يتعرض المواطن في بلادنا لأقسى أنواع الضغوط التي أعتقد أنها لم تمر عليه من قبل، والمتابع لهذه الضغوط المتتالية التي تنهال على مواطنينا لا يملك إلا أن يسأل الله اللطف كما يسأله أيضاً سرعة الفرج وإزالة الغمة عن هذه الأمة. يكفي أن تقرأ بعض ما يكتب في صحفنا عن معاناة المواطنين، وأثر تلك المعاناة على وضعهم الصحي والاجتماعي بكل أبعاده لنعرف أي قدر من المشكلات ينوء المواطن تحت كاهلها.
مصائب سوق الأسهم كانت كارثة حقيقية لعدد غير قليل من المواطنين قيل إن عددهم بالملايين وليس بالآلاف على أساس أن رب الأسرة المتأثر بما وقع عليه ينصب هذا على جميع أفراد أسرته.
الكاتب في صحيفة «الوطن» السعودية حمود أبوطالب اقترح أن يكون في كل مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة قسم لمرضى الأسهم، ووصف ما حدث في سوق الأسهم بأنه «كارثة» و «جائحة»، وكان مما قال: «إنها جائحة أيها السيدات والسادة سيسجلها التاريخ في ذاكرته مثلما سجل سنة الجدري وسنة المتصدع وسنة الكوليرا... هذه الكوارث لا تحدث إلا لوجود مافيا منظمة مع غياب القانون والرقابة»، أتفق مع ما ذكره الزميل حمود، ومرة أخرى تحدثت صحفنا عن حالات الاصابة الكثيرة بالأمراض النفسية، وكذلك حالات الطلاق، وأمراض أخرى كثيرة، ناهيك عن الديون التي لحقت بأعداد غير قليلة من المواطنين.
هذه الجائحة لم يتحرك أحد لمعالجتها وكأنها تحدث في بلاد لا علاقة لنا بها وأناس لا تربطنا بهم أية رابطة، بل إن المسئولين عن سوق المال - قديماً وحديثاً - صمتوا عن هذه الكارثة وعن مرتكبيها وكأن الهيئة التي أوجدتها الدولة لتحمي السوق وأهلها ليست مسئولة عن هؤلاء الذين أطلقوا عليهم أحياناً صفات لا تليق بهم ولا لغيرهم.
السوق السعودية كانت توصف بأنها أكبر سوق في الشرق الأوسط، وهذا الوصف هو الذي طمأن الكثير الى الدخول فيها، فأين هذه السوق من التصنيف السابق حالياً؟ الاحصاءات تقول إن سوق الأسهم السعودية سجلت أعلى نسبة انخفاض في المؤشر وفي القيمة السوقية على مستوى العالم العربي في الأشهر التسعة الماضية، فقد بلغت نسبة الانخفاض - بحسب صندوق النقد العربي - 12.5 في المئة أما في لبنان فكانت 4.7 في المئة ولك أن تتخيل الفرق الهائل بين الوضع الاقتصادي والسياسي في المملكة ولبنان، وكيف كان ينبغي أن ينعكس هذا الوضع على سوق الأسهم فإذا تخيلت هذا الفرق عرفت مدى الكارثة التي لحقت بالمواطن السعودي، وكيف أن هيئة سوق المال لم تفعل شيئاً إزاءها.
هيئة سوق المال مازالت تردد أن الوضع الاقتصادي في بلادنا ممتاز، وأن الاستثمار في بلادنا واعد، وأن هذا كله يجب أن ينعكس على سوق الأسهم، وهذا الكلام الكل يعرفه ولا يحتاج من الهيئة إلى أن تقوله، الناس كانوا يريدون من الهيئة أن تضع النقاط على الحروف، نريد اجابة محددة على الأسئلة التي تتردد على ألسنة الخاسرين في هذه السوق، إذا كان كل شيء على ما يرام فلماذا هذه الخسائر الرهيبة التي قدرت بـ 457 مليار دولار والتي شكلت 44.3 في المئة من القيمة السوقية للأسهم؟ أين ذهبت هذه الأموال؟ وهل يمكن استردادها وإعطاؤها لأصحابها الحقيقيين؟ الهيئة تصمت عن هذا كله في وقت لا يصح فيه مثل هذا الصمت.
قبل أيام أعلنت الهيئة أنها غرمت أحد المتلاعبين عدة ملايين من الريالات، وقبل ذلك قيل إن الهيئة حققت مع عدد من المتلاعبين كذلك في سوق الأسهم، لكن الهيئة لم تقل أيضاً هل هذه الأموال من حق الهيئة أم من حق الخاسرين في السوق؟ المفهوم من تصرف الهيئة أنها استولت على تلك الأموال فهل هذا هو الحق الذي تمارسه الهيئة؟ هل هي الخاسرة في السوق أم سواها؟
كارثة المواطن مع الهيئة لا تقل عن كارثته مع وزارة التجارة، فهو - وهو يرزح في مأساته الأولى - قررت وزارة التجارة، ان تقضي على ما بقيت فيه من حياة وذلك بسكوتها عن المغالاة الشديدة في الأسعار الأساسية التي يحتاج إليها كل مواطن.
غلاء الأسعار شمل الأدوية والطعام والخضر والأدوات المتعددة التي لا يستغني عنها أحد، وهذا الغلاء زاد في بعض الأحيان عن 100 في المئة ناهيك عن ايجارات المساكن ولاسيما في المدن الكبرى في المملكة.
كان من واجب هذه الوزارة أن تفعّل أجهزتها الرقابية على الأسواق ولاسيما في هذه الظروف التي يمر بها المواطن لكنها كانت على النقيض من ذلك تماماً! تركت التجار الجشعين يفعلون الأفاعيل في المواطن الذي لا حول له ولا قوة، وكأن هذه الوزارة تضع يدها في يد هيئة سوق المال لتكمل مشوارها في محاصرة معظم المواطنين وإيصالهم إلى الحد الذي لا يطاق في معيشتهم. كنا ننتظر من وزارة الصحة ومن جميع الجهات التابعة إليها أن تهب لمساعدة المواطنين فيتم توزيع الأدوية عليهم مجاناً، وخصوصاً أدوية الضغط والسكر، لكنها سكتت كغيرها وكان حقها أن تتحرك لمساعدة المواطنين كما فعلت مع سواهم.
المواطن في بلادنا بحاجة إلى من يقف معه وقفة جادة فقد ناله الشيء الكثير مما قد لا يتحمله، وليس من المعقول أن يتحمل فوق ما لا يستطيع.
على كل مسئول في بلادنا أن يتذكر قول خادم الحرمين «إن المواطن هو الأساس في هذه البلاد وإن الجميع وضعوا لخدمته وقضاء حوائجه»، وعلى هؤلاء المسئولين أن يفعّلوا توجيهات خادم الحرمين ليراها كل مواطن واقعاً في حياته اليومية.
ليس من المعقول أن نسمع أن دول الخليج كلها ترفع رواتب موظفيها بنسب عالية جداً وأن ترفع معظم ديون الدولة عن المواطنين وتساعدهم على بناء مساكنهم في الوقت الذي تتضاعف فيه معاناة المواطنين في بلادنا مع أن وضعنا المادي أفضل من وضع هذه الدول كلها.
حماية المواطن واجب لا ينبغي إهماله، وكل مسئول في الدولة يجب أن يقوم بدوره في هذا الخصوص، وألا يترك المتربصين بالمواطن يتحركون بحرية تامة في ظل غياب كامل عن المتابعة والمراقبة?
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ