على أنه وبعيداً عن تلك العوامل التي أدت إلى تبلور مفهوم العولمة، هناك أسباب أدت إلى انتشارها يشير إليها الباحث العربي عامر الخطيب ويحصرها في:
1- التشوق الإنساني إلى المزيد من الحرية والديمقراطية التي ترفع عن الإنسان قيود القهر والاستغلال وتخفف عبء الظلم والاستبداد لتحقيق حياة أفضل.
2- تحقيق الرفاهية الإنسانية التي تكفل له المزيد من المتعة والحياة الكريمة والممثلة في مزيد من الرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية والحقوق السياسية والاستقرار المهني وتكافؤ الفرص.
3- تعظيم الأخلاق والقيم الإنسانية فالعولمة الإنسانية تعمل على تدعيم وتنمية القيم الأخلاقية من ناحية وتنمي وتدعم القيم الإنسانية بصورة متوازية ومتكاملة من ناحية أخرى.
4- تحقيق وتنمية وتقبل الجمال والمتعة والخير والحق، بالصورة التي تجعل السلوك الإنساني أكثر تهذيباً وجمالاً وإنتاجاً وعطاء لخير البشرية وتقدمها.
5- ترشيد عملية استخدام الموارد الطبيعية بالشكل الذي يحقق التوازن البيئي للعالم ويجنبها الاستغلال الجائر وما يترتب عليه من كوارث.
6- تنمية وتدعيم القيم الديمقراطية والحرية والمشاركة الفعالة والواعية في عملية صوغها في شكل حقوق ثابتة، كحق الإنسان في الاختيار وحقه في المشاركة فيما يتصل بواقعه ومستقبله.
7- إتاحة المناخ التربوي المناسب لذوي المواهب والقدرات لتفعيل مواهبهم وقدراتهم ومساعدتهم على الابتكار والإبداع والتفوق وتنمية قدراتهم واتجاهاتهم على المبدأ وارتياد المجهول بغض النظر عن مخاطره واكتشاف الجديد والأفضل والأكثر إمتاعاً وإشباعاً لحاجات البشر فالعولمة الإنسانية تصهر قدرات ومواهب وطاقات البشر في بوتقة واحدة من أجل عالم واحد أفضل يتفاعل مع المجتمع الإنساني.
لكنه وعلى رغم التقدم الملحوظ للعولمة في جانبها الاقتصادي بصفة خاصة منذ بداية التسعينات فإن السنوات الأخيرة شهدت أزمات مالية في بعض الدول النامية أدّت إلى ارتباك النظام المالي والاقتصادي العالمي، مثل: الأزمة الاقتصادية في المكسيك 1994، والأزمة الآسيوية 1997 وفي البرازيل وروسيا 1998، وقد جعلت هذه الأزمات الدول النامية تراجع حساباتها في قضية الاندماج في الاقتصاد العالمي وتسريع الخطى نحو اقتصادات العولمة، وكان هناك مثال واضح اتخذ خطوات عملية لحماية اقتصاده؛ وهو وضع ماليزيا التي فرضت قيودًا على سياساتها النقدية والمالية، وكذلك جهود مجموعة الـ 15 من خلال اجتماعاتها المتكررة والمطالبة بشروط أفضل للدول النامية في التعاملات الاقتصادية والدولية.
وكانت مقدمة احتجاجات مجموعة الـ 15 من خلال اجتماعات كوالالمبور في نهاية 1997؛ حيث هاجم رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، كما أن لكل من مصر والهند دورًا بارزًا في اجتماعات منظمة التجارة الدولية. ولكن توجد بعض الأسئلة لم تجد إجابات حاسمة حول ظاهرة العولمة، منها: هل العولمة حتمية قدرية أم ظرف تاريخي؟ انتقادات العولمة هل تفي بإمكان التراجع عنها؟
ولعل هذا ما جعل البعض من أشكال العيسوي يرفعون علامة استفهام كبيرة حول حتمية العولمة. وفي هذا الصدد يقول العيسوي: «إن العولمة ليست حتمية قدرية كما يصوّرها البعض، ولكنها ظرف تاريخي يسيطر ويتطور فيه النظام الرأسمالي، وأن هناك ظروفًا تاريخية سابقة مشابهة لظواهر العولمة الاقتصادية الحالية حدثت خلال الفترة من 1870 وحتى 1913؛ فخلال تلك الفترة حدث تكثيف وتوسيع للمعاملات التجارية والنشاط الاقتصادي عبر الحدود السياسية للدول القومية، وجرت عمليات كبرى لفتح الأسواق وزيادة درجة التكامل بين الاقتصادات الوطنية من جراء انتقال البشر ورؤوس الأموال على نطاق واسع، وكانت العولمة القومية تعتمد أيضًا على التقدم التكنولوجي؛ خصوصاً في مجالات النقل والاتصالات، وكما هو حادث الآن ظن عدد كبير من المفكرين ورجال الأعمال أن العالم قد دخل طورًا اقتصاديًا لا رجوع عنه، إلا أن الفترة ما بين الحربين العالميتين وما بعدهما شهدت اتجاه الدول الغربية نحو الحمائية على رغم توقيع أولى اتفاقات الجات في 1947، وبالتالي اتجهت الدول النامية إلى حماية صناعاتها الناشئة، كما حدث تراجع عن العولمة، وهو درس من نتائج تجربة تاريخية في فترة زمنية معينة، وتستخلص الورقة قابلية العولمة للتراجع أو الارتداد إذا ما نشأت ظروف تدعو إلى ذلك»?
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ