العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ

رهان الكتابة في الأمل

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الكتابة عن السعادة تتطلب شحناً عاطفياً في جانبه المضيء. الزميل عادل مرزوق، يأخذ عليّ كتابتي الممعنة في ترويج اليأس والحث عليه (مازحاً في معمل التدخين). وظيفتي ووظيفتك هي التعامل مع ما يدور من حولنا بأمانة ولو ضمن حدودها الدنيا. قلتُ.

ثم ما هي تلك المدعوّة: السعادة؟ تظل نسبية أليس كذلك؟ فيما اليأس - ضمن حال واقعة وقائمة - يتفنن في تجاوز الأفق والمدى المفترض. وفي الكتابة والمعنيين بها، تظل السعادة ضرباً من لبن النوق العصافير، تلك التي كاد أن يهلك بسببها فارس العرب الشهير عنترة بن شداد، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار أن أكبر مساحة وكمية من السعادة يمكن أن تتاح لأي كاتب، هي في إنجاز نصه - ليس أي نص - نص يدفع به إلى ترك كثيرين في حال من الوجوم، وأحيانا إمطاره بسيل من الشتائم المحبّبة، لوقع النص عليهم.

تلك سعادة يا شقيقي لا أعادل بها أي استدراج مغرٍ في الدنيا، بدءا بتبوء منصب وزاري، وليس انتهاء بانتشالك من حال المديونية والصعلكة، الى حال من الرفاهية والضلوع في الوسط الارستقراطي، وهي مرحلة لن أواري يأسي باستحالة بلوغها في ظل مجتمع قائم على المحسوبية، والقبلية، والعشيرة، والفساد، والولاء الأعمى!

فقط التقط تعبير الممثلة الايطالية أورنيلا موتي: «أجل، أخاف أن أتحول في لحظة ما إلى شظايا». لا أدّعي في كثير من «اليأس» الذي بثثته في كتاباتي - بحسب تعبير مرزوق - أن أكون متفائلاً بشكل مجاني، بحسب تعبير ورفاهية الممثلة الفرنسية كاترين دونوف: «في كل أعمالي حاولت أن أقنع العذاب بأن يكون جميلاً... أعتقد انني نجحت في ذلك». لأنني لم أحاول مثل ذلك الإقناع، وليست تلك وظيفتي. وظيفتي أن أقف على حال النفس الإنسانية كما هي من دون رتوش أو مساحيق، أن أقف على الماثل والحاضر والمقيم، ذلك الذي يشي بازدهار ملفت ليأس له مريدوه وأنصاره والمنافحون عنه. يأس يتعاطى مع الواقع كما هو... يسمّيه... يشير إليه بأكثر من سبّابة، ومثل ذلك الذهاب في تعميم السبّابات، اشارة ما إلى أمل كامن... أمل مرتجى... أمل يراد له أن يتمثل الحياة وتفاصيلها.

نحن أولاً وأخيراً: «أولاد الأزقة» الذين هم بالدرجة الأولى، «أولاد المطر» بحسب تعبير فاليري، ولن يتسنى أن نكون كذلك، ما لم نكن محصنين بالأمل، ولكن التحصين بالأمل لا يعني بالضرورة غض الطرف عن مؤشرات وملامح اليأس. لا أحد في الدنيا يركل سعادة تريده أو حتى تراوده عن نفسه، لا سعادة غير مرحب بها، ولا أمل يثير قلاقل تطال هيكل وبنية الدولة والإنسان، إذ يظل في الصميم من المقاطعة والاقصاء والنبذ.

أريد لها سعادة السهروردي في مجلسه يوم أن أنشد القطب:

ما في الصحاب أخو وجدٍ تطارحه

إلا محبُّ له في الركب محبوبُ

وكرّره فلم يتأتَ له إكماله، فقام شاب وأنشد:

كأنما يوسفٌ في كل راحلة

له وفي كل بيت منه يعقوبُ

وحينها صاح القطب، ونزل من على المنبر، وقصد الشاب فلم يجده، ووجد مكانه حفرة فيها دم!

وسيرصد مثل هذا الشاهد على أنه نهاية أمل، وصميم يأس. لا بأس في ذلك.

لا أملك إمكانات ادّعاء استطاعتي «أن أضيء بصوتي البعد الاحتفالي في الحياة» بحسب تعبير المغني الأوبر إلى الشهير بافاروتي، ولكنني أحاول أن أضيء الصوت النقيض في مجتمعات لا تحتفل بالحياة بقدر احتفالها بالموت واليأس والفساد والامعان في الذهاب إلى النقيض من رؤية بافاروتي?

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً