العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ

الظاهر والباطن في السياسة الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ينتظر العالم السنة الميلادية المقبلة لمعرفة نوعية الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي وعد الرئيس جورج بوش بإعلانها بعد تسلم وتسليم قيادة الكونغرس للحزب الديمقراطي المعارض. وقبل نهاية السنة الميلادية الجارية بدأت تظهر معالم تلك الاستراتيجية من خلال التصريحات الرسمية المتقطعة أو الخطوات الميدانية التي قررت واشنطن اتخاذها في الشهور المقبلة.

حتى الآن لم تعلن الصيغة النهائية لتلك الاستراتيجية ولكن من خلال المتابعة للكلام والأفعال يمكن وضع رؤوس أقلام ترسم الخطوط العامة للتوجهات المحتملة. أولاً، لا مانع لدى واشنطن من الاتصال بإيران وسورية وإعطاء دور لطهران ودمشق في مساعدة الولايات المتحدة للخروج من ورطتها في العراق. ولكن هذه الموافقة المبدئية تبدو مشروطة بمجموعة طلبات مسبقة وكلها تتركز على اتهام الدولتين الجارتين لبلاد الرافدين بأنهما تتحملان مسئولية العنف والفوضى وزعزعة الاستقرار. فالشروط الأميركية تنطلق من كيل الاتهامات التي سبق أن أطلقتها واشنطن في مناسبات عدة. وهذا يعني أن على طهران ودمشق الاعتراف بالمسئولية كشرط للموافقة على إعطاء دور إقليمي لهما. إضافة إلى هذا الشرط طلبت أميركا من إيران التنازل عن مشروعها النووي السلمي ووقف التخصيب وغيرها من نقاط تمس الأمن القومي والاستقلال الاقتصادي. كذلك طلبت من سورية وقف دعم «شبكات الإرهاب» ورفع الغطاء السياسي عن حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين وغيرها من شروط تمس السيادة والاستقلال.

هذا أولاَ. ثانياً، أعلنت وزارة الدفاع (البنتاغون) عزمها على زيادة قواتها البرية في العراق بعد تلك الزيارة التفقدية التي قام بها الوزير الجديد روبرت غايتس لجيش الاحتلال. وهذا يؤشر على أن إدارة بوش ليست مقتنعة بتوصية سحب قوات الاحتلال أو التخفيف من حجمها. كذلك أظهرت الإدارة بعض العناد في رؤيتها للمنطقة والأسلوب الأفضل الذي يجب اعتماده في التعامل مع قضايا «الشرق الأوسط» الحساسة. فالإدارة اتجهت نحو التصعيد السياسي المرفق بحشود عسكرية بحرية في الخليج تلمح إلى وجود نية باستكمال مشروع التقويض الذي بدأته في العام 2001 (أفغانستان) وتابعته في العام 2003 (العراق).

ثالثاً، تبدو إدارة بوش مصرة على تثبيت استراتيجيتها السابقة والاكتفاء بتعديلات بسيطة لا تغير في أسسها العامة. فالتوجهات التي ظهرت تؤكد التزام واشنطن بأمن «إسرائيل» وضمان تدفق النفط وكسر أي محاولة لتعديل الموازين العسكرية والإقليمية.

هذه الملامح توضح الصورة العامة للاستراتيجية الأميركية المقبلة وهي في مجموعها ليست جديدة وإنما مجرد متابعة لمشروع اختبرته المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية. وبكلام آخر أن بوش في العام 2007 لن يكون مختلفاً عن ذاك «البوش» في 2006. فهو كما يبدو في حال صعبة ولكنه ليس في وضع يسمح له بالاستدارة والتغيير.

هذا على الأقل ما يمكن ملاحظته من خلال رصد عناوين الصحف التي تشير إلى نهج متشدد مع إيران ظهرت بوادره في القرار 1737. كذلك يمكن ملاحظة السياسة نفسها في التعامل مع الموضوع الفلسطيني. فواشنطن قررت الانفتاح جزئياً على السلطة حين وجدت أن هناك بوادر انشقاق بين الرئاسة والحكومة ولكن الانفتاح لا يدل على سياسة بقدر ما يظهر بعض شفقة على شعب يتعرض لحصار عقاباً على خياراته الانتخابية (الديمقراطية). والأمر نفسه يمكن متابعته من خلال رصد ملف العلاقة مع دمشق. فأميركا أظهرت بعض الليونة ووافقت على اللقاءات والاتصالات ورفعت الحظر عن الوفود الدبلوماسية الأوروبية والأميركية التي عزمت على زيارة سورية، ولكن المؤشرات لا تكشف عن استراتيجية جديدة. وباستثناء تلك اللقاءات والاجتماعات المعلنة والسرية لم تسفر المفاوضات عن تطور نوعي إلا إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وبغداد، وربما هناك قراءة جديدة لملف العلاقات اللبنانية - السورية وغير ذلك لا يظهر في الأفق ما يشير إلى احتمال حصول انقلاب دراماتيكي في السياسة الأميركية.

ويمكن رصد هذه التطورات من خلال المتابعة اليومية للتصريحات والاتصالات. أما الزوايا الغامضة التي ترسم حدودها مفاوضات الكواليس ويتم تسريبها جزئياً إلى الصحف الأميركية أو الإسرائيلية فلا يمكن التعويل على أوراقها قبل انكشاف «جبل الجليد» وتحديد المسار المائي الذي سيتجه نحوه ويصطدم به. فالكلام عن صفقات سرية أميركية - سورية بشأن العراق ولبنان وفلسطين مجرد تحليلات صحافية. كذلك الكلام عن وجود ترتيبات بين دمشق وواشنطن بشأن «المحكمة ذات الطابع الدولي». فهذا الكلام غير موثق ولا يمكن التعامل معه بجدية قبل ظهور مؤشرات ميدانية على الأرض. والمؤشرات في هذا المعنى كثيرة مثل فك ارتباط إيران بسورية وذهاب دمشق باتجاه آخر لا يتوافق مع تصورات طهران، أو مثل فك ارتباط دمشق بحزب الله وبدء الاختلاف على جدول الأولويات اللبناني، أو مثل فك ارتباط سورية بفلسطين وتحديداً حركة حماس واختلاف سلوك الأخيرة في تعاملها مع رئاسة محمود عباس.

كل هذه المؤشرات غير واضحة حتى الآن، وهي في معظمها كلام تتناقله الصحف ووكالات الأنباء أو تسربه أجهزة لهذه الجهات أو تلك، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كمعلومات وبناء تصورات أو توجهات أميركية بديلة أو جديدة.

كلام الصحف يعتبر عادة من التفصيلات ولا يشكل عموماً مادة نهائية تعكس الاستراتيجيات الدولية التي تحركها المصالح الكبرى. وفي هذا الإطار يمكن قياس الكثير من التسريبات التي يقصد منها التشويش ويراد من خلال إطلاقها إثارة الحساسيات بينما هي في الواقع مجرد أوراق غير موقعة رسمياً ويمكن تجاهلها أو عدم تبنيها في مناسبات لاحقة.

حتى الآن لم يظهر «جبل الجليد» وكل ما صدر من كلام هنا وهناك يعتبر مجرد «رؤوس أقلام» لا تعطي فكرة كاملة عن تلك الاستراتيجية الجديدة التي يتوقع أن يعلن عنها بوش في مطلع السنة الميلادية المقبلة. فالكلام الذي قيل أو نقل عن الصحف ووكالات الأنباء يتعارض في حدوده الدنيا مع تلك التصريحات والبيانات والقرارات التي صدرت عن مجلس الأمن أو وزارة الدفاع الأميركية. وهذا التعارض يشير إلى احتمالين: إما أن واشنطن كاذبة وتريد التغطية على مشكلاتها، وبالتالي فهي في وضع صعب وعلى قاب قوسين من الهزيمة وتطلب المساعدة من أي كان لإخراجها من ورطتها، وإما أن واشنطن في حال تخبط (لا تعرف ماذا تريد وإلى أين تتجه) وبالتالي تطلق تصريحات عنيفة لتخويف المحيط من قوتها وفي الآن تتصل بدول الجوار للتفاهم على صيغة تنقذ ماء الوجه وسمعة الولايات المتحدة الدولية.

في الظاهر تبدو الولايات المتحدة متشددة في التمسك بمواقفها. أما باطن الأمور فهي نقاط مخفية لا يمكن الاعتماد عليها لرسم معالم الاستراتيجية الجديدة. فالمعالم واضحة نسبياً ولكنها تحتاج إلى وقت إضافي لظهورها كلياً على سطح السياسة الإقليمية?

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1573 - الثلثاء 26 ديسمبر 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً