السامي القاضي بتشكيل لجان لرصد الأهلة إذ زودت تلك اللجان بأحدث الأجهزة والمعدات الفلكية، ولم ترصد عيون تلسكوباتها أثراً لهلال أو خداع هلال (سراب قطبي)، علماً بأن هذه اللجان ضمت مندوباً من وزارة الداخلية (رئيساً) وعضوين من وزارة العدل ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. لقد تم تشكيل لجان في الشقيقة المملكة العربية السعوية - التي أفخر أن كنت أحد خريجيها - لرصد هلال ذي الحجة 1427 هـ، وتم توزيعها على أربع مناطق في المملكة شملت الرياض ومكة المكرمة والقصيم وحائل، وذلك على النحو التالي:
1- لجنة منطقة الرياض برئاسة الشيخ راشد بن عبدالعزيز الرشود (أمارة منطقة الرياض) وعضوية الشيخ ناصر بن حمد السكاكر (وزارة العدل) وزكي بن عبدالرحمن المصطفى (مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية).
2- لجنة منطقة مكة المكرمة برئاسة خالد بن حمود البقمي (امارة منطقة مكة المكرمة) وعضوية الشيخ محمد بن مقبول الصبحي (وزارة العدل) وسعد بن محمد الشهري (مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية).
3- لجنة منطقة القصيم برئاسة صالح بن محمد البرادي (امارة منطقة القصيم) وعضوية الشيخ صالح بن محمد الونيان (وزارة العدل) وصالح بن محمد الصعب (مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية).
4-لجنة منطقة حائل برئاسة محمد بن عبدالعزيز العلي (امارة منطقة حائل)، وعضوية الشيخ خالد بن سعود العوض (وزارة العدل) وعبدالعزيز بن سلطان الشمري (مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية).
إنني أثني على ما سأل به أحد كتاب صحيفة «الرياض» قائلاً «أما لاستهلال الأشهر القمرية من حل؟ فالبوادر هذه السنة تنبئ بحدوث أزمة جديدة، وهي الخلاف على هلال ذي الحجة لتعيدنا إلى العام قبل الماضي (1425هـ)، ما أحدث أزمة كبيرة وربكة في حركة الحجاج، فما أن أعلن دخول الشهر ومضى أكثر من خمسة أيام حتى أعلن مجلس القضاء الأعلى أن الهلال قد دخل قبل الذي تم الإعلان عنه، الأمر الذي كبد العديد من الخسائر وأدخل الحجاج في متاهات كبيرة جعلت الجميع يسأا: ألا يوجد حل لرؤية الهلال فالفلكيون مازالوا مختلفين!»
إن البيان المقتضب الذي يصدر من الهيئة أو المجلس الأعلى للقضاء بخصوص نتائج تحرى هلال ذي الحجة لا يرضي عموم المسلمين ولا حتى المختصين في علوم الفلك الشرعي والمسلمين الغيورين على دينهم من الفلكيين والحاسبين؛ فهناك الكثير من المسلمين بشتى مذاهبهم لا يدرون هل وقوفهم يوم الجمعة صحيح أم يوم السبت هو الأكثر صحة لأن جموع الفلكيين يجمعون على أن السبت هو يوم الوقوف بعرفة.
والسؤال هو: ما يمنع المجلس الأعلى للقضاء من بث شهادة الشهود على الهواء بوجود مختصين من علماء الفلك في المملكة العربية السعودية مع علماء من مصر والأردن والمغرب وماليزيا أن يكونوا ضمن المحاورين؛ فالوقوف في عرفة ليس كالصوم نظراً لأن الحاسب الفلكي المتيقن من الحساب يمكنه شرعاً عدم الصوم في يوم الإعلان الرسمي عن بداية شهر رمضان، ويمكنه الخروج عن الجماعة أو أن يقضي يوماً آخر، ولكن بالنسبة ليوم الوقوف بعرفة لا يمكنه أن يقف وحيداً (أو يقفون) أو مخالفاً (أو مخالفين) في يومٍ غير المرخّص به من قبل السلطات السعودية منعاً للإرباك، إذ يقدّر الجميع ما تبذله المملكة العربية السعودية من اهتمام جبار في راحة الحجاج، إذ أن الجميع يجزم بأن آل سعود وحكومة المملكة العربية السعودية عبر سنواتها قد بذلوا الكثير من المال والمدخرات والإمكانات خدمة لهذا البيت العتيق وللمسجد النبوي الشريف.
لماذا يتجاهل المجلس الأعلى للقضاء حسابات تقويم أم القرى الذي هو التقويم الرسمي للمملكة العربية السعودية، الذي وضع على أسس علمية فلكية دقيقة ويتم إعداده باستخدام أحدث أجهزة الحاسب الآلي، وذلك بتحديد موعد غروب الشمس وغروب القمر في مكة المكرمة ولأقرب ثانية، وتحديد موعد الاقتران، وتحديد مواعيد الصلاة. وهذا التقويم - والتقويم الإسلامي الموحد الذي وضع معاييره ممثلون رسميون من 58 دولة إسلامية العام 1998 في مدينة جدة من علماء الشريعة والفلك في اجتماع توحيد الأهلة بتنظيم كبير من منظمة العالم الإسلامي - احداثيات مكة المكرمة وأن يغرب القمر بعد غروب الشمس في مكة المكرمة في آخر ليلة من الشهر الهجري القمري ليكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد.
أننا نتمنى أن يوافق المجلس الأعلى للقضاء باستجواب الشهود من قبل لجنة إسلامية من عدة أطراف، وعلى التلفزيون السعودي وعلى الهواء مباشرة قبل يوم الخميس المقبل لنرى من هو الذي فقد الصواب؛ هل أولئك الذين يعرضون نتائج حساباتهم من كسوف وخسوف عبور كوكبي الزهرة وغيرها من الظواهر على تلفزيونات العالم أم الشهود الذين قد ترآى لهم «خداع الهلال» أو ربما رصدوا «كوكب الزهرة» الذي كان على يمين الشمس بالنسبة للراصد وعلى ارتفاع 10 درجات في مكة المكرمة لحظة غروب الشمس؟ وإن ثبت الحق فيجب إعادة الأمور إلى نصابها.
والله من وراء القصد?
إقرأ أيضا لـ "وهيب عيسى الناصر"العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ