العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ

الإصلاح الرياضي والاستثمار في «الذهب»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في بداية الصبا، ومع أول تفتّحنا على الرياضة في المرحلة الإعدادية، كان أمام جيلنا أستادان رياضيان، واحدٌ في مدينة عيسى والآخر في المحرق. وبينما كان أستاد المدينة منشأةً حديثةً ومجهّزةً جيداً بمعايير ذلك الزمان، كان أستاد المحرق فقيراً بمعنى الكلمة، فأرضه خشنة، ومدرجّاته من الحجر، وغرفة اجتماع الفرق أشبه بغرفة المقابلات بسجن القلعة بالمنامة.

في منتصف السبعينات، تعطّل اللعب على أستاد المدينة، ربما من أجل زراعته، وبالتالي تم نقل مباريات دوري الممتاز إلى المحرق، وهكذا كان على جمهور العاصمة والمناطق الأخرى أن يركبوا «النقل العام» إلى محطة الحافلات بالمحرق، ومن هناك يركبون سيارةً أخرى للأستاد، أو يقطعون مسافة كيلومترين أو ثلاثة مشياً على الأقدام.

دخول الجامعة كان فترة انقطاعٍ شبه تام عن جنون الرياضة، لصالح جنون السياسة، حيث لا يشدّك إلاّ حدثٌ رياضيٌ كبيرٌ كالأولمبياد، تبقى تتابعه من بعيد. الزملاء الرياضيون أكملوا معلوماتي بالقول إنه تم التحوّل في أستاد المدينة إلى النجيل الاصطناعي بداية الثمانينات، تحت مبرّر عدم وجود مياه كافية للعشب الطبيعي، وهو ما تسبّب في إصابات كثير من اللاعبين، مثل قطع الرباط الصليبي وآلام الظهر، التي شكا منها حتى الحكام. وفي منتصف الثمانينات افتتح الأستاد الوطني الذي لم أدخله قط، وفي بداية التسعينات تم التحوّل إلى «نجيل اصطناعي أكثر تطوراً» كما قيل. قبل شهرين، فوجِئت بصورٍ لإزالة أستاد المدينة، تبيّن أنها من أجل إنشاء مدينة رياضية. وتم تحويل المباريات إلى ملعبي نادي المحرق والأهلي غير المؤهلين لمباريات الدوري، كما تقول الصحافة الرياضية.

هذه الجولة الخاطفة مع الملاعب تعكس حالة الرياضة في بلادنا، التي تفتقر إلى البنية التحتية، وعدم الاهتمام بالعنصر الوطني، وبروز سياسة تفضيل الأجنبي في السنوات الأخيرة، تحت مظلة «التجنيس الرياضي». وهي خطيئةٌ لا تقلّ خطورةً عن التجنيس السياسي، فأنت تقدّم الحوافز والإمكانات للأجنبي ليتدرّب في معسكرات أوروبية، بينما تبخل على أبناء الوطن بربع تلك الإمكانات.

المجتمع الرياضي يتحدّث عن ضعف البنية التحتية الرياضية وقلة المنشآت، وعن إلغاء مباريات الدوري بسبب نزول المطر، بل إن هناك منشآت رياضية وصالات كانت «تخرّ» من المطر. وعلى مستوى الألعاب الفردية، ومن دون الدخول في التفاصيل، تكتشف أن فرق المعوّقين الذين يحقّقون ميداليات ذهبية وفضية، عربياً ودولياً، نادراً ما تتاح لهم الفرصة للتدرّب على مضمار الأستاد الوطني، وأحياناً يتدرّبون في موقف السيارات بالأستاد، لقلة الاهتمام بهم.

القضية في إطارٍ أوسع، تكشف عن مشكلةٍ حقيقية، وهي عدم الثقة بالمواطن، وأننا أبعد ما نكون عن سياسة الاستثمار في مواطنينا كما تفعل الدول المجاورة، مع أننا نملك ثروةً بشريةً وكثافةً سكانيةً تتيح تخريج أجيالٍ جديدةٍ مبدعةٍ في مختلف المجالات، ترفع اسم البلد، بدل استيراد لاعبين أجانب، لن يلعبوا قطّ بروحية ابن المحرق أو المنامة أو سترة أو الرفاع.

وكمعلومةٍ إضافيةٍ أدهشني سماعها أمس، أن المنتخب الوطني كان ترتيبه الرابع على آسيا في العام 2004، وهو ما حدا بعددٍ من دول الجوار إلى طلب 13 لاعباً بحرينياً، وفي العام التالي لم يحقّق الفريق أي انجاز. وبدل الاستثمار في هذا «الذهب البحريني الأصلي»، لجأ «البعض» إلى سياسة التجنيس قصيرة النظر.

أختم الحديث عن الرياضة، بما يقوله أهل الرياضة: إن هناك شركةً خارجيةً متخصصةً تُوكل إليها مهمة الصيانة، ولكنها تُسلّم الملاعب غير مكتملة الصيانة! ويقارنون بينها وبين تجربة الإدارة الفنية بالمؤسسة العامة للشباب والرياضة، التي تقوم بصيانة بعض الملاعب الخارجيةالمزروعة طبيعياً على أكمل وجه. وفي تفسير هذه الظاهرة يقولون: ابحث عن ابن البلد?

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً