حدد تقرير التنمية البشرية 2006 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الصادر الشهر الماضي تحت عنوان “ما هو أبعد من الندرة: القوة والفقر وأزمة المياه العالمية” 8 أهداف اعتبرها بمثابة غايات محددة زمنياً للعالم تهدف إلى التغلب على الفقر المدقع وتوسيع نطاق الحرية البشرية. واعتبر التقرير أن هذه الأهداف هي أكثر من مجرد مجموعة من النقاط الكمية التي يلتزم بتحقيقها بحلول العام 2015.
وبالعودة لتقرير التنمية البشرية للعام 2005، نقول أن تقرير هذا العام لم يأت بجديد إذ اعتادت هذه التقارير رسم صورة قاتمة لمسيرة الجهود المبذولة للوفاء بالأهداف الإنمائية المقرر إنجازها في العام 2015. وكما ذكر تقرير العام الماضي: “قبل خمس عشرة سنة، تطلع تقرير التنمية البشرية الأول قدماً إلى عقد من التقدم المتسارع، وتنبأ، متفائلاً، بأن (تسعينات القرن العشرين تتطور كعقد للتنمية البشرية. لأنه نادراً ما يوجد مثل هذا الإجماع على الأهداف الحقيقية لاستراتيجيات التنمية). اليوم، مثلما في العام 1990، لم ينتج حتى الآن إجراءات عملية ـ كما أن هناك دلائل عن العقد المقبل تُنذر بالسوء، فثمة خطر حقيقي من أن الأعوام العشرة المقبلة، شأنها في ذلك شأن السنوات الخمس عشرة الماضية، ستقدم للتنمية البشرية أقل بكثير مما يعد به التوافق الجديد، موضحاً أن الدخل لأغنى 500 إنسان في العالم يفوق دخل أفقر 416 مليوناً من أبنائه. وفضلاً عن طرفي النقيض هذين، فإن 2500 مليون إنسان ـ يكونون 40 في المئة من سكان العالم ـ يعيش الواحد منهم بأقل من دولارين في اليوم ولا يحققون سوى 5 في المئة من الدخل العالمي الشامل، في حين أن أغنى 10 في المئة، يعيشون بأجمعهم تقريباً في بلدان الدخل المرتفع، يحققون 54 في المئة”.
لذلك يمكن القول: إن تقارير التنمية البشرية الأممية في معالجاتها لمعضلة التنمية في أبعادها الإنسانية والبشرية، دأبت على تشخيص المشكلة دون أن تضع الحلول الناجعة.
كما أن الصحيح ان هذه التقارير تدعو إلى وضع ميثاق للتكامل الاجتماعي والاقتصادي بين الشمال والجنوب للعمل معاً من أجل تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، إلا أننا نقول إن هذه التقارير فشلت في توفير دعم كاف لجهود الإصلاح حول العالم، بل وواجهت هذه الجهود مصاعب دأبت على وضعها الدول الصناعية نفسها، وأحيانا بعض منظمات الأمم المتحدة مثل: صندوق النقد الدولي أيضا. وقد لا يكون المجال ملائماً هنا للدخول في تفاصيل هذا الموضوع إلا انه أصبح واضحاً إن المصالح الاقتصادية باتت محركا رئيسيا للصراعات السياسية وحتى الاقتصادية وكثيرا ما حاولت الدول الصناعية التصرف على أساس ان الإيفاء بمصالح الدول النامية يعنى التنازل عن جزء من رفاهيتها الاقتصادية والاجتماعية مما يدخل الاثنين في مواجهات مستمرة تأخذ مختلف الاشكال المشروعة وغير المشروعة. وهكذا فإن الطريق إلى تحقيق أهداف ومنطلقات التنمية الاقتصادية والبشرية كما رسمها التقرير الدولي سيعتمد على أكثر بكثير من مجرد تصفية النوايا وتنقيتها.
ان القادم من الأيام يحمل تحديات أكبر ومن شأنها ان تسلط الضوء بصورة أشد على نقاط الضعف، خصوصاً فيما يتعلق بالضغوط المتزايدة على أنماط ومستويات الحياة المرفهة نسبياً التي أوجدتها سنوات السبعينات والثمانينات في دول المنطقة. لذلك فإن إعادة صياغة برامج التنمية الاقتصادية بما يؤمن تنمية بشرية وطنية حقيقية ومشاركة اجتماعية أوسع يمثل في الوقت نفسه مدخلا رئيسياً لتجاوز تلك الضغوط والحفاظ وتطوير ما تحقق من إنجازات?
العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ