إن ما يجري في العراق لهو أمر محزن للغاية، وما هو أشد إيلاماً على النفس أن تتحول بعض الأقلام ناحية التشهير، بشكل مبطن، بجماعات محسوبة على «أهل السنة والجماعة» عُرف عنها رفضها للاقتتال الطائفي، وتلك بياناتها المتكررة التي تستنكر تلك العمليات الشنيعة التي يقوم بها البعض تجاه المدنيين، والشيعة تحديداً. إلاّ أن بعض الزملاء، لا ترى أعينهم سوى الصداميين والتكفيريين، ويغفلون عن عمد عن التكفيريين الجدد، والذين يستبيحون الدماء البريئة نهاراً جهاراً في مختلف أصقاع بلاد النهرين.
الانتقائية في التشنيع، والازدواجية في المعايير تضع حياد الصحافيين والكتاب والمحللين على المحك، وتستجوب نزاهتهم التي طالما تشدقوا بها. السنة والشيعة في العراق، وأقصد غير المنتفعين أو الملوثين بالدماء البريئة، هم في منأى عن الخوض في مثل تلك التحليلات، والتحريض البين على العنف والتهميش، وهؤلاء هم الأكثرية، وما تقوم به بقية الجماعات التكفيرية (القدامى والجدد) هم قلة قليلة ينبغي علينا جميعاً مواجهتها، والتشنيع بما تقوم به من قتل على الهوية.
من المستغرب أن يُطلب - دائماً - من «سنّة» العراق أن يدينوا القتل على الهوية، في حين لا يتحدث المحللون والكتاب والصحافيون عن القتل على الهوية لدى بعض الجماعات التي تنتسب للطائفة الشيعية، وخصوصاً بقايا فيلق بدر (الذين انخرطوا في صفوف الشرطة، وقد تحدّثت التقارير عن وجود ضباط متورطين في هذا الأمر، وتم تشكيل لجان تحقيق في ذلك، وتمت الإشارة الى أمرهم في تقرير بيكر- هاملتون) أو في التيار الصدري، والأخير تورّط أحد زعمائه، كما يظهر ذلك في أحد الأشرطة المسجلة، في الترويج للقتل على الهوية! وهنا يكون المحللون والكتاب والصحافيون كمن «يرى القذى في عين الآخرين ولا يرى الجذع في عينه».
إذا أردنا الحياد والنزاهة، فينبغي علينا إدانة تلك الأعمال من الطرفين، التكفيريين القدامى والجدد، أما إلقاء اللائمة على أهل السنة والجماعة، وهم في حال مقاومة واحتراب دائمين مع الأميركان، إلى التحرير بإذن الله، وتتفق معهم في تلك المقاومة بعض الفصائل الشيعية، فإن هذا الأمر لن يؤدي إلى حقن الدماء البريئة، ولن يدفع ناحية استقرار الأوضاع الأمنية في العراق العزيز على قلوبنا جميعاً.
مقاومة المحتل حق مشروع كفلته الشرائع الدينية كافة، ونصّت عليه المواثيق الأممية جميعها، وأما القتل على الهوية فهو مرفوض في الشرائع كافة. مقاومة المحتل الصهيوني في الجنوب اللبناني لا تختلف عن مقاومة المحتل الأميركي في العراق، وما نجيزه ونقدره ونسانده في لبنان، هو ما نجيزه ونقدّره ونسانده في العراق أيضاً.
«عطني إذنك»...
ليس غريباً وسط تلك الحوادث أن يتمنى الناس عودة حكم الحديد والنار، حكم الطاغية المستبد صدام حسين، فالأمن والاستقرار أغلى وأعز لدى الإنسان من المحاصصة وتحصيل الامتيازات. ونأمل أن يتجاوز العراق أزمته قبل ألا نجد عراقاً نبكيه... وتلك قصة وغصة أخرى?
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ